مجزرة الحسجة

صالح بوزان

طيلة التاريخ الكردي
القديم كان أعداء الكرد يهاجمونهم ويعملون فيهم القتل والتشريد وتدمير ممتلكاتهم
ونهبها. تابع الأعداء هذا السلوك مع الكرد في العصر الحديث أيضاً. لم يلق الكرد من
الترك والفرس والعرب سوى القتل والتدمير والنهب. إنهم يملكون حقداً أسوداً لم يتغير
تحت الأيديولوجيات الدينية ومذاهبها المختلفة، وتحت الايدولوجيات القومية والسياسات
اليمينية واليسارية. لكن كل ذلك لم يستطع القضاء على الكرد وإجبارهم للتخلي عن
هويتهم كشعب له خصوصيته. في العصر الحديث التفت الجهابذة من أعداء الكرد إلى السعي
لاجتثاثهم من المكان والقضاء على تراثهم. فقامت الحكومات في كل من سوريا والعراق
وتركيا وإيران بالسعي لتهجيرهم من أماكنهم وتسكين بني جلدتهم في موطن الأكراد
والعمل الحثيث للقضاء على لغتهم وعلى تراثهم الشعبي من الفلكلور والأعياد
والمناسبات الخاصة بهم. كان أكبر هجمة من هذه الحكومات على عيد نيروز لاجتثاثه من
ذاكرة الشعب الكردي. فمنع بالحديد والنار في كل من سوريا وتركيا.
نيروز هو عيد كردي له خصوصيته يعود إلى العهد الميدي. هو رمز لاستمرار التاريخ
الكردي وصموده أمام الأعداء منذ ذلك التاريخ. لقد غير الأعداء تسميات مواطنهم، منعت
الأسماء الكردية، جرى تشويه تاريخهم بالكذب والتلفيق، تحالف في السر والعلن من أجل
خنق الكردي. 
تاريخ نيروز الحديث كتب بالدم. ففي سوريا كان الشهيد آدي أول
الضحايا. وعندما اقتنع ديكتاتور سوريا الأكبر أنه من المستحيل القضاء على نيروز
أراد طمسه بعيد الأم. وجاء داعش ليتابع هذه السياسة. فمنذ الإعلان عن الهجوم على
كوباني غير اسمها إلى عين الإسلام. 
واليوم، ومن خلال هذه المجذرة الشنيعة في
الحسجة، يريد داعش مواصلة سياسة أقرانه القوميين العنصريين بمنع الكرد من الاحتفال
بعيد نيروز. 
أتذكر بهذه المناسبة فلماً تدور أحداثه في فرنسا في الأيام الأخيرة
من وجود النازيين فيها. حيث قام النازيون بسرقة غالبية تراث الشعب الفرنسي من
تماثيل ولوحات فنية وأخذها إلى ألمانيا. تشكل فريق فرنسي من الفنانين والأثريين
لإعادة هذا التراث لفرنسا. كان الفريق عبارة عن فرقة عسكرية مسلحة. في أول مناسبة
لرئيس الفريق قال لمجموعته: “سيقولون أن العديد من الناس سيموتون خلال هذه العملية.
ما قيمة الفن مقابل حياة الناس؟”. وتابع حديثه: “إنهم مخطئون، لأن هذا بالضبط ما
نحارب من أجله ضد النازية. نحن نحارب من أجل ثقافتنا وطريق حياتنا. يمكنك أن تمحو
جيلاً كاملاً من الناس، تحرق منازلهم عن بكرة أبيها. لكنهم بطريقة ما سيعودون. ولكن
إن دمرت انجازاتهم وتاريخهم، عندئذ سيبدو وكأنهم لم يتواجدوا أبداً”.
هذا
مايريده أعداء الكرد اليوم. يريدون  أن لا يكون لهم لغتهم وتراثهم، والأبرز في ذلك
كله أن لا يكون لهم نيروزهم.
لكنهم مخطئون.. مخطئون.. مخطئون. 
ستبقى شعلة
نيروز منارة الشعب الكردي وتهدي من ضل منهم الطريق.  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس كوردستان.. الدولة التي ستنهض من رماد الاستبداد ستكون ركيزة الديمقراطية والاستقرار في المنطقة. العوامل الذاتية لإقامة كوردستان كدولة ديمقراطية باتت شبه متكاملة، والطموح إلى القيم الحضارية لم يعد مجرد حلم، بل واقع يتشكل بخطوات ثابتة. منذ فترة وأنا أتابع عن كثب معظم الحوارات والتصريحات الصادرة عن قيادة إقليم كوردستان، بدءًا بحوار السيد مسعود برزاني الأخير، مرورًا بتصريحات…

محمد صالح شلال الشباب هم عماد أي أمة وأساس تطورها وازدهارها، فهم الفئة الأكثر طاقة وحيوية وقدرة على الابتكار والتغيير. يشكل الشباب نسبة كبيرة من المجتمع، ولذلك فإن تمكينهم وإشراكهم في بناء المجتمعات يعد ضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة والنهضة الشاملة. إن الدور الذي يلعبه الشباب في المجتمع لا يقتصر على مجال واحد، بل يشمل جميع القطاعات، سواء…

عبدالباقي اليوسف تثير الدعوات التركية المتكررة للمصالحة مع الكورد الكثير من الشكوك والتساؤلات، خاصةً في ظل تاريخ طويل من الصراعات والخلافات. فهل يمكن الوثوق بالنظام التركي عندما يتحدث عن “الأخوة” مع الكورد؟ وهل هذه الدعوات تعبر عن نوايا صادقة أم أنها مجرد تكتيك سياسي لتحقيق أهداف أخرى؟ يثبت التاريخ الحديث أن النظرة التركية للكورد غالباً ما تكون مشوبة…

خورشيد شوزي الإعلام، بوصفه السلطة الرابعة (كما يسميه البعض) في المجتمعات الحديثة، لم يكن يوماً مجرد ناقل للأخبار، بل هو فضاء مفتوح تتقاطع فيه الحقائق مع المصالح، وتنصهر فيه الموضوعية مع التوجهات السياسية والأيديولوجية. في عالم مثالي، يُفترض أن يكون الإعلام حارساً للحقيقة، يضيء زواياها المظلمة، ويكشف زيف الادعاءات والتضليل. لكنه، في كثير من الأحيان، يتحول إلى أداة…