أحزاب كردية أخرى على طريق التمزق

صلاح بدرالدين 
  كنا قد نشرنا الأسبوع
المنصرم مقالة تحت عنوان ” في أسباب تمزق حزب الطالباني ” واستخلصنا جملة من أسباب
الانفراط والانهيار المرتقب ومنها : التسرع أو نزعة حرق المراحل والانطلاق من
أجندات المحاورالاقليمية وليس المصلحة القومية والوطنية وعدم الالتزام بمبدأ
استقلالية القرار والانخراط في المشروع السوري الإيراني بشكل محدد .
  من
المتعارف عليه أن الحركة القومية الكردية منذ صعودها المطرد بدءا من بداية ستينات
القرن الماضي وخاصة في مركز كردستان العراق الأكثر وضوحا ودورا كان يتنازعها نهجان
مختلفان واحد يتسم بالأصالة والوضوح والاعتدال وتراكم الخبرة التاريخية وتتوفر فيه
الصفات والميزات التقليدية لحركات التحرر الوطني مثل القيادة الكاريزمية وربط
الكفاح الكردي بالنضال الوطني الديموقراطي والانفتاح على العالم الحروالتمسك
بالسلام والعيش المشترك مع الشعوب الأخرى والحل الوطني عبر الحوار وكان خط
البارزاني السياسي ومنطلقاته بمثابة العمود الفقري لهذا النهج والرافد الحقيقي
لجميع التيارات القومية الديموقراطية الكردية في ايران وسوريا وتركيا منذ أكثر من
خمسة عقود .

 أما النهج الثاني فتمثل في أحزاب قومية وفئات وتيارات سياسية قسم منها انسلخ من
النهج الأول وخرج عليه بطرق وأساليب غير مشروعة اكتنفها الغموض والشكوك وغلب عليها
طابع العوامل الخارجية وتحديدا الدعم والتشجيع من الأنظمة الشوفينية من منطلق
العداء للقضية الكردية والثورة الكردية الأولى بالعصر الحديث ويشكل ظهور ” الاتحاد
الوطني الكردستاني – حزب الطالباني ” بكل اشكالياته وخفاياه نموذجا معبرا عن ذلك
الاتجاه ومحورا في استقطاب الأحزاب والتيارات المماثلة على مر الأعوام والعقود
والقسم الآخر ظهر حديثا كنتيجة لاختراقات الأنظمة في الجسد الكردي من منشأ مجهول
وولادة غير طبيعية على طريق تطويعها وقودا وأدوات في صراعات الأنظمة الإقليمية
السياسية والمذهبية تلك التي يتوزع فيها الشعب الكردي خصوصا وقد شكل ” حزب العمال
الكردستاني – التركي حزب أوجلان ” وامتداداتها العراقية والسورية والإيرانية تجسيدا
لهذا النهج .
  على عكس ميزات وخصائل النهج الأول فالأخير كما ذكرنا خارج
المشروع الوطني الكردي في المنطقة وليس مقبولا من النخب السياسية والثقافية وحتى من
الوسط الوطني الكردي المناضل وهو بالأساس لايعول على الداخل بل يستمد قواه من
الخارج ومن أسلحة الأنظمة ودعمها ولأسباب عديدة وخاصة لطبيعته المغامرة ليس مقبولا
من شركاء الكرد في العيش المشترك وأقصد الحركات الديموقراطية العربية والتركية
والإيرانية فاما يقوم بدور هامشي أو منخرط في المشروع السوري الإيراني أساسا وقابل
للتموج والتكامل مع هذا الطرف الإقليمي وذاك كالجانب التركي على سبيل المثال ومصيره
حاضرا ومستقبلا يرتبط ببقاء النظامين المستبدين في كل من دمشق وطهران تماما مثل حزب
الله والحركة الحوثية والميليشيات العراقية المذهبية .
 لقد ألحق أتباع النهج
الثاني المزيد من الأضرار بالشعب الكردي وقضيته وحاضره ومستقبله بتخريب المجتمع
الكردي بدءا من العائلة وإيقاف تطوره الطبيعي بالعنف وكذلك بالتواطىء مع أنظمة
الاستبداد وشق الحركة الوطنية الديموقراطية الكردية ومحاربة الحراك الشبابي بدعم
واسناد أجهزة النظم الأمنية تلك وكان أخطر ألاعيبه التشويش على برامج الحل السلمي
للقضية الكردية عبر الحوار مع الشركاء باختراع تنظيرات وبدع ومصطلحات مضللة مثل ”
الأمة الديموقراطية ” والحل الكانتوني المنفرد بمعزل عن الثورة والشركاء وتجاهل كل
تجارب حل قضايا القوميات في التاريخ الحديث .
  لقد وقف أتباع هذا النهج منذ
اليوم الأول لموجات ثورات الربيع اما مشككين بجدوى الثورات أو واقفين مع نظام
الاستبداد السوري وداعمين له وموالين ضمن الترتيبات الإيرانية وعاملين على عزل
الكرد عن الثورة السورية ومشتركين مع سياسة النظام في بث الفرقة والانقسام
والعداوات على أسس قومية ومذهبية في المناطق الكردية والمختلطة  .
  القضية
الكردية السورية – وفي عموم المنطقة – لن تحل عبر الانخراط في مشروع دمشق – طهران
الطائفي أو بواسطة سلطات الأمر الواقع الحزبية الوقتية بل من خلال التوافق والتفاهم
والتنسيق والحوار مع شركائنا العرب السوريين في الثورة والحركة الديموقراطية بعد
اسقاط نظام الاستبداد وتفكيك سلطته الأمنية .
 هناك الذين من بيدهم القرار
والسلطة والمال من أتباع أحزاب وجماعات هذا النهج من الصغار والكبار يعتقدون أن
الأمور ستسير حسب رغباتهم غير مبالين بما يحدث من تغيرات وثورات في الجوار والأبعد
وغير آبهين بإرادة الغالبية نقول لهؤلاء ان لم تغيروا ما بأنفسكم وتراجعوا الوضع في
العمق وتعودا الى الاجماع الوطني وتنصاعوا لقدر التاريخ فان مصيركم ليس الا التمزق
والانهيار والزوال كما هو حال حزب الرئيس العراقي السابق .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تُعتبر الدساتير المرجعية القانونية الأسمى في الدول، حيث تحدد شكل النظام السياسي، وتؤطر العلاقة بين السلطة والمجتمع، وتؤسس لمبادئ المواطنة والحقوق والحريات. غير أن بعض الدساتير، ومنها مشروع الدستور الجديد للجمهورية السورية، التي يقدمها الدستور بأنها” الجمهورية العربية السورية” يحمل في طياته تناقضات جوهرية بين النصوص المعلنة والغايات الفعلية التي تهدف السلطة إلى تكريسها، بتدبير تركي…

د. علي القره داغي الحمد لله الذي جعل التوافق بين أبناء الأمة من أسمى الغايات، ورفع من شأن العدل والمصالحة، وأمر بالحوار والائتلاف، وجعل السياسة الحكيمة قائمة على العدل والإحسان والموازنة بين المصالح والمفاسد، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. في سياق المسؤولية الشرعية، والواجب الفقهي، والتقدير…

صلاح بدرالدين تحية طيبة الموضوع: اتفاق الشرع – عبدي بعد سقوط نظام الاستبداد في الثامن من كانون اول / ديسمبر الماضي ، والانتقال الى مرحلة جديدة ، بات ترتيب البيت الكردي السوري ، وتجاوز الانقسامات ، وتحقيق المصالحة ، والتوافق على مشروع قومي – وطني موحد في مقدمة أولويات مهام المرحلة الراهنة ، وهي الى جانب كونها مطلب…

إبراهيم اليوسف   لقد أصيب ملايين الكرد السوريين كما أخوتهم السوريين، داخل الوطن وخارجه، بخيبة أمل كبيرة بعد تلقيهم مسودة الدستور السوري الجديد التي أقرت من قبل السيد أحمد الشرع، دون أن تتضمن أي إشارة إلى الكرد أو حتى مضمون الاتفاق الذي تم مع السيد مظلوم عبدي. ذلك الاتفاق الذي أثار جدلاً واسعاً في الشارع الكردي بين رافضين لم يجدوا…