أين موقع القضية الكردية في إتفاق أوجلان مع الدولة التركية؟

بيار روباري

من حق الأتراك وصحافتها أن يحتفلوا
بالإتفاق الذي وقعته المخابرات التركية مع السيد اوجلان، وسموه باتفاقية السلام بين
الطرفين، وأطلقوا عليه تسمية الإتفاق التاريخي. لأن ولا بند من بنود تلك الإتفاقية
جاءت على ذكر كلمة الكرد وكردستان أو القضية الكردية ولا مرة واحدة؟؟!!
ولهذا لا
يمكن إعتبارها إتفاقآ كرديآ – تركيآ، إنه إتفاق بين شخص اوجلان والدولة التركية لا
أكثر، وجاءت هذه الإتفاقية لخدمة أردوغان ومشروعه السياسي، في تحويل تركيا من
النظام البرلماني إلى نظام رئاسي. وبالنسبة لأوجلان على ما يبدو حصل على وعد غير
مؤكد باطلاق سراحه، والثمن هو قضية الشعب الكردي في شمال كردستان وغربها. 
كل ما ورد في البيان الذي تم إذاعته يوم 28-2 – 2015 من قبل الطرفين، ليس سوى كلام
لا معنى ولا قيمة سياسية ودستورية له، ولا يصل إلى %1 من إتفاقية الحكم الذاتي التي
وقعها الراحل مصطفى البرزاني مع حكومة بغداد، التي قامت بافراغها من مضمونها خلال
التنفيذ لاحقآ.
في رأي الشخصي، إن البيان الذي إعلن من قبل ممثلي عن الدولة
التركية والسيد اوجلان معآ، لم يكن أكثر من بيان إنتخابي لحزب يستعد لخوض إنتخابات
برلمانية، ولمن يرغب قراءة تلك البنود يستطيع العودة لها وهي منشورة على كل حال، في
الإنتريت.  
أتسأل أين هي حقوق الشعب الكردي في إطار
هذه الإتفاقية المشينة؟ وأين يقع حدود إقليم شمال كردستان؟ وأين الإعتراف الدستوري
بالشعب الكردي؟ وماذا عن حقوق ضحايا الشعب الكردي أبناء ألاف القرى المحروقة؟
وملايين الكرد الذين تم تهجيرهم إلى المدن التركية؟ ألتلك البنود المائعة والتي لا
علاقة لها بالقضية الكردية، خاض حزب العمال الكردستاني الكفاح المسلح، لمدة ثلاثين
عامآ وقدم كل تلك التضحيات؟
قبل سنوات كان حزب العمال، يتهم كل مواطن وحزب كردي
بالخيانة والعمالة، لأنهم لا يطالبون باستقلال كردستان الكبرى، واليوم يوزع نفس
التهم السخيفة على الذين يطالبون باستقلال كردستان!! وكأن الوطنية باتت ملك لحزب
العمال، ومن حقه إصدار صكوكآ بها ويوزعها على هذا وذاك.
هذا «الإتفاق» المذل
مصيره الفشل، حتى لو جند حزب العمال كل عناصره ومناصريه وكافة إمكانياته له. لأنه
لا يوجد إتفاق بالأساس لحل القضية الكردية، وإنما بيان هزيل لتمكين الثعلب اردوغان
من حكم تركيا بقبضة من حديد، ولربما الإفراج بعد فترة عن اوجلان.
على الكرد أن
يرفضوا هذا البيان المذل، الذي لا ينص ولا في نقطة واحدة على حق من حقوق الشعب
الكردي، وعلينا أن نتعلم الدرس من تجربة الإخوة الفلسطينيين، رغم إن إتفاق اوسلوا
أفضل بألف مرة من هذا البيان المقيت شكلآ ومضمونآ. اتفاق اوسلوا كان له أرضية
قانونية وشرعية دولية، وأطراف تكفلته وإعترفت اسرائيل بموجبه بحق الفلسطينين باقامة
دولتهم على حدود الرابع من حزيران، وتمكن الإخوة الفلسطينين بفضل ذاك الإتفاق من
بناء سلطتهم على أرضهم. ورغم إيجابيات اتفاق
اوسلو العديدة، لكنه فشل بسبب
إبتعاده عن جذر المشكلة ألا وهي إنهاء الإحتلال.
ويجب عدم النسيان إن الفلسطينين
يقف خلفهم عشرات الدول العربية منها والإسلامية بخلاف الكرد، الذين ليس لهم أي حليف
ونصير في المنطقة ولا في خارجها. والراحل مانديلا عندما تفاوض مع سجانيه البيض، كان
في موقعآ أفضل على الأقل لسببين:
السبب الأول: وقوف الأغلبية السوداء خلف
المؤتمر الوطني الأفريقي، بينما إلى اليوم أكثرية الكرد يمنحون أصواتهم للأحزاب
التركية، ولهذا فشلت جميع الأحزاب الكردية في تجاوز نسبة 10% التي يشترطها القانون
التركي لدخول أي حزب إلى البرلمان.
السبب الثاني: النظام العنصري في جنوب
أفريقيا، كان يعاني من عزلة دولية وعقوبات قاسية، فرضتها عليه دول أوربا وأمريكا
الجنوبية والشمالية ودول أفريقيا وأسيا، باستثناء دولة إسرائيل العنصرية.
وفي
المقابل تركيا تحظى بدعم كل تلك الدول، والكرد هم الذين يتعرضون للعزلة والضغط من
قبل هذه الدول. وهم يفعلون ذلك ليس حبآ بالأتراك وكرهآ بالكرد، إنما المسألة متعلقة
بمصالحهم الإقتصادية والسياسية والعسكرية، وخاصة تركيا عضو في حلف الناتو.
في
الحالة الفلسطينية كان الإتفاق باشراف الدول العظمى، بينما إتفاق اوجلان مع
المخابرات التركية تم في غرف سوداء، وليس له أي أرضية قانونية ولا شرعية دولية، ولم
يأتي على ذكر القضية الكردية أصلآ؟ فأي إتفاق هذا وأي إنجاز؟! وهناك أسئلة كثيرة
بحاجة إلى إجابات، مثلآ ما هو مصير القوات التركية الموجودة في كردستان حاليآ؟
وماهو شكل الدولة التركية القادم؟ هل ستكون تركيا دولة فدرالية مثلآ أم كونفدرالية،
أو أن حزب العمال سيستمر في خرافة الكنتونات والامة الديمقراطية؟
إن تفرد شخص
مسجون بمصير شعب بأكمله خطأ جسيم حسب رأي، كان من المفروض أن يتم تشكيل هيئة كردية
من كافة القوى السياسية، لمحاورة الدولة التركية لحل القضية الكردية في شمال
كردستان وخارج الأراضي التركية، وأن يكون حرية اوجلان جزء من ذاك الحل وليس العكس.
أنا واثق إن هذا البيان الأردوغاني الإنتخابي سيفشل ولا مستقبل له. ثم لا ندري بعد
إن كان هناك أشياء سرية متفق عليها بين الطرفين أم لا، بسبب التعتيم  الذي فرض على
المحادثات بين الطرفين، وغياب الشفافية في عمل حزب العمال الكردستاني.
وأخيرآ،
نحن بالتأكيد مع حل سلمي للقضية الكردية في كل أجزاء من كردستان وليس فقط في
شمالها، ولكن أي حل يجب أن يكون عادلآ ويضمن الحدود الدنيا، من حقوق شعبنا إسوةً
بالحقوق التي، حصل عليها إخوتنا في جنوب كردستان.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…