الإتفاق التركي – الكردي، لصالح من

مروان سليمان

حزب العمال الكردستاني الذي حمل السلاح منذ عام 1984 و
الذي كان يهدف إلى توحيد و تحرير كردستان في الأجزاء الكردستانية الأربعة و التي
أسفرت عن معارك كر و فر راح ضحيتها عشرات الآلاف من الطرفين و تم تهجير و تدمير
المنطقة الكردية و تفريغ القرى و المدن من أهلها و أسفر عن خسائر اقتصادية و بشرية
هائلة بالإضافة إلى الخسائر العسكرية و التي تقدر بملايين الدولارات و بعد القاء
القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان في عام 1999 و الذي صرح بعدها
بعدة سنوات بأن زمن الكفاح المسلح ضد الدولة التركية قد انتهى و حان وقت التفاوض و
الحوار، مع العلم بأن المفاوضات كانت جارية قبل هذا الوقت و لعدة أعوام ، فما هي
الإنجازات التي تحققت؟ و ما هي الأهداف من وراء هذه المفاوضات بعد كل هذه الخسائر
الهائلة؟
إن اتفاق السلام الذي دشن بعد حروب دموية يشكل عهداً جديداً بين الكرد و الترك
الذين اعترفوا و للمرة الأولى بوجود قضية كردية في تركيا بقرار البرلمان الذي يسمح
بالتكلم باللغة الكردية و النظر إلى أوجلان بصفة محاور بدل الإرهابي، و بالمقابل
فقد تراجعت سقف المطالب لحزب العمال الكردستاني من التوحيد و التحرير إلى
الفيدرالية و من ثم تنازل حتى وصل إلى الإعتراف بالثقافة و المواطنة فقط في ظل
تنامي الإقتناع بأن الهجمات على شكل كر و فر لن تحقق الأهداف بل لمزيد من هدر دماء
المدنيين الأبرياء، و لكن ليس بعيداً عن هدف الطرفين التركي الذي يريد إعادة مجد
العثمانية المنقرضة و نزع سلاح الكرد سياسياً بعد الفشل العسكري و كسب أصوات الشعب
الكردي لضمان الأريحية في البرلمان و الحكومة و التخلص من حكم العسكر بالإضافة إلى
تمرير دستوره الجديد للوصول إلى القصر الرئاسي، و الهدف الآخر هو سحب ورقة الضغط
الكردية من أيدي القوى الأقليمية مثل إيران و النظامين السوري و العراقي و تتطلب
الظروف الدولية و عواصف التغييرات في المنطقة إلى التعامل بمرونة مع الملف الكردي
في تركيا لكي تتجنب الضغوط الكبيرة نتيجة تدخلها بالملف السوري ، بالإضافة إلى
المصلحة الإقتصادية التي تحققها تركيا من الإستقرار في كردستان العراق بدون وجود
حزب العمال الكردستاني و مقاتليه على الحدود و تمديد أنابيب النفط التي سوف تدر
الملايين على الطرفين و زيادة التبادل التجاري و هذا ما جعل بأن يكون رئيس الأقليم
وسيطاً في الإتفاق المزمع إبرامه بين الطرفين.
  في المقابل يمكن أن
تكون للكرد أهداف أخرى و هو تحقيق السلام بين الطرفين في عهد أوجلان الذي هو الأب
الروحي للحزب مع العلم إن اتفاق حزب العمال الكردستاني لن يجلب له المزيد من
الأهداف الكبيرة التي كان ينادي بها كتوحيد و تحرير كردستان و انما سوف يكتفي بما
يحفظه ماء الوجه كالإعتراف باللغة الكردية و الثقافة و الفلكلور و هو نتيجة لفقدانه
أوراق الضغط على النظام التركي و في المقابل تخلص الأتراك من أغلبية المقاتلين
الكرد في جبال قنديل بفتح المجال للإنتقال إلى سوريا.
و مع تزايد التوترات
الطائفية و العرقية في المنطقة فإن الطرفين يدركان بأن التصعيد و خوض المزيد من
الحروب ليس من مصلحة الطرفين و خصوصاً في ظل الدخول للمفاوضات و وضع حجر الأساس لها
و يبدو إن التوصل للإتفاق هو هدف الطرفين و لاسيما أن الغالبية العظمى من الكرد و
الترك يرغبون للوصول إلى نهاية للنفق، و لكن يبقى السؤال الأهم : ما الذي حققه حزب
العمال الكردستاني حتى الآن في ظل الغموض الذي يكتنف الإتفاقية؟ و هل النقاط العشر
التي أعلنها حزب العمال الكردستاني  على لسان زعيمه هي حقيقة المطالب الكردية بعدم
ذكر كلمة الكرد و كردستان في أي من البنود؟
28.02.2015 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…

عزالدين ملا عندما اندلعت الثورة السورية، كان أول مطالبها إسقاط نظام عائلة الأسد، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد وحوّلها إلى مزرعة لعائلته وأزلامه. كانت هذه المطالب تمثل رغبة شعبية في التحرر من عقلية الحزب الواحد والفكر الشمولي، التي أدت إلى الاستبداد والديكتاتورية وقمعت الأصوات المخالفة. إلا أن المرحلة التي تلت سقوط النظام كشفت عن تحديات جديدة أمام بناء سوريا…

د. محمود عباس هل نستطيع أن نقول أن الفيدرالية لغرب كوردستان والنظام اللامركزي في سوريا باتا أقرب إلى السراب؟ ليس فقط بسبب رفض الدول الإقليمية لها خشية من تحولات كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولا لأن الفصائل الإسلامية المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وحلفائها لديهم من القوة ما يكفي لفرض مشروعهم الإقصائي، بل لأن الكورد أنفسهم، وهم القوة…

إبراهيم كابان لطالما شكّل الواقع الكردي في سوريا ملفًا معقدًا تتداخل فيه العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تسعى الأحزاب الكردية إلى تحقيق مطالبها ضمن إطار وطني، لكنها تواجه تحديات داخلية مرتبطة بالخلافات السياسية، وخارجية متصلة بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية الكردية. فهل تستطيع الأحزاب الكردية في سوريا توحيد موقفها ضمن إطار تفاوضي واحد عند التوجه إلى دمشق؟ وما هي العوامل…