في أسباب تمزق حزب «الطالباني»

صلاح بدرالدين

  كشفت
نتائج آخر الانتخابات التشريعية في إقليم كردستان العراق الفدرالي عن الأزمة
الداخلية المتفاقمة لحزب – الاتحاد الوطني الكردستاني – الذي تراجع الى المرتبة
الثالثة في اصطفاف القوى بعد كل من – الحزب الديموقراطي الكردستاني – وحركة – كوران
– التغيير المنشقة أصلا عن الاتحاد ولم يمر وقت طويل حتى ظهرت وقائع ومؤشرات جديدة
تدل على مايشبه الانهيار في صفوفه بعد أن تحول الى كتل ومجموعات متصارعة تجلت على
أكثر من صعيد وكانت العلامة الأبرز مؤخرا وليست – الأخيرة – كما يبدو هو تصريح عضو
المكتب السياسي للاتحاد ووزير البيشمركة السابق – شيخ جعفر – بسوق الاتهامات ذات
العيار الثقيل ضد – عادل مراد – مسؤول مجلسه المركزي
 وبحسب المطلعين هناك كتلتان رئيسيتان تتنازعان من أجل السيطرة الأولى تتزعمها
السيدة ( هيروخان إبراهيم أحمد ) قرينة الرئيس الطالباني الذي مازال أمينا عاما
ومعها أفراد العائلة والمتحكمون بالمال والأجهزة الأمنية ومايطلق عليهم –
بالجلاليين – من أعضاء القيادة وأبرزهم – ملا بختيار وعدنان المفتي والرئيس فؤاد
معصوم ومحافظ كركوك د نجم الدين كريم – حيث ولاؤهم للفرد وليس لمبادىء الحزب أما
الثانية فيقودها كل من – كوسرت رسول ود برهم صالح – ومعهما مجموعة من أعضاء القيادة
والكوادر  .
 بالإضافة الى هاتين الكتلتين المتصارعتين حول القضايا السياسية
والمواقع والنفوذ هناك مراكز قوى متعددة بعضها ينتظر نتائج الصراع واتجاه ميلان
الكفة وهناك أيضا الكتلة الشيعية داخل قيادة الاتحاد الأقرب الى الكتلة الأولى
والموالية لإيران والمرتبطة ببعض المراجع الشيعية ببغداد حيث تردد أنها كانت تنسق
مع حكومة المالكي وتتعاون ضد قيادة الإقليم وأنها طلبت من المركز حجب مستحقات
كردستان المالية لزرع البلبلة وتقويض أمن واستقرار الإقليم ونوع من الضغط على
رئاسته لتقديم التنازلات . 
  على غرار الصراعات التي عصفت بمختلف أحزاب وفصائل
حركات التحرر في منطقتنا وبينها الكردية واضافة الى طبيعتها السياسية والاجتماعية
من حيث الجوهر هناك دوما دور ما للعوامل الداخلية والشخصية والمناطقية بتجلياتها (
العالم ثالثية ) وفي مايتعلق الأمر بحزب الاتحاد موضوع بحثنا يمكن ايجاز أسباب
التمزق بالتالية :
 أولا – النزعة الانقلابية المتسرعة التي كانت تطبع عقلية
الثنائي ( جلة بلة ) أي جلال الطالباني ومعلمه إبراهيم أحمد على مركزي ثورة أيلول
والحزب الديموقراطي الكردستاني اللذان كان الزعيم الراحل  مصطفى بارزاني قائدا
ورئيسا شرعيا منتخبا لهما تلك النزعة كانت تتغذى من مفاهيم التعصب المناطقي ( الابن
خلدوني ) ووساوس التفوق على الآخر ولم يشفع ذلك الانشقاق الكبير العمودي والأفقي
الذي كانت نتائجه وخيمة على كل الحركة الكردية جميع التنظيرات التبريرية المرافقة
له ولأنه لم يقدم جديدا مغايرا أرقى من ماهو سائد فقد ظل في الوعي العام مجرد
انفصال فرع عن الشجرة الأصل .
     ثانيا – لم تستند بنية حزب الاتحاد على عوامل
وقوانين التطور الطبيعي وحاجات جماهير كردستان الموضوعية بقدر ما كانت افرازا
لضرورات خارجية أملتها حاجة القضاء على ثورة أيلول وكبح جماح الصعود المطرد للوعي
الثوري القومي الممزوج بالوطنية العراقية ( الديموقراطية للعراق والحكم الذاتي
لكردستان ) لذلك فقد اقترنت ولادته ببداية عقد التحالف مع حكومات بغداد الشوفينية
التي كانت في حرب على ثورة شعب كردستان وعند الاضطرار كان قادته يحطون الرحال في
بلاط شاه ايران لاستخدامهم أداة ضغط واكراه وابتزاز ضد قيادة الثورة .
 ثالثا –
منذ اليوم الأول لانبثاق هذا الحزب في دمشق 1975 نصت شهادة ميلاده أنه غير مستقل
ترعرع في أحضان نظام حافظ الأسد ورعاية الجنرال – علي دوبا – في وقت كان الشعب
السوري يعيش في سجن كبير وكرد سوريا يعانون الأمرين من قمع النظام والحرمان من
الحقوق وتنفيذ مخططات الحزام والتهجير والحرمان من حق المواطنة وكان أمين عام الحزب
يتخذ من دمشق مقرا وممرا ويعلن بكل مناسبة ( أن سوريا وطنه الأول ملوحا بيده جواز
سفره الدبلوماسي السوري ) طبعا لم يكن يقصد سوريا الشعب بل نظام الأسد .
 رابعا
– وكان خلفه في رئاسة العراق وكاتم أسراره – فؤاد معصوم – مدير مكتب الحزب بدمشق
لأعوام طويلة يعمل على شق الأحزاب الكردية في سوريا وتركيا بواسطة شراء الذمم من
غير الموالية لهم في صراعهم مع البارتي العراقي أو التي كانت من غير المرغوب بها
لدى الأمن السوري كما كان ينسق في تلك الشؤون مع الأجهزة السورية الأمنية المعنية
ومن ضمن ضحاياه ( حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا الذي كنت أترأسه وحزب عمال
كردستان برئاسة الراحل عمر جتن ) وأحزابا أخرى وللعلم فان النظام السوري مازال حتى
اللحظة يعتبر القضية الكردية في كل مكان مسألة أمنية ومن الجدير ذكره فقد صرح
الرئيس معصوم قبل أيام ” أنه يفضل بشار الأسد على معارضيه ” .
 خامسا – كانت
ومازالت علاقة حزب الاتحاد وطيدة مع الجانب الإيراني في عهدي الشاه والجمهورية
الإسلامية الى درجة أن الجنرال – قاسم سليماني – مخول بالتدخل في شؤونه والتوسط حتى
في خلافات الحزب التنظيمية وقد وقف الحزب منذ بداية الثورة السورية مع النظام داعما
له في مختلف المجالات ولم يكن اشراف أمين عامه على رعاية وتنظيم الاجتماع التأسيسي
” للمجلس الوطني الكردي ” الذي خرج بقرار الحياد بين الثورة والنظام الا جزء من
الدعم إضافة الى توسطه لعقد اتفاق جديد بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني
التركي كل ذلك بهدف عزل كرد سوريا عن الثورة .
  لذلك يمكن اعتبار عدم
الاستقلالية في القرار الوطني والارتهان لأنظمة معادية للكرد وللديموقراطية
والانخراط في المحور السوري – الإيراني الأسباب المباشرة في تمزق حزب الاتحاد
وانهياره المرتقب وهو أمر يدعو الى الأسف لأن هذا الحزب ومهما حصل يبقى جزء من
الوضع الكردي العام .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خورشيد شوزي الإعلام، بوصفه السلطة الرابعة (كما يسميه البعض) في المجتمعات الحديثة، لم يكن يوماً مجرد ناقل للأخبار، بل هو فضاء مفتوح تتقاطع فيه الحقائق مع المصالح، وتنصهر فيه الموضوعية مع التوجهات السياسية والأيديولوجية. في عالم مثالي، يُفترض أن يكون الإعلام حارساً للحقيقة، يضيء زواياها المظلمة، ويكشف زيف الادعاءات والتضليل. لكنه، في كثير من الأحيان، يتحول إلى أداة…

د. محمود عباس لا يمكن النظر إلى التحشيد العربي والإسلامي في دعم القضية الفلسطينية خارج هذا السياق، فكلما ازداد الخطاب العدائي ضد إسرائيل، ازداد بالمقابل دعم الولايات المتحدة وأوروبا لإسرائيل، وتحول الصراع من فلسطيني-إسرائيلي إلى صراع بين الغرب من جهة والدول العربية والإسلامية من جهة أخرى. فبدل أن يكون هناك صراع سياسي يتمحور حول إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، بات…

زاكروس عثمان الاتاسي تشطب الكورد من الوجود تحدثت هدى الاتاسي عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني العام في سوريا في لقاء تلفزيوني عن اعمال اللجنة سابقة الذكر وعن عدم مشاركة الكورد فيها، مبينة ان المؤتمر سوف يضم كافة الاطياف السورية، ولكنها ناقضت نفسها وكذلك كل ما اعلن حول آليات ومهام اللجنة، ففي الوقت الذي تؤكد فيه على ان…

بوتان زيباري أيتها الأرض التي شهدت مولد الحضارات، وارتوت بدماء الشهداء، وذرفت دموع الأبرياء… يا سوريا، يا أمَّ التاريخ وأخت الجغرافيا، كم حملتِ على ظهركِ من جراح، وكم احتملتِ في قلبكِ من أحلام! ها هي أصوات أبنائكِ تعلو من كل فج، تبحث عن خلاصٍ من ظلام الفوضى، وتنشد نورًا في ظل ديمقراطية تعددية، تلملم فيها شتات الهُويات تحت سماء…