مستقبل جنوب-غربي كردستان.. الجزء الأول

د. محمود عباس

قبل سنة تحدثنا عن مؤامرة دولية، وكانت تحيكها الدول المستعمرة
لكردستان مع داعميها. انتقلت جلساتهم من أرض الجزيرة العربية، إلى تركيا
الأردوغانية، مع حضور رجال من داعش. وعرضنا في بحث لاحق أنها ليست إلهية، يمكن
إفشالها، وبشروط كردستانية.
 بعد أقل من شهر، هاجمت داعش كردستان بكل أبعادها،
خلقت جحيما في جغرافيتها بما في وسعها، وبثت شرورا بين المجتمع الكردي، عبثوا
بالإيزيديين وجغرافيتهم ومقدساتهم، وهي من الحلقات الضعيفة في التاريخ الكردي، على
خلفية الفرمانات العديدة التي كان لبعض قادة الكرد دور فيها، فأحيوها في وجدان
الإيزيدي والكرد عامة، وحاولوا توسيع الخلافات السياسية، بين طرفين متضاربين:
أيديولوجية، واستراتيجية، بين قنديل والإقليم الفيدرالي، وعلى عدة محاور.
 انتقلت من شنكال إلى جنوب غربي كردستان، وبسبب التبعية التي لا تتمكن الأحزاب
الكردية التحرر منها وانجرفت إلى حبال هذه المؤامرة، رغم أنهم تداركوها في اللحظات
الأخيرة، ومعظمها كانت بمساندة قوى دولية، كادت مصالحها تنهار من على عتبات خسارة
الكرد، وهي مرات جد قليلة في التاريخ أن تتلاقى فيها مصالح الكرد مع القوى
العالمية، وهذه واحدة منها. رغم هذا، لا تزال إدراك القوى الكردستانية لها دون
المستوى المطلوب.
  قوى المؤامرة وأصحاب المصالح في المنطقة، تصادما على أشلاء
شنكال وأعتاب طريق هولير، وشوارع كوباني. وبدأت هناك، وعلى هذه المحاور، تكتيك
إفشال المؤامرة، وتدخلت قوى الحلفاء، وعقدت جلسات دهوك، وحصل تقارب ما بين قنديل
والإقليم على بعض النقاط، وفرضت على تركيا مرور قوات البيشمركة من أراضيها، رغم
أنها أحد أقطاب المؤامرة، وهي لا تزال تحيكها، فكان لا بد من دحر داعش في الإقليم
وفي شنكال، وإخراجهم من كوباني، والقادم في كثيره يعتمد على الذات الكردستانية. فهل
هم على سوية تشكيل تلك القوة الداحرة للمتآمرين إلى النهاية، ليبنوا على أشلاء
مؤامرتهم أسس كردستان القادمة؟
  حررت كوباني وهي مدمرة بيد الأشرار وبأوامر من
أصحاب المؤامرة، مثلها مثل شنكال، وأريافها على الخط، وقريبا سيتحرر تل أبيض وأكثر،
ولا نستبعد أن يحرر الكرد الرقة، والموصل، توازيا مع تراجع داعش أو انحدارها كليا
في المنطقة الكردية، وربما في كل سوريا، مع استثناء بعضها. فالمتآمرون أدركوا أن
القوى الكبرى تخالفهم، ومصالحهم اندمجت مع الكرد آناً، ولا يعني هذا أنهم سيدعون
الكرد بسلام. ومن طرف آخر سلطة بشار الأسد تتحرك بطريقتها، وبالتشاور مع أئمة ولاية
الفقيه حيال المنطقة الكردية. ولتقويض مشروع الحظر الجوي الذي قد تتبناه الدول
الكبرى في جنوب-غرب كردستان.
تشعر السلطة أن هناك خطة تدرس لإقامة منطقة، في
شمال شرق سوريا، تكون تحت الحماية الدولية للحظر الجوي. وعليه قد تفكر السلطة
السورية بإقامة كيان كردي موالٍ لها هناك. ولا يفوتها أخذ الحذر من تحول هذا الكيان
مستقبلا إلى مركز انطلاق للمعارضة السورية عامة، ليقوض سلطة بشار الأسد، وهذا
مستبعد. لأنه إذا رغب هذا الكيان الحفاظ على وجوده، عليه ألا يجلب براميل الموت على
نفسه من جهة ومن جهة أخرى ألا يكون ثمنا للمقايضة مستقبلا. وهذا التصور يرجح توقع
تخلى النظام عن المنطقة بطريقتها لقوى الموالاة الكردية. في هذه الحالة يكون إفشال
ذاك المشروع، المذكور آنفاً، ممكنا. لأنها من المتوقع أن تتلقى المعارضة السورية
رفض الكيان الكردي لها بالانطلاق من أراضيه، للأسباب التي ذكرناها سابقا. وإلا
فالمعارضة ستكبر وستضم كل القوى التكفيرية والمعتدلة معا. وقتها، لا بد أن تكون
السيطرة الفعلية في حيز الكيان الكردي للأخيرة؛ لكونها تحظى بحظر جوي قوامه الدول
المساندة للقضية السورية وأيضا عدد مقاتليها ضخم مقارنة بمقاتلي كرد الموالاة. 
كون السلطة السورية تقع ضمن الدول المقتسمة لكردستان، فبطبيعة الحال لن ترضى أن
يكون هناك كيان كردي ذو شأن بوسعه سلخ جزء من مناطق نفوذها مستقبلا، نظرا لهذا
سيكون الكيان المتوقع تشكيله واجهة لا أكثر، لردع الشر المتوقع على السلطة. وإضعاف
قوة المولاة بأيدي النظام وارد. ومن الممكن الشروع بخلق صراع دموي بين جنوب-غرب
كردستان والإقليم الفيدرالي، ليكون ذلك ركيزة إنهاك لقوة الطرفين. ولهذا يتطلب من
الكرد الانتباه إلى هذه الناحية، ودراسة الواقع بدقة، وعلى الحركة الكردية عامة
والإخوة في أل ب ي د بشكل خاص. وليكن هذا حافزا لهم للجلوس على طاولة المباحثات
الجدية، وتحديد الأفضل للسير عليه معا، وعليه:
1-يجب أن يدرك الإخوة في أل ب ي د
أن القادم يتطلب العديد من التغيرات في التعامل، مع القوى الإقليمية، ومن ضمنها
السلطة والمعارضة السورية. ومع الحركة الكردية بشكل خاص، فهم لا يمثلونها بمطلقها،
ومن معهم ليسوا سوى حلقات مكملة، وبحث مبطن عن الشرعية، والشرعية الحقيقية هي التي
يشعر بها الشعب لا التي تفرض عليه، فالقناعات لا تبنى بالقوة، بل بالإدراك
والاستيعاب والتعامل الإنساني.
2-التعامل السياسي مع الآخر من المنطق الكردستاني
وليس الأنا الحزبية، والاستراتيجية …

يتبع…

د.
محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين لاشك أن استبعاد ممثلي الشعب الكردي من أي حوار أو مؤتمر وطني سوري ليس مجرد هفوة أو إهمال عابر، بل سياسة مقصودة تُجسّد رفضاً مُضمراً للاعتراف بحقوق شعبٍ عريقٍ ساهمَ في تشكيل تاريخ سوريا وثقافتها. فالكرد، الذين يُشكّلون أحد أقدم المكونات الاجتماعية في المنطقة ، عانوا لعقود من سياسة التهميش المنظم ، بدءاً من حرمان الالاف من الجنسية…

ملف «ولاتي مه» حول مستقبل الكورد في سوريا، يُعتبر أحد الملفات الهامة التي تُناقش مستقبل الكورد في سوريا في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة عامة وسوريا بشكل خاص. يركز هذا الملف على تحليل الأوضاع الراهنة والتحديات التي يواجهها الكورد، بالإضافة إلى استعراض السيناريوهات المحتملة لمستقبلهم في ظل الصراعات الإقليمية والدولية. يسلط الملف الضوء على أهمية الوحدة والتعاون بين مختلف…

صلاح بدرالدين الفرق بين مؤتمر الحوار السوري ، والمؤتمر الكردي المؤتمر السوري المزمع عقده هو مؤتمر للحوار بين الناس حول مستقبل سوريا ، وهو تجمع للتشاور ، ولاصفة تشريعية ، او تقريرية له ، ولا يشكل من يحضر ممثلا لاي مكون قومي او طرف سياسي ، لان التمثيل الشرعي يجب ان يتم عبر الانتخاب الحر…

شادي حاجي الحقيقة الوضع السياسي الكردي في سوريا وتحالفات كل من أطرافها السياسية تعاني من تخبط فيما يبدو أنه نتيجة عدم وضوح الرؤية والتأثر بالضغوط السياسية والمصالح الشخصية والحزبية لا شك أن أحياناً كثيرة قد يتأثر صانع القرار السياسي بشأن ما ينبغي فعله إما بضغوط سياسية من جهات مختلفة كأن تكون داخلية او خارجية وهذا الأمر يجب حسمه في…