دم معاذ الكساسبة يبز دماء الكرد جميعاً

 ابراهيم محمود

من منظور أخلاقي، تدخل عملية إعدام الطيار الأردني” معاذ الكساسبة ” حرقاً، وفي 3 كانون الثاني 2015، في نطاق العمل الهمجي، ويليق بداعش، أكثر من غيره فعل ذلك، فهو في مسلكياته لا ينتج إلا ما انبنى عليه إرهاباً نظرياً وعملياً وبيافطة دينية، إنما من المنظور الأخلاقي نفسه، لا بد من اعتبار كل من تعرض للاعتداء الداعشي الهمجي هذا قتلاً فردياً وجماعياً، وذبحاً كذلك، من الكرد، عملاً مستهجناً بكل المقاييس، وعندما يتابع المعني حالات الاستنكار الدولية والعربية، وعلى أعلى مستوى لعملية الإعدام ” البشعة طبعاً ” تلك، وينظر في المفارقات، كما في مشهد الإعدام الهمجي هو الآخر للضابط البيشمركي قبل أيام، والتفجيرات الداعشية هنا وهناك، دون ظهور رد فعل معين، تستوقفه طريقة التعامل مع الجلاد والضحية، وكيف ومتى يكون الجلاد جلاداً، والضحية ضحية وفي موقع معين .
لقد تابعت كغيري، البارحة مساء” الثلاثاء 3شباط 2015 “، ردود الأفعال المختلفة، لا بل ورد فعل الشارع الأردني، والحكومة الأردنية، وما يعنيه قطع ملك الأردن لزيارته إلى الولايات المتحدة، تأكيداً على أن أمراً جللاً قد حصل، وعبر قنوات عربية وغيرها، وسيماء الغضب والحزن اللذين يتلبسان الوجوه المستنكرة، وأنا أتوقع، أو أترقب من يشير إلى دماء الكرد التي تراق، وهي إنسانية، ليست دفاعاً عن الكرد وحدهم، إنما عن هؤلاء الذين يوجهون التحدي الداعشي ومن يشحنه، من يسمّي الطرف الكردي، ولزوم دعمه في مواجهته للغزو الداعشي، لأجدني، ربما منكفئاً على نفسي الأمارة بالسوء” كما يظهر”، حيث كل ما يجري كردياً ” كوم ” وما يجري خارج الدائرة الكردية ” كوم آخر “.
داعش صنعة محلية عربية إسلامية الطابع، له سلف عرقي بغيض، ديني العلامة، صدّامي التوجهات، والمفارقة هي أن الأردن من بين الدول العربية الأكثر احتضاناً لرموز النظام العراقي السابق” عائلة صدام ” وأفراد حاشيته، ومن يعتبرون أنفسهم” مجاهدين ” وخصوماً للعراق الذي يتشكل راهناً، كما في المؤتمر الأخير ” المؤتمر الوطني العراقي الخاص ” في العاصمة الأردنية، وما يخص التأكيد على أن صدام حسين هو الشهيد وأي شهيد ؟!
لا شك أن الأردن يستفيد من هذا الحضور، سوى أن أعباء الجماعات الإسلامية ” الإخوان المسلمون وغيرهم”، تتضاعف، وأن دخول الأردن في لعبة معها، وفي عملية الاستضافة والاحتضان، لا يأتي إلا بنتيجة عكسية وباهظة الثمن مع الزمن.
وربما بُذلت محاولات من قبل المعنيين بداعش ومتبنّي داعش في الأردن، لإطلاق سراحه، دون جدوى، وما في ذلك من إمكان طرح أسئلة تعني براءة هؤلاء المقيمين في الأردن من كل فعل إرهابي، وحتى على المستوى السياسي الأردني، يمكن مكاشفة هذه الصلة الخفية تجنباً لأمور تنعكس على الأردن سلباً ..
ما يهم في الجاري، هو هذا الإصرار من قبل ذاكرة جمعية عربية قبل غيرها وفي الغالب، ترى في الكرد حتى الآن ما لا ينبغي التذكير بهم، كما لو أن أي انتصار كردي، بمثابة خسران مبين لكل هؤلاء الذين يذمون داعش وشقيقات داعش، وإزاء الكرد يرحَّب بداعش وشقيقات داعش، تلك هي حالة الفصام ليس في الذاكرة السياسية العربية ومن يسندها فحسب، وإنما في الذاكرة العربية ” الشعبية ” أيضاً، جرّاء هذا التلقين العدائي تجاه الكرد عموماً، وهي مفارقة وبائية يصعب، وربما يستحيل الخروج منها، طالما يجرَّد الكرد مما يميزهم.
نعم، ثمة دماء كردية تسفَك، وأعراض كردية تنتهَك، وسبايا نساء كرديات يتاجَر بهن في مدن عربية، لعلهن يثرن أحفاد هذه الذاكرة بأمجاد سابقة في الغزوات العربية الإسلامية الصفة لبلاد آخرين ومجتمعات آخرين، وتجاه الثمن البخس لكل واحدة، واللذة المصحوبة بالعنف المفرَّج عنه في عملية النيل من هذه السبية على عتبة القرن الحادي والعشرين .
تلك المفارقة اللافتة في بنية المنظومة الأخلاقية الدولية ذاتها، والعربية” أخوة الدين والإيمان “، تضعنا في مواجهة ما لا يفرِح حتى الشامتين بما يجري على أرض الكرد وفي الكرد من تهديد ووعيد وقتل وتدمير، لأنهم أنفسهم في مرمى داعش وشقيقات داعش.
سلاماً على روح معاذ الكساسبة أولاً وأخيراً، إنما السلام، ومن باب المثل أولاً وأخيراً بداية، على روح كل أسير لدى إرهابيي داعش وغير داعش، على روح كل كردي وكردية: أسيراً أو ضحية نزوات الإرهابيين وبطبعات مختلفة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…