بارزاني بين «داعش» و«العمال الكردستاني»!

 

هوشنك أوسي
 

 

يمرُ رئيس إقليم كردستان العراق، في أصعب المراحل وأكثرها حساسيّة وحرجاً في تجربته السياسيّة والنضاليّة. إذ تكثر الأعباء والمسؤوليّات والتحدّيات التي تزداد وطأتها يوماً بعد آخر، على كاهله، وليس آخرها إعلان حزب العمال الكردستاني يوم 14/1/2015، تشكيل «إدارة ذاتية» تابعة له، في منطقة شنكال (سنجار) ذات الغالبية الإيزيديّة في العراق، والتي تعتبر من المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.
هذا الإعلان من العمال الكردستاني، حتى قبل تحرير سنجار بالكامل من «داعش»، أقلّ ما يقال فيه إنه تحدٍّ خطير، وانتهاك لكل التفاهمات المبرمة بين قيادة كردستان العراق وهذا الحزب الكردي التركي. وهو ينذر بنشوب دورة اقتتال كردي – كردي جديد، لطالما رفض مسعود بارزاني أن ينجرّ إليه.

 

فصحيح أن الحزبين الكرديين العراقيين الرئيسين، الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، دخلا، منتصف التسعينات، في تحالفات عسكريّة ميدانيّة مع أنقرة، ضد العمال الكردستاني، لكن الصحيح أيضاً أن الديموقراطي الكردستاني وزعيمه مسعود بارزاني، رفضا، منذ 1999، كل الضغوطات والتهديدات التركيّة للدخول في حرب جديدة مع العمال الكردستاني. حتى أن بارزاني رفض إطلاق وصف الإرهاب على هذا الحزب، وساهم في عمليّة التفاوض السرّي – العلني بين الكردستاني والحكومة التركيّة، وشارك فيها، كما طالب أنقرة مراراً بحل القضيّة الكرديّة في تركيا سلميّاً، ونبذ لغة العنف والسلاح. زد على هذا أن بارزاني كان صمام الأمان الذي حال دون انزلاق الأوضاع في كردستان سورية نحو الانفجار، وأجبر أحزاباً كرديّة سوريّة على عقد تفاهمات واتفاقات مع حزب الاتحاد الديموقراطي (الفرع السوري للكردستاني)، لم يحترم الأخير أيّاً منها، من دون أن ننسى تقديمه الدعم الإنساني والعسكري، بالبيشمركة وبالسلاح، للكردستاني الذي كان وما زال يقاتل في منطقة كوباني ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، تحت اسم «وحدات الحماية الشعبية»!. ووضع بارزاني علاقاته الدوليّة في خدمة المقاتلين الكرد في كوباني.
يردّ البعض مسؤوليّة تمادي الكردستاني في كردستان سورية وسيطرته المطلقة عليها، إلى فشل وإفلاس الأحزاب الكرديّة السوريّة. ويضيفون إلى ذلك الضغوط التي مارسها بارزاني على هذه الأحزاب، كي تركن إلى التفاهم بل الانصياع لاستئثار الكردستاني في سورية، ما دفع الكردستاني إلى وضع كردستان العراق أيضاً نصب عينيه، بهدف إخضاع الإقليم الكردي العراقي لسيطرته!. وفي هذا الرأي جانب من الصحّة، خصوصاً مع خلفية التحالف القديم بين الكردستاني ونظام الملالي في طهران، ونظام الأسد في دمشق، وهو التحالف الذي جدد نفسه بعد اندلاع الثورة السوريّة، جاعلاً الكردستاني ورقة ضغط وأداة في مواجهة صعود كردستان العراق، إقليميّاً ودوليّاً!.
إعلان الكردستاني كانتون «شنكال – سنجار» في هذه الظروف، ومسعود بارزاني مع البيشمركة في جبهة القتال ضدّ «داعش»، أقلّ ما يوصف به بأنه «طعنة من الخلف»، كشفت المزيد عن نوايا ومطامع الكردستاني التسلّطية والانفراديّة، وأزالت عنها كل بهرج وأهازيج «المقاومة. والدفاع عن الكرد وكردستان، وبذل الدماء لذلك»، مما تطرحه آلة الحزب الإعلاميّة في شكل دوغمائي وديماغوجي مبتذل. وهو ما أساء ويسيء للكردستاني نفسه، ولهذه الدماء الكرديّة الزكية التي أريقت في كوباني وسنجار.
فتفاقم التسلّط لديه يذكّر بما كانت تمارسه الفصائل الفلسطينيّة في الأردن مطلع السبعينات، وقد أفضى إلى ما أفضى إليه. ويشبه أيضاً تلك الهيمنة التي كانت منظمة التحرير الفلسطينيّة تحاول فرضها على لبنان، عبر شعار «تحرير القدس يمرّ من بيروت»، وما نتج عن ذلك.
وفي حال إصرار قيادة الكردستاني على هذه السياسات الرعناء، فإنه سيقحم كردستان العراق في دوامة عنف كردي – كردي، ظنَّ الكرد أنهم طووا صفحاتها إلى الأبد، وسيدمّر كل الجهود التي بذلها كرد العراق لجعل الإقليم محلّ أمان واستقرار ونمو اقتصادي.
إلى ذلك فإن ضلوع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني في مساندة مشاريع ومخططات العمال في سورية والعراق، لم يعد سرّاً يُفشى، وهو لا يحصل حبّاً بحزب عبدالله أوجلان، بل كرهاً بالخسائر التي مني بها الاتحاد الوطني في السنوات الأخيرة، وزيادة شعبيّة مسعود بارزاني. وهذا أيضاً، من أخطر التحديات التي تواجه الأخير.
* كاتب كردي سوري
الحياة

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمد صالح شلال الشباب هم عماد أي أمة وأساس تطورها وازدهارها، فهم الفئة الأكثر طاقة وحيوية وقدرة على الابتكار والتغيير. يشكل الشباب نسبة كبيرة من المجتمع، ولذلك فإن تمكينهم وإشراكهم في بناء المجتمعات يعد ضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة والنهضة الشاملة. إن الدور الذي يلعبه الشباب في المجتمع لا يقتصر على مجال واحد، بل يشمل جميع القطاعات، سواء…

عبدالباقي اليوسف تثير الدعوات التركية المتكررة للمصالحة مع الكورد الكثير من الشكوك والتساؤلات، خاصةً في ظل تاريخ طويل من الصراعات والخلافات. فهل يمكن الوثوق بالنظام التركي عندما يتحدث عن “الأخوة” مع الكورد؟ وهل هذه الدعوات تعبر عن نوايا صادقة أم أنها مجرد تكتيك سياسي لتحقيق أهداف أخرى؟ يثبت التاريخ الحديث أن النظرة التركية للكورد غالباً ما تكون مشوبة…

خورشيد شوزي الإعلام، بوصفه السلطة الرابعة (كما يسميه البعض) في المجتمعات الحديثة، لم يكن يوماً مجرد ناقل للأخبار، بل هو فضاء مفتوح تتقاطع فيه الحقائق مع المصالح، وتنصهر فيه الموضوعية مع التوجهات السياسية والأيديولوجية. في عالم مثالي، يُفترض أن يكون الإعلام حارساً للحقيقة، يضيء زواياها المظلمة، ويكشف زيف الادعاءات والتضليل. لكنه، في كثير من الأحيان، يتحول إلى أداة…

د. محمود عباس لا يمكن النظر إلى التحشيد العربي والإسلامي في دعم القضية الفلسطينية خارج هذا السياق، فكلما ازداد الخطاب العدائي ضد إسرائيل، ازداد بالمقابل دعم الولايات المتحدة وأوروبا لإسرائيل، وتحول الصراع من فلسطيني-إسرائيلي إلى صراع بين الغرب من جهة والدول العربية والإسلامية من جهة أخرى. فبدل أن يكون هناك صراع سياسي يتمحور حول إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، بات…