د. محمود عباس
ليس من الحكمة، مطالبة العدو الإنصاف في الصراع، أو توقع العدالة من تركيا وسوريا والدول المستعمرة الأخرى في حل القضية الكردية، أو معاتبتهم بسبب قيامهم بالأفعال الشريرة تجاه الكرد، مثلما الكرد يطالبون للذات، فهم وبدون حرج يفضلون شعوبهم على الأخرين، فلا شك عند حضور مصالحهم لا يتعرفون على القيم والأعراف، وكثيرا ما تنعدم العدالة الإنسانية ويتناسون الإلهية منها، من المهم دحض الحجج السياسية والخباثات الدبلوماسية بمنطق التعامل مع العدو، الذي لم يعرف يوما الرحمة، ولن يتعرف عليها حاضراً، حتى ولو كانت البشرية قد بلغت أعتاب طرح المفاهيم الديمقراطية في بعضه.
الحكومة التركية وسلطة بشار الأسد، يحرصون على جغرافية الشرق الحاضرة، ومن خلالها جغرافيتهم، كتقسيمات تعكس مصالحهم القومية مثلما تضمر مصالح الشعب الكردي. وبالمقابل لا يجدون تناقضا بين تصريحاتهم الموجهة للكرد، وسكوتهم على زوال الحدود بين دولهم أمام دولة داعش وتحركات غيرها من المنظمات التكفيرية، وتنقلاتهم التي لا تقيدها عرف أو قوانين، بل مصالح دولية، ولا غرابة في تقبلهم ألغاء الحدود الكلية بين سوريا والعراق، من قبل هذه المنظمات، رغم شرورها وجرائمها، والتي تعكس أجندات تركيا وإيران وبعض الحكومات العربية القومية وتدعم مصالحهم، فتزال حرمة الحدود والمقدسات عن الجغرافيات، وتبتذل مثلما ظهرت في بدايات القرن الماضي بابتذال سياسي.
لكل قوة دولية، تركيا وسوريا على رأس القائمة، مصلحة ما في تحركات داعش، وخطر يحدق بهم من المطالب القومية الكردية، والتي ستقضي على استبدادهم القومي، عند ظهور دولة قوية في عمق الشرق. قيام دولة كردستان ستكون على حساب جغرافية يحتلونها منذ قرون. ظهور داعش، رغم تنوع الأجندات التي تمررها كمنظمة أو دولة، والقدرات التي ملكوها لهم قوى متعددة، أو سمحوا لها بامتلاكها، تتبدى عادية مقارنة بظهور أمثالها على مر التاريخ الإسلامي أو تاريخ الأديان الأخرى، ودراستها ضمن مصالح كل دولة، تلغي أوجه الغرابة من بشائعها وانتهاكها للقيم الإنسانية وللجغرافيات المتكونة بهشاشة أصلا. فهي تحتضن شرائح جندوا من كل الشعوب ومن قبل الدول العديدة لخدمتها، ومن ثم ذاتها كمجموعة تقود جيش متكون من كل الأبعاد الفكرية والأخلاقية، ويتلقون كل أنواع الدعم أو السكوت على عبثهم بجغرافية المنطقة، وتركيا من الدول التي سهلت لها الكثير على طول حدودها الدولية ومطاراتها، وأمدتها بالكثير على أرضها، وبطرق متنوعة، وتتبين من خلال تصريح وزير داخليتها مولود داود أوغلو أنه ما قرابة ثلاثة ألاف شخص من الدولة التركية يقاتلون في سوريا معظمهم ضمن داعش، ولا شك ما تقوم به إيران مع سوريا لا تقل عنها بشاعة وانتهاكا لحرمة القوانين الدولية، وللحدود وجغرافية الشرق، وغاية تركيا من هذا الدعم تنحصر :
1) في بعضه الأني، الحد من تزايد القوة الكردية، وتصاعد المطلب الكردستاني، والتي أدت إلى تصريح بشار الأسد وداود أوغلو.
2) لكن وفي مجالاتها الأبعد والأوسع موجه إلى الوحدة الأوروبية، لمنطلقين:
1- كورقة ضغط حديثة تلوحها تركيا في وجهها، لقبولها في الوحدة مقابل الحد من تحركات الإرهابيين خلال حدودها وضمن أراضيها، والمشاركة في محاربتهم.
2- إلى جانب استخدامهم كورقة ضغط عليهم بعدم دعم المطلب الكردي بشكل عام والفيدرالية في سوريا القادمة.
ولتقوية دورها كدولة مهيمنة على المنطقة وعلى تحركات الإرهابيين، تغاضت عن تجنيد مجموعات من داخلها إلى جانب الخلايا المتغلغلة ضمن أوروبا والمارة من خلال جغرافيتها، وساهمت في تجميع الناس القادمين من الأصقاع ضمن أراضيها، وخاصة من العالم الإسلامي التي لها نفوذ داخلها، كالدول الإسلامية المشتركة معها بخلفيات ثقافية ديموغرافية، دورهم في تقوية هذه المنظمة وغيرها من المنظمات التكفيرية لا تقل عن دور سلطة بشار الأسد وأئمة ولاية الفقيه في خلقهم ونشرهم في الشرق، وتغذيتهم حسب الأجندات المطلوبة.
لا شك سلطة بشار الأسد الشمولية وقادة الهلال الشيعي، كانوا على طرفي التعامل مع قادة السنة كتركيا والسعودية، في قضايا ثورات الربيع العربي، لكنهم متفقون على طمر القضية الكردستانية، وبالمقابل دعم المجموعات الإرهابية كل من جهته ولمصالحه القومية والمذهبية، والطرفان متفقان على توجيه هذه المنظمات إلى ضرب الكرد، كمؤامرة اشتركوا في حبك مخططاتها قبل عقود، وجددوا في بنودها قبل سنة، وبوجود المتضاربين على المحك، تزايد الدعم والإسناد لمنظمة داعش بشكل خاص، فبلغت مجالاتها الحالية بفترة زمنية قصيرة غريبة، وهي الحالة الوحيدة التي ربما لم تحسب لها حسابا القوى الكبرى كأوروبا وأمريكا.
وبقدر توسع داعش كمنظمة تتشبه بدولة، وتزايد تأثيرها على المنطقة، تستخدمها تركيا لمآربها، كقوة ضد الكرد، وتلوحها كورقة أمام الوحدة الأوروبية، وتحييد أمريكا في القضية الكردية، وتستخدمها سلطة بشار الأسد أمام الدول الكبرى لتقبلها كسلطة بديلة عن هذا الإرهاب، وتستخدمها إيران كورقة ضغط في مباحثاتها حول مفاعلها النووية وتبرير مسانداتها لمنظماتها الشيعية في العالم الإسلامي، وبالمقابل وهي الأغرب تستخدمها الدول الكبرى لإظهار ماهية الإسلام السياسي، والتكفيري، وفي الفترة الأخيرة تشويه الإسلام كنص أو حقيقتها خارج جدران المساجد. وفي خارج منطق المصالح والذين يجندونهم، إنها نتيجة منطقية، وهي إفرازات تعكس التشوهات الثقافية السياسية والدينة، التي غرزتها السلطات الشمولية ومراكز الإسلام السياسي، والمنابع الدينية التي عرضت تأويلات مشوهة لخدمة الأنظمة الشمولية ولغايات ذاتية شريرة.
فلا غرابة من تصريحات بشار الأسد وداود أوغلوا حول الجغرافية الكردية، المنتهكة منذ قرون، ولا حكمة بتوقع غير المقال، أو ما سيفعلونه من أجل عدم ظهورها، وما سيسخرونه من القدرات في الأروقة السياسية والدبلوماسية واستخدام منظمات كداعش أو حتى القدرات العسكرية الذاتية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية