دعوا شنكَال لأهل شينكال إن أردتم له خيراً

 

 ابراهيم محمود
 

 

أعترف أنني جبان، ولم يبلغ بي الجبن مستوىً كما هو عليه الآن وفي لحظة الكتابة هذه، ككُردي، إذ أجدني أستشرف الجاري كردياً، وما هو مستجد في شينكَال ومحيط شينكال الكردي الإيزيدي، والذي لما يزل يعيش حِداداً على ضحاياه، على نسائه الإيزيديات السبايا في عصر ما بعد العولمة، ومحاولة عولمة الإرهاب بطابعه الإسلامي، على رجاله الذين باغتهم الإرهاب الداعشي، وهم لم يصحوا بعد من آلام فرمانات طحنتهم على مدى مئات السنين وحتى الآن، وشينكَال لما يزل في انتظار أهليه الكرد الإيزيديين، وثمة مسعى لإعادة تكوين له، كمن يصب الملح المسموم في جرح غائر، وتلك مفارقة المفارقات، وإزاء ذلك، أبصر أكثر من ” طبخة ” شينكَالية من نوع مختلف، تتبع طبخات أخرى، إلى درجة أنني بسبب شواطها أصبحت بكاملي أنفاً يشم، وما عاد يتحمل الرائحة اللاسعة لشعيراته الشمية.

 

وكوني جباناً أكتب، ما استطعت النظرفيه، ودائماً من منظور جبان، كما اعترفت منذ البداية، ورجائي الحار، ونحن نتحدث عن الطبخات المحترقة، أن يقرَأ المدوَّن هنا من هذه الزاوية حيث يتنفس امرؤ جبان، وربما لا نظير له في الجبن، أعنيني بالاسم:ابراهيم محمود:
باعتباري جباناً أرى أن كردستان التي يعرَّف بها في أربعة أجزاء مقسمة، بفعل فاعلين هم مجموعة القوى الدولية والإقليمية والمحلية، بحثاً عن توازنات وضحايا، وأن التصريف بالكرد أكراداً واستحالتهم أقلية ضمن كل جزء: دولة، بحيث لا تلفَظ كردستان إلا عرضاً، انطلاقاً من هذا الإجراء، فإن وضع هذا الإجراء التاريخي السياسي ساري المفعول، ولن يكون في مقدور الأكراد أن يصبحوا كرداً تحت وطأة هذا التقسيم وانقسامهم، إلا بشحنات قوة معتبَرة تعيد ترتيباً آخر لجغرافيا المنطقة كاملة، وضمناً كردستان.
باعتباري جباناً وبامتياز، أرى، وفي ضوء قدرتي المتواضعة جداً على النظر، أن ما صار يعرَف في ضوء الراهن: روجافا كردستان، وباشوري كردستان، وباكُري كردستان، وروجهلاتي كردستان، يمثّل تقدماً صوب الصيغة الكاملة ” كردستان “، وأن أي تحرك كردي من منظور التوحيد لا يعدو أن يكون تضحية بالقائم والمحقَّق نفسه، إن روعي في القائم نوع القوى وتحالفاتها .
وكوني جباناً وبشكل غير مسبوق، أرى أن ما يجري في روجآفا، كما لو أن الجاري يتم بعيداً عن المتداول محلياً وإقليمياً ودولياً، كما لو أن التصريف بروجآفا بإطلاق أسماء وتسميات” في الصنعة الكانتونية ” بات في حكم المجاز، ولكَم هو مفرح أن تكون كردستان كاملة ملء البصر والبصيرة، أن يكون هناك كانتون واحد وليس ثلاث كانتونات، ولكن، ولأني جبان، أرى أن كل من يعتبر النظام غير دارٍ بما يجري واهم، أنه ضعيف، هو واهم، وأن القوى الإقليمية إلى جانب المحلية تغفل عن كل صغيرة وكبيرة فيها، هو أكثر وهماً.. إذ ليست قامشلو، على سبيل المثال، مفضَّلة على حلب، مثلاً، لتستثنى من البراميل المتفجرة، ولا استبعاد لأن يحدث ذلك.. إن برميلاً واحداً من المتفجرات، وهو جائز، يلقى، لا قدر الله ، على قامشلو، سيكون من الصعب أن يجد الكردي الروجآفاوي حتى فسحة برميل للوذ بها.
وأخشى أن يكون وراء التصعيد بالفعل” الكردي ” من جهة المسيطرين المرئيين على الأرض هناك، والمد صوب شنكال بتربيع الكانتونات، كما لو أن الجغرافيا مهيأة لذلك، أخشى أن يؤدي ذلك، ليس إلى فقدنا: خسارتنا لروجآفا وباشور وباكُر وروجهلات، وإنما إلى تذرير الكردي نفسه، لأن لا أميركا أو أي دولة أوربية أو سواها، يمكن أن تصبح ” حبّابة ” كردية كما هو متصوَّر.
باعتباري جباناً بالفعل، إزاء هؤلاء الذين يتحدثون باسم كردستان على الملأ، وفي الأمس القريب جداً، ما كانوا يجرؤون حتى على التعريف بأنفسهم كرداً، وهم في مواقع متقدمة، ساسة وكتاباً وخلافهم، وليدخلوا اللعبة التي يتوهم موجّهوها الكرد، كما لو أن الساحة ساحتهم والجمهور جمهورهم، في تعدي الحدود، أرى أن في ذلك الافتقار المريع إلى حس الواقع، والدخول في مغامرة رهيبة، تكون روجآفا داخل طبخة لا أحد يعلم ما مآلها، وباشوري كردستان في مواجهة أكثر من تحد محلي وإقليمي ودولي، كما لو أن كردستان انحصرت في هاتين الجهتين، وتحديداً كما لو أن باكُري كردستان حلَّت مشكلتها، وصارت الكرة الكردية النارية في الملعب الكردي الروجآفاوي، وشنكال المحضَّر لهذه اللعبة التي يسعى الساعون إلى تحريكها كما لو أن إدارة الدفة بأيديهم .
باعتباري جباناً، لينشغل كرد كل جهة بجهتهم، دون التخلي عن الاهتمام المشترك بما يثبّت حضورهم، ومراعاة الجاري والتحضر لأي سيناريو قد لا يعود في مقدور أي قوة كردية إيقاف زحفه، أو خطره.. فأن يكون هناك انفتاح لقوى دولية على الكرد، لا يعني الإيعاز بالتحرك وكل على هواه، كما لو أن الكرد قد شبوا عن طوق الوصايات والهيمنات المختلفة، خصوصاً وأن مئات ألوف من كرد روجآفا يتنفسون براحة ملموسة في باشوري كردستان، وأن الدفع بشينكال لأن يكون مسرح عمليات كانتونية قد يطيح بكل ما هو مكتسَب كردياً في التقارب والتآزر: في كوباني وغيرها.
باعتباري جباناً، أقول للذين يقحِمون شينكال في اللعبة الكانتونية، ومن وراء حدود” أعرف أنها مصطنعة ولكنها حدود مراقبة ولا تلغى بسهولة “، ما يحضَّر له ومن خلال من يمكن أن يصرّفوا شنكال المنكوب وبصفتهم شينكاليين، قد يجعله ذلك مقلوباً على رأسه، وليكون أهل شينكال أدرى بشنكالهم وداخل حدود إقليم كردستان، وأي إشارة خلاف هذا، استدراج إلى لعبة، ليس في مستطاع أمهر لاعب سياسة كردي خوض غمارها، إلا إذا كان المخطّط هو تلغيم المحقَّق كردياً، بوعي أو دونه، وهو ما يخيفني كثيراً وبصفتي جباناً طبعاً !
دهوك-18-1-2015

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…