ما ننتظره من المرجعية السياسية

 

عبدالباقي حسيني

 

كان شعبنا في غرب كردستان على أمل أن تتمخض إجتماعات دهوك (1) إلى نتائج إيجابية وعملية على أرض الواقع. لأجل توحيد الكلمة الكردية السياسية، و توجه الأحزاب الكردية إلى الهم القومي أولاً ومن ثم إلى الهم الوطني، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ سورية عموما و الكورد خصوصا.
فجاءت المرحلة التمهيدية لبناء المرجعية السياسية كأحد نتائج إجتماعات دهوك (1)، واتجهت أنظار الناس إليها، وكانت كلها أمل وتفائل على أن يخرج المجلسان الكورديان (الكوردي الوطني و تف دم) بصيغة جديدة ومتقدمة على كافة أشكال الهيئات الماضية و بشكل خاص ” الهيئة العليا”. لكن خاب ظنهم مباشرة من خلال الأسلوب التقليدي التي بنيت عليها المرجعية وكذلك الآلية التي تم اختيار أعضاء المرجعية بها، حيث لم يعيروا بقية فئات الشعب أي إهتمام وإنما تمت المحاصصة بين المجلسين وبشكل فج، حتى الهامش الذي خصص للمستقلين بالرغم من محدودية المقاعد فيها، فقد تم توزيعها على بقية الأحزاب الهامشية وبصفة  “المستقلين”.

 

إن تهميش الحراك الشبابي والمنظمات الحقوقية والحراك الثقافي والشخصيات المستقلة عن هذه المرجعية، تفقدها المصداقية و صفة تمثيلها للشعب، كونها بعيدة عن الحالة الكردية القائمة. كان الأجدر لهذه المرجعية ان تطلق على نفسها ” المرجعية الحزبية”، لأن الحراك السياسي لا يخص الأحزاب فقط.
في هذا السياق كانت لي مداخلة على قناة (كلي كوردستان)، حول موضوع المرجعية، عندما كانت قيد الإعداد، ولأوضح أيضاً دور المثقفين في هذه المرحلة والمتغيرات الجارية على الأرض. فكان جوابي فيما يخص المرجعية كالتالي؛ على المرجعية أن تكون خطوة متقدمة عن ” الهيئة العليا”، بالرغم من تحفظي على أسلوب وآلية تكوينها، كما أكدت على ضرورة مشاركة بقية فئات الشعب وفعاليات المجتمع الكردي المدني فيها، وإلا ستبقى هذه المرجعية كما ” الهيئة العليا” محل تجاذبات الأحزاب وبدون فعالية.
فيما يخص دور المثقف من هذه المرجعية، قلت؛ كما نرى على مواقع التواصل الاجتماعي، كيف أن الكتاب والمثقفين يبدون سخطهم وعدم الرضا على هذه المرجعية الحزبية، والتي لاتمثلهم بشكل من الأشكال، وإن الحركة السياسية الكردية تلعب دوراً سلبياً في الحراك الثقافي، فهي تعمل على تشرذمها كما الحالة السياسية، و تريدها ظلاً وتابعاً لها. وهذا مالاحظناه مؤخراً، كيف أنها عملت على خلق نزاع بين المثقفين، وأن كل مجلس أراد أن يشكل “إتحادا” أو “تجمعا ثقافيا” مواليا له. فبعد أن كانت رابطتنا (رابطة الكتاب والصحفيين الكورد في سورية) الوحيدة في الحراك الثقافي وجامعة لكل الكتاب والصحفيين، و صوتا حياديا، يقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب، حاول حزب الاتحاد الديمقراطي ( ب ي د)، أن يعيد إحياء ( إتحاد مثقفي غرب كردستان، في الخارج) من جديد، معتمدا على وجود بعض مؤيدهم فيها، وعقدوا لهم إجتماعا في إحدى المدن الالمانية و بحضور رئيس حزبهم صالح مسلم. وقتها قمنا (المؤسسين للإتحاد) بإصدار بيان، على أن هذا “الإتحاد” متوقف عن العمل منذ سنوات وهو بهذه التشكيلة الجديدة لا يمثلنا نحن مؤسسي هذا الاتحاد. بعدها حاولت مجموعة من أحزاب المجلس الوطني الكردي في الداخل على لملمت بعض “المثقفين” القريبين من أحزابهم وشكلوا فيما يسمى ب “إتحاد كتاب الكورد”، وهي في قناعتي كانت رداً على “الإتحاد” المشكل من قبل (ب ي د) في الخارج، وليس حباً في الحراك الثقافي ووحدة المثقفين.
لذا نرى أن دور المثقف الحقيقي في هذه المرحلة قد تشتت بفعل كلا المجلسين، كونهما حاولا أن يجذب كل واحد منه “مثقفيه” إلى خانته السياسية. لكن بقي للرابطة ( رابطة الكتاب والصحفيين الكورد في سورية)، الدور الريادي في فضح و كشف ألاعيب السياسيين والاصرار على أن المثقف يجب أن يبقى مستقلاً، حيادياً، بعيداً عن الأجواء الحزبية، وقريباً من الهم العام.
نعود إلى موضوع المرجعية السياسية، والتي فرضت على الشعب كقوة أمر الواقع، ولعب السلاح الموجود في أيدي إحدى الفصائل دورها الكبير في فرض إرادتها على إرادة الشعب،  هذا الشعب الذي سعى كثيرا لتكون الحركة السياسية الكردية في سورية، حركة سلمية.
إذا أرادت هذه القوى (المشكلة من المجلسين) أن تنجح في مهمتها هذه، وتجعل من المرجعية الهيئة التمثيلية الوحيدة للشعب الكردي في غرب كردستان، فعليها ان تقوم بالمهام التالية؛
1. محاولة توسيع المرجعية وضم كافة الفعاليات الاجتماعية والثقافية والحقوقية فيها، وبنسب تتناسب مع وجودها داخل المجتمع الكردي، في الداخل والخارج.
2. متابعة شؤون الناس في الداخل وتأمين حاجياتهم اليومية، دون تمييز ومحسوبيات، ومن ثم متابعة أهلنا في الشتات وخاصة المهجرين إلى كل من كردستان الجنوبية ( الموجودين في المخيمات) وكذلك أهل كوباني المهجرين إلى كردستان الشمالية.
3. تشكيل قوة عسكرية مشتركة من المجلسين، لتحرير كوباني بشكل نهائي، ومن ثم الدفاع عن مناطقنا ضد الارهابيين (داعش) وأمثالها.
4. وضع استراتيجية معينة، متفق عليها من قبل المرجعية و بقية الفعاليات في المجتمع الكردي، في تحديد كيفية التعامل مع قوات النظام في مناطقنا، ومحاولة التخلص منهم.
إذا كانت المرجعية السياسية بوضعها الحالي، جادة، ولديها أولوية الهم القومي ومصلحة الشعب، فهذه النقاط الأربعة أعلاه، تعتبر الحد الأدنى من المهام التي تقع على عاتقها، أما إذا دار كل مجلس أو حزب ظهره إلى المرجعية وعمل على أجنداته الخاصة ومايمليه عليه مصلحته ومصلحة القوى الداعمة له محليا وأقليميا، سيكون مصير المرجعية السياسية كما ” الهيئة العليا” في خبر كان، وسيدفع الشعب الضريبة الكبرى نتيجة عدم استغلال احزابنا الفرصة التاريخية لتأمين الحقوق القومية لشعبنا الكردي في غربي كوردستان.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…