حسين جلبي
أصدر “اتحاد الإعلام الحر”، بياناً بتاريخ الخامس من هذا الشهر يدين فيه بشدة ما سماها عملية اختطاف أحد الصحفيين في مدينة عفرين و اقتياده إلى جهةً مجهولة، و دعا البيان “قوات الأسايش والجهات المسؤولة في إدارة مقاطعة عفرين إلى التحرك بجدية لحماية الصحفي و الكشف عن ملابسات الاختطاف والقبض على المختطفين وتسليمهم للعدالة”. أما الجهة التي يعمل لديها الإعلامي المختطف، فقد قالت بان مجموعة مجهولة الهوية قد أقدمت على خطف مراسلها عند منتصف الليل و ذلك “دون أن يعطوا المجال له لجلب طرفه الاصطناعي أو ملابسه، مضيفةً بأنه تم اقتياده الى “جهة مجهولة”، و عندما قام ذوي المختطف حسب قولها “بمراجعة قوات آسايش مدينة عفرين للاستفسار عن مكانه أخبرتهم بأنه ليس محتجزا لديهم”.
الاتحاد المذكور، “اتحاد الإعلام الحر” هو هيئة إعلامية تتواجد في المناطق الكُردية السورية التي يسيطر على الشأن الكُردي فيها حزب الاتحاد الديمقراطي، و يُمنع بموجب “قوانين الاتحاد” على أي شخص أو جهة كُردية ممارسة العمل الإعلامي هناك قبل أن يتقدم اليه بطلب للحصول على عضويته و السماح له بالعمل، و تسهر “وحدات حماية الشعب و الآسايش” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي على التحقق من توفر هذا الشروط و القبض على من يخالفها، و هذا الأمر لا ينطبق على وسائل إعلام النظام و مواليه، حيثُ شهدت القامشلي و عامودا و سريه كانيه /رأس العين و غيرها مراراً و تكراراً حضور الفرق الإعلامية التابعة لفضائيات النظام أو حتى تلك التابعة لحزب الله دون أن يحرك الاتحاد أو من يقف وراءه ساكناً، و دون أن يطالب أفراد الفرق المذكورة بالتقدم اليه بطلب ترخيص و الحصول على عضويته كشرط مسبق للعمل فيما يسمى بـ”كانتون الجزيرة”، في حين تمت مضايقة العديد من الإعلاميين الكُرد و تم منعهم من ممارسة العمل الإعلامي بحرية تحت حجة مخالفة شروط العمل تلك، و قد طبق الشرط بشكل خاص على الإعلاميين المستقلين أو الذين لم يكونوا ينتمون إلى الجهة السياسية نفسها التي ينتمي إليها الاتحاد و يمثلها، لقد تمت مضايقة حتى الذين كانت بحوزتهم تراخيص الاتحاد التي لا أحد يعلم من منحه شرعية اصدارها، هذا ناهيك عن سؤال الشرعية الوجودي عن الاتحاد نفسه، وقد وصلت المضايقات إلى حد القيام بخطف مراسلي فضائيتين كُرديتين من شوارع القامشلي قبل عدة شهور و القائهما على حدود اقليم كُردستان و نفيهما هناك و منعهما من العودة إلى بيتيهما منذ ذلك الوقت، و هذه المرة دون أن يحرك “اتحاد الإعلام الحر” ساكناً أيضاً، رغم قيام “مراسلون بلا حدود” بإصدار بيان حول الموضوع في حينه.
اختطاف الإعلامي المشار اليه جاء في وقتٍ تصاعدت فيه عمليات الإعتقال التي نفذتها قوات “الآسايش” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في عفرين و قراها، وقد كانت باكورتها اعتقال البيشمركة الشاب “إبراهيم كوريش” الذي كان يعيش في إقليم كُردستان و قيل بأنهُ جاء لقضاء إجازة عند ذويه بعد مشاركته بالقتال ضد تنظيم “داعش” في مدينة “كوباني”، و هذا الشخص بالذات كان ناشطاً إعلامياً قامت قوات حزب الاتحاد الديمراطي باعتقاله قبل أكثر من عام في عفرين و وضعته في حفرة و بدأت بأهالة التراب عليه للقول بان مصيره هو الموت إذا بقي في مدينته، و هو ما دفعه إلى مغادرتها و التوجه لاجئاً إلى اقليم كُردستان، و يومها لم يكن لـ”اتحاد الإعلام الحر” أي صوت.
لكن الذي تبين بعد إطلاق سراح المراسل بعد ثلاثة أيام من الغياب هو أنهُ كان موجوداً لدى “آسايش” عفرين نفسها التي قام اتحاد الإعلام الحر بمناشدتها “للتحرك بجدية لحمايته والكشف عن ملابسات الاختطاف والقبض على المختطفين وتسليمهم للعدالة”، كما تبين بأن المسؤول عن الاختطاف في منتصف الليل بتلك الطريقة البعيدة عن الإنسانية هي مجموعة تابعة للآسايش تطلق على نفسها تسمية “فرقة مداهمة الإرهابيين”، و بان الإعتقال كان على خلفية كتابة تقرير إخباري يتعلق باعتقال “إبراهيم كوريش” المقاتل في البيشمركة الذي لا يزال معتقلاً، و لعل من المفيد الإشارة هنا على سبيل المثال إلى أن اعتقالات عفرين الأخيرة لم تحرك “اتحاد الإعلام الحر” و لم ترد أخبارها في “وسائل الإعلام” التي يمنحها تراخيصه.
فأي دور هذا الذي يلعبه “اتحاد الإعلام الحر” الذي لا يبدو بأنه لا يمتلك من اسمه شيئاً؟ ألا تثير مسارعته إلى اصدار بيان بحادث الخطف الشكوك حول وجود عملية تضليل لصرف الانتباه عن الفاعل تصل إلى حد مشاركته في الفعل؟ ألا يدل ذلك على أن بيانه كان تمهيداً للأسوأ في حال حدوثه و للتغطية على الفاعل الحقيقي؟ ثم هل لا زال الاتحاد عند مطالبته “بالقبض على المختطفين و تسليمهم للعدالة” بعد أن كشفت الجهة الخاطفة نفسها عن نفسها و عن ملابسات الاختطاف؟