الحضارة بين رفع عقوبة الإعدام ومأساة الشعب السوري؟؟!!

المحامي محمود عمر

 
تتباهى بعض الدول المتمدنة بان الحضارة الإنسانية فيها وصلت الى مستويات عالية وكمؤشر على درجة الرقي فيها تشير الى انه وصلت الى الحد الذي رفعت فيه عقوبة الإعدام من نصوص قوانينها الوضعية,وهذا دليل  على ان الحياة البشرية فيها قد غدت أسمى قيمة في الوجود وهي أولى  بالرعاية والحماية ,مهما كان جسامة الفعل المرتكب, وللعلم فإنها ـ أي تلك الدول ـ بذلك لم تأت بجديد بل أعادت المسألة الى نصابها الطببعي فالأصل ان مسألة ازهاق الروح وانهاء حياة الفرد بيد بارئها ,وذلك حق أصيل للبشر ابتداءا .
أماعلى الضفة الأخرى وعلى نفس الكوكب وأمام مرآى ومسمع هذا العالم المتمدن تعيش البشرية في فقر وعوز  وترتكب المجازر بحق بن البشر وليس أدل على ذلك ـ وكانموذج  ـ المأساة السورية.
 خرج الشعب السوري مطالبا  بحريته وكرامته  حيث لا حياة دونهما ,وقد جعلها الإستبداد رهينة بيده طيلة عقود من الزمن, وأرادـ أي الشعب السوري ـ من خلال ذلك اعادة بعض حقوقه الطبيعية المسلوبة , والتي نصت عليها كافة العهود والمواثيق الدولية والشرائع السماوية , بدت القيامة وكأنها قامت ولم تقعد على رأس هذا الشعب المسكين, اذ سرعان ما كمت الأفواه ومنعت الحناجر من الصراخ واستبدل الهتاف بالرصاصوسلبت الشوارع من المتظاهرين السلميين واستعيض عن الأيادي التي كانت تحمل لافتات الحرية ,بأخرى تحمل البندقية وكذلك استبدلت عن الوجوه المبتسمة البريئة التي كانت تنزل الشوارع لتقوا كفى  ومقاهي النت لتبث وجعها,بوجوه ترتدي أقنعة سوداء مموهة ,وبين ليلة وضحاها أصبح الكل يقاتل الكل, لا تستطيع أن تميز بين الجاني والضحية , وتكالب الجميع على الوطن السوري ليجعلوا من أرضه ملاعب لمصالحهم الدنيئة واستثماراتهم الخبيثة ,كل يدرب فريقه ويزوده بالمال والعتاد, لينزل ويقاتل في الميدان ومن بعيد تعقد بورصة المقامرة والرهان على حساب الدم السوري ,وكلما طال أمد الصراع ارتفع ثمن الأسهم في سوق المقامرة بازدياد عدد الضحايا ,حتى أصبح العدد يتجاوز المائتي ألف سوري, منهم ثلاثة عشرة ألف من النساء ورقم قريب منه من الأطفال, ناهيك عن ملايين المهجرين والنازحين وحجم الدمارالذي يذهل العقول ,وكلما شعر أحد الفرقاء بالتعب أو الملل ضخ المقامرون المزيد من المال والسلاح لتعود اللعبة الى أصولها بغية تأجيج الصراع,ويوما بعد اخر ازداد عدد المراهنين والمقامرين الذين أسسوا معهم طبقة من المراهنين الصغار من الداخل للدخول في التفاصيل وتسعير النيران فيها كلما دعت الحاجة ,أو عجز الرصاص والدمار عن انجاز المهمة , فتحت لهم أبواب السفارات وتم تزويدهم بجوازت سفر وحجزت لهم أفخم الفنادق  وسهًل لهم ولعوائلهم أمور السفر والإقامة والدراسة, وملأت جيوبهم بالعملة الصعبة  للشراء ـ فقط ـ من أكثرمحلات الماركات  شهرة ,وهكذا وباسم هؤلاء وباسم الثورة تتوالى التصاريح والمقابلات فيتوهج  العنف والقتل  ويزداد عدد الفرق المتصارعة, وتستمربورصة  المراهنين عملها على حساب دماء وكرامة السوريين.
على الأرض السورية تدار رحى حروب قذرة وقودها أرواح السوريون ,والمنتفعون مقامرون  كبار من العالم المتمدن وصغاربلهثون خلفهممن تجار الحروب والسياسة  في الداخل والخارج ,لذلك ليس غريبا ان يصرح الكل بأن الصراع في سورية طويل الأمد ,ربما  ليس آخرهم زعيم أقوى دولة تقود العالم  حين يعلن بأن المسألة السوية معقدة وطويلة الأجل ,ولما لا تكون كذلك ان كان الجميع رابحا من اطالة أمدها باستثناء الشعب السوري .
على أحد الأطراف  الكرة الأرضية تتفاخر الحضارة بما توصلت اليه من رقي وحفظ لحقوق البشر, فهل تستطيع ان تفعل ذلك على الجانب الأخرام انها  ستخجل يوما ما في انها خذلت الشعب السوري في مأساته ,بقي ان نقول ان الجنة لن تهبط على الأرض لتسعد كل الناس فهذا وهم ,والحقيقة وان كانت مرة  هي ان وقود الرقي والتمدن على أحد أطراف المعمورة هو  أرواح البشر ولقمة عيشهم وكرامتهم وسعادتهم على طرف آخر منها, وستظل رفاهية البعض البعيد على حساب مأساة الكثير القريب.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…