عمر كوجري
منذ القيامة السورية منذ ما يقارب الأربع سنوات، ومأساة التيه السورية لا تتوقف، ولا يبدو أن الفرقاء سيحتكمون لطاولة تنهي” قيامتهم” الوقت مازال باكراً لطي هذه الصفحة المؤلمة في حياة السوريين، ثمة من له مصلحة في تأجيج هذه النار حتى لا يستقيم في سوريا حجر على حجر.
لأن السوري أيقن أن لا بوادر تلوّح في الأفق القريب، بدأ يفكر بالخلاص الفردي، صار يخشى على حياة أولاده، فالحرب ضروس، وتزداد شراسة كلما دخلت على الخط مصالح ” دولية” جديدة، الجميع لهم مصلحة في إدامة هذا الموت السوري المجاني.
السوري، يريد أن ينفد بحياته إلى مكان أكثر أمناً له ولعائلته، فيبيع ما فوقه وما تحته، ويهيم بلقطة جميلة لصورة جاره أو أحد أقربائه، ينشرها على الفضاء الأزرق على إنه” في الجنة الموعودة متحسراً على أيام بهية ضاعت من دفتر حياته” وإن” أوروبا أمه الرؤوم” والوطن قاسي القلب”!!
هذا السوري الذي لا حيلة بيده، يسمع كلام المهرّب، وبقلب حزين يودّع ذكرياته، ومرابع طفولته، ومن شدة الهلع ينسى حتى مهاتفة أصدقائه وتوديعهم، في بهيم الليل يهرب عابراً الحدود والأسلاك نحو الجنة الموعودة، ها هنا في وحشة الليل يتبخر معسول كلام المهرّب، لأول مرة يحمل مسدساً حربياً، ويفرض جبروته على الغلابة المساكين، يجبرهم – ومعهم الأطفال والنساء والشيوخ- لركوب ” البلم”، والبلم قارب صغير لا يتسع لثلاثين” نفراً” يركبه مئة شخص، ويمخر عباب بحر هائج، بعد ساعة، ساعتين، يعلم هؤلاء الغلابة أنهم أكلوا طعماً كبيراً، وأنهم إلى موت، وثمة أسماك قرش، غير أسماك القرش البشرية ” المهرّبين” تترصد القارب ومن عليه لتنهش بأجساد السوريين، وفي لحظة يغيب ” الدليل السياحي”!! ويصارع هؤلاء موج البحر، تتعالى الأصوات، الأطفال يصرخون، النساء تولول، لكن لا حياة لمن تنادي، هذا بحر يا سيدي، وليس منتزهاً، ولا مسبحاً.!!
يبدأ الهاربون من الموت بالاستسلام لموتهم المحتّم، من يصل إلى بر الأمان تكتب له حياة جديدة، ويرسل صورة لأهله: الحمد لله وصلت إلى ألمانيا، السويد، بلجيكا، هولندا، النمسا.
آآآخ إنها مأساة السوريين بكل أروماتهم وإثنياتهم.. من موت لموت.!!
زاوية” العدسة”- صحيفة” كوردستان- العدد 501