الدور التركي تجاه القضية الكردية

سلمان بارودو 

إن المسؤولين الأتراك والأحزاب التركية التي توالت على الحكم في تركيا جميعها أبدت مخاوفها من التطورات التي تجري على الساحة والمناطق الكردية إن كان في كردستان الشمالية أو روج آفا، ولقد أغدقت الحكومة التركية الكثير من الوعود بخصوص عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني ومع زعيمه عبدالله أوجلان المعتقل في سجن إمرالي، ولكنها لم تترجم في خطة عملية وتطبيقية، حيث كانت تركيا دائماً تضع في حساباتها أن ظهور أي كيان كردي سوف يكون سبباً للحرب، أي أن تركيا ومنذ زمن بعيد مصابة برهاب اسمه فوبيا الكردية، لذلك كانت تعاملها مع الفدرالية التي أقرت في كردستان العراق محل امتعاض ورفض تركيا.
 وهكذا كانت تعاملها مع حزب العمال الكردستاني على أنه تنظيم إرهابي انفصالي لا يمكن التعاطي معه إلا بالقمع والعنف، متجاهلة أنه يمثل أكبر شريحة في كردستان الشمالية، وهذا ما أثبتته نتائج الانتخابات البلدية والنيابية التي جرت في المناطق الكردية، والآن تركيا تدفع ثمن فوبيا الكردية نتيجة عدم مشاركتها في التحالف الدولي ضد الارهاب وتقديمها تسهيلات لتنظيم داعش الارهابي التكفيري، ومراهنتها على سقوط كوباني، لأن أهداف تركيا الاستراتيجي تتقاطع مع أهداف داعش في المناطق الكردية والمنطقة، وهذا ما أكده الكثير من المسؤولين الامريكيين لتركيا بخصوص مساعدتها لتنظيم داعش الإرهابي، لكن تركيا هاجسها وتخوفها الوحيد من نشؤ كيان كردي في شمال سوريا بعدما سيطرت مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي في جميع المناطق الكردية، هذا مما أدى إلى إعلان تركيا وإلحاحها بالتدخل العسكري في سوريا، ليس من أجل سواد عيون السوريين بل من أجل منع نشؤ أي واقع أو كيان كردي في سوريا، وإذا شاركت تركيا الحرب على داعش في التحالف الدولي هذا يعني انها تخوض الحرب جنباً إلى جنب مع حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، وهذا في منتهى الخطورة بالنسبة للقوميين الاتراك، يجب على تركيا أن تعيد النظر في سياستها التي تتجه نحو العزلة والعداء لأي تطور في الوضع الكردي، جميعنا نتذكر ما أدلى به رئيس الحكومة التركية داوود أوغلو لـ بي بي سي البريطانية عندما قال هناك ثلاثة أعداء لتركيا هم تنظيم داعش والنظام السوري وحزب العمال الكردستاني، وأيضاً سبقه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما اعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي بأنه ارهابي مثله مثل حزب العمال الكردستاني، وقد تحدى الرئيس الأميركي باراك أوباما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو عندما أعلن أنه يجب دعم المدافعين الأكراد عن كوباني بالسلاح وإنهم ليسوا إرهابيين هذا ما قاله باراك اوباما بعد يوم واحد من وصف رجب طيب أردوغان للحزب الاتحاد الديمقراطي بالإرهابيين، بل ذهب باراك اوباما أكثر من ذلك عندما أمر بفتح ممر لنجدة كوباني بالمقاتلين من البشمركة تحديداً، وبهذا أكد أوباما لا يمكن لتركيا أن تعترض لقرارات الإدارة الامريكية وهذه ضربة لطروحات التركية بخصوص المسألة الكردية، كما أن القوة التي سوف تعتمدها أمريكا مستقبلاً في الحرب ضد داعش هي القوات الكردية تحديداً،لأن هذه القوات أثبتت بأنها القوة الوحيدة التي استطاعت أن تهزم أكبر قوة إرهابية على وجه الأرض. 
غير أن الحكومة التركية وجدت نفسها في وضع غاية الارتباك والحرج سواء في تعاملها مع ملف كوباني او علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكان مشهد القوات الكردية أي البيشمركة التي عبرت الأراضي التركية لتساعد أعداء تركيا كان مشهداً سوريالياً بكل المعايير، غير أن نتائج هذه الساسة العنصرية والشوفينية تجاه الكرد انقلبت وبالاً على تركيا فعجزت عن تحقيق أهدافها العدوانية تجاه شعبنا الكردي المسالم.
ولا شك أن مسار الذي العلاقة بين تركيا والكرد ترك حفراً عميقاً في الجسد الكردي ليس من السهل إزالتها وخاصة بسبب أحداث كوباني، وما الشروط التي طرحها المسؤولون الاتراك على رئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم التخلي عن فكرة الإدارة الذاتية للمناطق الكردية في سوريا، وبالطبع رفض مسلم الشرط التركي. 
غير أن الرياح لم تجر كما تشتهي سفينة الحكومة التركية، ومن الصعب بما ستؤول إليه مسار المرحلة والتطورات الجارية في المنطقة، لكن أي تطور يحصل مستقبلاً سواء كان عسكرياً أو غيره لن يخسر الكرد شيئاً لأن جعبتهم بالأساس خالية الوفاض، إنما عبارة عن بعض الضحايا الإضافيين وهذا لن يؤثر في واقعهم العدمي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…