كوباني …. دهـوك انـطلاقـة جـديـدة لوحـدة الصف الكردي

افتتاحية الوحـدة *

إن انسداد الأفق السياسي في الأزمة السورية ، وضراوة المعارك متعددة الأوجه وتدهور البلاد نحو الهاوية ، وتَشكُل جماعة إرهابية متطرفة تمتلك إمكانات كبيرة بعد سيطرتها على مساحات واسعة من العراق وسوريا ، وإعلان خلافة أبو بكر البغدادي الاسلامية فيها ، واشتداد المخاطر على المناطق الكردية ، وبعد طول جفاء في العلاقات البينية ، ومع وقوع مأساة شنكال ومؤشراتها الخطيرة تزامناً مع أجواء دولية ضاغطة ، … دفعت بالعديد من القوى الكردية والكردستانية للبحث الجاد عن حلٍ لمعضلة انقسام وتشتِ أطراف الحركة الوطنية الكردية في سوريا وضرورة إيجاد تمثيل جامعٍ لإرادة الشعب الكردي في سوريا ،
 فبذل الأخ الرئيس مسعود البرزاني جهوداً مضنية وبدورٍه الأخوي النبيل وبدعمٍ من برلمان إقليم كردستان العراق ومباركةٍ من باقي الأطراف الكردستانية اجتمع وفدا المجلس الوطني الكردي ENKS وحركة المجتمع الديمقراطي TEV – DEM ما بين 14 و 22 الشهر الجاري بإشراف رئاسة الاقليم حول طاولة حوار ونقاش تمخض عنه توقيع اتفاقية دهوك في أجواءٍ من الجدية والاحساس بالمسؤولية التاريخية على وقع أحداث كوباني المؤلمة وهجرة سكانها وتعرضها لحربٍ ممنهجة من قبل تنظيم داعش الارهابي الذي يُصد بمقاومةٍ بطولية من أبنائها إلى جانب بواسل وحدات حماية الشعب YPG.
لقد قرأ المجتمع الدولي جيداً ثقافة المجتمع الكردي من التسامح والروح القومية الانسانية الديمقراطية واعتناقه لمبادئ اللاعنف والسلم والعيش المشترك مع الشعوب الجارة ، ووفائه لأواصر الأخوة والصداقة ، ووقوفه ضد سياسات الظلم والاستبداد التي عانى منها على مرّ العقود، وتضحيات أبنائه من أجل الحرية والكرامة ، والمكانة التي تتمتع بها المرأة الكردية ، ومدى جدية الكُرد في محاربة الارهاب الذي بات يقلق ويرهب مجتمعات الغرب والشرق والفكر الانساني الديمقراطي والمدني عامةً . كما شاهد العالم أيضاً التظاهرات العارمة التي أطلقها أبناء الكُرد وقواهم السياسية في عموم قرى ومناطق أجزاء كردستان الأربعة وفي بلاد المهجر تضامناً مع كوباني ومدِّها بيد العون والمساعدة . فسارع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركة خمس دول عربية الذي تَشكل بهدف محاربة الارهاب إلى التقاط اللحظة التاريخية والوقوف إلى جانب كوباني وضرب قطعان داعش الغازية ، والأمر الذي شجعه أيضاً على ذلك دور وفاعلية إقليم كردستان العراق شعباً وبرلماناً وحكومةً ورئاسةً وكذلك إعلان اتفاقية دهوك الكردية السورية ، مما حدا بوسائل الاعلام العالمية لتُسلط الأضواء على كوباني وتبرز صورتها الإنسانية المقاومة للتطرف التفجيري ، فأكسبتها تعاطفاً قلّ نظيره لدى الرأي العام العالمي . في هذه الأثناء التبس الموقف التركي بين الغموض والتردد والتشنج أحياناً سعياً وراء تحقيق أجندات خاصة ، إلا أن دبلوماسية الرئيس البرزاني ومصداقية وصلابة المقاومة الكردية على الأرض ودعم التحالف الدولي حقق نجاحاً مميزاً في إلقاء كمياتٍ من الأسلحة والذخيرة من الجو للمقاتلين الكرد المدافعين عن كوباني وإرسال قواتٍ من البيشمركة مع أسلحة ثقيلة في رحلةٍ تكاد تكون كرنفالية من هولير عبر الأراضي التركية وصولاً إلى كوباني لتقاتل إلى جانب قوات YPG التي لطالما قلنا أنها تشكل قوات دفاع مشروعة عن المناطق الكردية وتُقدم تضحيات جسام في سبيلها .
ثمة تساؤلات وأحياناً استنتاجات وتحركات تنم عن قراءات خاطئة أو مواقف متشنجة وربما شوفينية حاقدة عن الوضع الكردي في سوريا والاهتمام الغربي الخاص بكوباني والدفاع عنها ، في هذا الصدد وعلى الرغم من إيماننا العميق بسبل الحوار والتواصل مع شعوب المنطقة وفعالياتها الوطنية والديمقراطية وضرورات بناء أوطانٍ خالية من الظلم والاستبداد وترسيخ أسس الشراكة والعدالة الاجتماعية ، ورغم تقبلنا للرأي الآخر … نقول: سئمنا من سماع الأقاويل والتُهم الزائفة التي لن نردَّ عليها ، حيث باتت الحقائق معروفة وساطعة ، وهي أن وجود الشعب الكردي في سوريا حقيقة تاريخية دامغة ويعيش على أرضه منذ الأزل ويقارب تعداده ثلاثة ملايين نسمة وله حقه في الدفاع عن نفسه وحماية مناطقه وتشكيل إدارته الذاتية السياسية والاجتماعية ، وهو الذي شارك في بناء سوريا ودافع عنها ، وعِبر حركته السياسية وعلى مرّ عقود طالب بحقوقه ورفع الاضطهاد عنه ويناضل ليعيشَ في دولةٍ ديمقراطية عصرية ، وشاركت فعالياته وأحزابه في الثورة السورية السلمية ولم تنزلق إلى أتون الحروب الداخلية ودعت مراراً وقدمت مبادرات لحلٍ سلمي للأزمة السورية نحو التغيير وحقن الدماء ، وهم لا يعادون حقوق الغير ووجوده ، ولا يرتهنون إلى مشاريع خلبية ، وليس لدى الكرُد في سوريا مشاريع انفصالية بل يريدون تكوين ذاتهم في إطار سوريا المستقبل ، سوريا ديمقراطية تعددية برلمانية لامركزية .
ليس للكُرد ذنبٌ في تنصيب نظام استبدادي أمني قمعي على سوريا حكم البلاد أكثر من خمسين عاماً بلغة الحديد والنار ، وليس لهم ذنبٌ – لا من قريب أو بعيد – في إقدام النظام على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري عامةً ، وليس لهم ذنبٌ في تشتت صفوف المعارضة السورية وانتكاسة الثورة وانتشار الفصائل الاسلامية المسلحة المتشددة وسيطرة داعش وأخواتها على مناطق واسعة من سوريا ، وليس لهم ذنبٌ في غياب السياسة عن الساحة السورية وسطوة السلاح على الميدان وتتالي مشاهد القتل والدمار ، وليس لهم ذنبٌ في تسعير الصراع الطائفي والمذهبي البغيض ، وليس لهم ذنبٌ في إطالة أمد الأزمة السورية التي لم تلقَ حلاً في ظل استقطابات إقليمية ودولية حادة . وإذا كان هناك بصيص أملٍ في نجاح الثورة وتأكيدٌ على قيمها فهو متوفر نسبياً في المناطق الكردية ( الجزيرة ، كوباني ، عفرين ) – شمال سوريا من حضور للأحزاب والفعاليات المجتمعية وتعاطٍ أخويٍّ مع المكونات الأخرى ووجود صحافة وإعلام وندوات ونقاش سياسي وتعزيز دور المرأة وشعارات عن الوطن وحقوق الإنسان والديمقراطية والحرية والكرامة ، فمن هذه الوقائع جاء الاهتمام الدولي بكوباني التي أصبحت رمزاً لبداية الانتصار على التطرف والارهاب.
وما دامت الأخطار المحدقة بنا باقية في أجواء سوريا الحالكة ، يتوجب على أطراف حركتنا السياسية دراسة الأمور بدراية وعمق والاقلاع بقاطرة دهوك وفق خطى حثيثة وإرادة صادقة نحو تمتين وحـدة الصف الكردي وتنفيذ بنود الاتفاقية بالسرعة الممكنة وتجاوز العقبات بروحٍ أخوية مسؤولة ، حيث بدا جلياً أنه لايمكن لطرف بعينه تحمل كامل الأعباء ويستطيعُ تمثيلَ وإدارة الشعب الكردي في سوريا والدفاع عنه لوحـده .
ومن جهتنا نحن في حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي ) سنبذل قصارى جهودنا في سبيل إنجاح اتفاقية دهوك ، كما كنا ندعو دائماً إلى وحـدة الكُرد وتآلفهم ، ومثلما عملنا على تبيان الوقائع والحقائق للمعنيين وعلى تقريب وجهات النظر وطرح رؤى توافقية ، وبدا ذلك واضحاً ومعروفاً للكثيرين وبشكل خاص لأبناء شعبنا الكردي في سوريا أثناء التحضير لحوارات دهوك والاتفاقية التي نجمتْ عنها بعمل جماعي مضنٍ .
جديرٌ بنا نحن أبناء الشعب الكردي في سوريا وأطره السياسية أن نعيَ هذه اللحظة التاريخية الحساسة والدقيقة جداً ونستوعب تفاصيلها ونكون على قدر المسؤولية وندرك ما يتوجب علينا القيام به ، ونميز بين المهم والهام والأهمِّ، وأنْ نتقنَ ترتيبَ أولوياتنا.
* جريدة الوحـدة – العدد / 255 / – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي )
لقراءة مواد العدد انقر هنا    yekiti_255

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…