نوري بريمو
أعتقد بأنه منذ الحرب العالمية الثانية، لم تشهد المعمورة أي إحتدام لأي صراع مثل هذه الحرب الدائرة حاليا في ساحات “كوردستان، والعراق، وسوريا “المتداخلة جيوسياسياً بعد الغاء حدود “سايكس ـ بيكو” بينها من قبل داعش وأخواتها، فقد تحولت هذه الساحات الثلاثة المتجاورة بفعل مفاعيل عديدة إلى ساحة واحدة مفتوحة على بعضها أو بالأحرى إلى بقعة ساخنة وملتهبة وحبلى بشتى التناقضات والنشوبات والنعرات الطائفية والقومية والدينية، في ظل إصرار نظام الأسد على عسكرة الثورة السورية وتحريض السوريين ضد بعضهم وتغذية دوامة العنف وتحويل البلد إلى مغناطيس يستجذب الإرهابيين من كل حدب وصوب، ومما زاد الأوضاع حدّة بروز وحش العصر “داعش” وتمدده طولا وعرضا وإعلانه لدولة “الخلافة الإسلامية” في المناطق السنية على تخوم بلاد الكورد وفي عمق بلاد الشام والعراق.
ولكنّ صدور القرار الدولي 2170 وتدخل أمريكا في الحين المناسب وتشكيل حلف دولي لملاحقة داعش وأخواتها، أدى إلى تغيير موازين القوى وأوحى إلى أنّ منطقتنا قد تشهد منعرجاً تصعيديا يضعها تحت مطرقة التدويل العسكري الذي بات سيد الموقف ويشير إلى إمكانية إندلاع حرب شاملة إشتعلت شرارتها الأولى في سوريا ثم طالت العراق وكوردستان وقد تطال بلدان إقليمية أخرى تعاني من قضايا عالقة.
وبما أن التحالف الدولي يقصف داعش وعينه على إسقاط نظام الأسد وأسياده، فإنه لاريب في أن يسبق هذا الحدث النوعي نشوبات دولية في عقر دارنا، ولعل تطورات الاحداث في كوباني التي تلقت مساعدات لوجستية من اقليم كوردستان وبإيعاز ولفتة أخوية كريمة من الرئيس بارزاني وعلى متن طائرات أمريكية لتعزيز تلك الجبهة الدفاعية الكوردية المفتوحة ضد داعش، قد تنجم عنها انعكاسات تؤثر على توقيت اطلاق صافرة بداية حرب كونية لا يستطيع أحد أن يطلق صافرة نهايتها إلا على أنقاض الإتيان بتوازنات جديدة وتقسيم شرق أوسطنا مرّة أخرى على غرار ما كان يحصل بُعيد كافة الحروب العالمية الماضية.
ولحسن حظ شعبنا الكوردي في كوردستان عموما وفي كوردستان سوريا خصوصا، فإن قيادته وخاصة الرئيس بارزاني صار لاعب قوي وطرف رئيسي له صلة بما يدور حوله وفي تخوم بلاده من حروب وضغائن وسيناريوهات، مما يقتضي أن يحتكم الجانب السياسي الكوردي الى جادة صواب اتخاذ قرار موحّد في إطار خطة دفاعية وسط هكذا احداث إقليمية ساخنة ومتفاقمة، وأن يبدي احترازه تجاه أحوال جيرانه المبتلون بشرورٍ طائفية خطيرة، في حين ليس بوسع شعوب “كوردستان، والعراق، وسوريا” سوى مناصرة المعارضة السورية ومطالبة التحالف الدولي بقيادة الأمريكان بالتحرّك العاجل لفرض مناطق حظر جوي ونشر قوات دولية لمكافحة الإرهاب ولاسقاط نظام الأسد وتخليص شعوبنا من هكذا أنظمة ترعى ديناصور الإرهاب الداعشي وغيره.
ولعلّ الشاهد الأكثر دلالة على أن إقليم كوردستان أصبح يتصرف كدولة ويحيا عصرا ذهبيا ويزداد ألقاً يوما بعد آخر، هو القرار الذي اتخذه برلمان كوردستان بإرسال قوات البيشمركة إلى كوباني، بدون الرجوع إلى بغداد، وبدون الأخذ بالحسبان ماهية ردود أفعال دمشق وأنقرة وطهران وغيرها من العواصم الأخرى المتضررة من تشكيل دولة كوردستان.
وبالعودة إلى مساعي ترتيت البيت الكوردي السوري ووجوب اعطاء هذه المرحلة أهميتها وحقها، تم التوقيع على اتفاقية دهوك بين المجلس الوطني الكوردي وحركة المجتمع الديمقراطي وبرعاية رئاسة اقليم كوردستان، في حين يمكن اعتبار هذه الإتفاقية خطوة في الإتجاه الصحيح الذي يقتضي من القيادة الكوردية الموحدة أن تقف مع خيارات الرئيس بارزاني على شتى الأصعدة، وأن تتصرف كلاعب رئيسي وكشريك في الإستحقاقات والواجبات السورية، وأن تحاول استثمار ظرفي الزمان والمكان وأن تبادر إلى التوافق مع الجيران ومع الأسرة الدولية التي ينبغي عليها تخليص بلدان منطقتنا من الأنظمة الفاشية، وحماية شعوبنا من مختلف شرور الإرهاب وصانعيه وداعميه ورعاته وما أكثرهم.