والسلطات الشمولية من جهة، وبقواهم السياسية من الجهة الأخرى. الأول يحكم ويطغي
بدون مواربة، والثاني يزاود بالشعارات الوطنية، والمقاومة والصمود. القوى الأولى
تخلق الثانية، وتستخدمهم كأدوات، لتشويه ثقافة شعوبهما، وتحوير متطلباتهما
الرئيسة، وإلهائهما بصراعات داخلية كثيرا ما تصل إلى حد هدر الدماء، تقزمهم وترفع
من شأنهم حسب الحاجة، لقنتهم ثقافة الأنا الحزبية، وتفرضها على شريحة واسعة من قادتها
ومن ثم تنشر بين متبعيها، هؤلاء بدورهم يخلقون من قادة أحزابهم أنصاف ألهه، ضمن تكيات
يسيطر عليها المريدين، فلا يطالهم النقد، ويصبحون معصومون لا يخطؤون، فما تملى
عليهم من الأعالي فرضيات مقدسة تنشر بين الشعبين، والمريدون يحرسون القول
والإملاءات، وعند هذه الأبعاد يكون من السهل هدر دماء شعوبهما.
على مقدرات شعوبها، والمسترخصة دمائها، والمتاجرة بها في البازارات الدولية، من
السهل لهم المتاجرة بدماء الشعبين الكردي والفلسطيني، اللذين لا سند لهما. إنها
السلطات التي أغرقت الشرق بدماء شعوبها، للحفاظ على ذاتها، فليس صعب عليها إرضاخ منظمات
فلسطينية متطرفة والمرافقة لها لمتطلباتهم، وكذلك فرض ذاتها واستراتيجيتها على قوى
سياسية وأحزاب كردستانية، ليقودوا شرائح من شعبهما إلى تلبية متطلبات القوى
الإقليمية الطاغية، يستخدمونهم كمطية لبلوغ غاياتهم. فهم أدوات بدائية بيد إيران
وحلفائها الاستراتيجيين، حيث الهلال الشيعي، وبيد تركيا وبعض الدول العربية
المتطرفة ضمن استراتيجية الإسلام السني، العنفي أو الليبرالي شكلاً.
كردستان ملئت كما هي فلسطين بالمنظمات والأحزاب
التي تتحرك كالدمى، وتنفذ ما يملى عليهم، وتصدق أبسط الوعود، وربما لهذا ما
يبررها في العمق السياسي المعاش، حيث العزلة الدولية، والإهمال المقصود لوطن
يحلمون به، لكن لا تبرير لتبعية من أجل غاية حزبية أنانية أو لسيطرة ذاتية لمنظمة
تعمل لفرض إملاءاتها الفكرية أو الإيديولوجية على الشعب.
مستبدون يعبثون بالقضيتين، ويغرقونهما بمعارك
أو حروب لا نهاية لها، تهدر الدماء بأرخص الأثمان، فيسقط شهداء كلما حانت لهم
الحاجة، إما ببث مفاهيم استراتيجية المقاومة أو بالإسلام السياسي، أو بنشر الإسلام
القومي، أو الأممية القومية. علما أنه في الطرف المقابل وخارج هذين المنطقين، يحتدم
الصراع التاريخي بين المذهبين السني والشيعي، كل طرف يتحرك لتقويض الآخر، والسيطرة
على المنطقة، ومع ذلك يبقى الخاسر الأول هم الشعبين، الكردي والفلسطيني، ولم
يستثنوا في هذه الفترة شعوب المنطقة من مجازرهم. مع ذلك تأبى الأحزاب الكردية
والمنظمات الفلسطينية، الاعتراف بتبعيتهم وحضورهم في المحافل الدولية كأدوات أو
مطية، ويعارضون معالجة قضايا الخلاف المفتعل بينهم، إما لأنانية حزبية، أو رضوخا
لطغيان المستبد وإملاءاتهم، أو قناعة بالثقافة الملقنة وهذه أبشعها، حيث تنعدم
الإرادة والقدرات الذاتية على معالجة قضاياهم الوطنية بين بعضهم، فيستمرون ضعفاء
مهزوزون أمام شعوبهما. وتحت تأثير هذه الإملاءات والثقافة المشوه، كل القوى
السياسية الكردية والفلسطينية يزاودون على بعضهم في إعلاء راية الوطن أو الإسلام، والدفاع
عن تعاليمه، حسب مناهج المستبد وتأويلات دعاتهم المتطرفون، وثمنها يكون دماء الشعبين وعشرات من الشهداء، فهم أسهل الأدوات في
المنطقة ودماء شعوبهما أرخص الدماء.
الشمولية، وتضيق الأروقة السياسية، يخلقون الدمار ويقتلون الشعوب، ويشرعون أبواب الصراع،
وإلهاء المنطقة بقضايا طائفية وعنصرية لتبعدهم عن فسادهم المستشري. فقضية السلطة السورية
بتفاقم جرائم داعش أصبحت تثار في المحافل السرية، لوضع نهاية لمغذي المنظمة الإجرامية
الخطيرة مستقبلا على العالم الخارجي، وكذلك قضية إحالة المالكي إلى التقاعد بدون إثارة
واسعة، بعد أن أدى واجبه والتي كانت آخرها تسليم المنطقة والأسلحة لداعش، إلى أن بلغت
المسيرة الطرق المسدودة، فكانت هناك القضية الحاضرة أبدا لكل الظروف، مهاجمة الكرد
من كل الأطراف وإشراكهم في الصراع وتوسيع الحلبة، وإثارة قضية غزة والتي لم تبقى دولة
عربية إلا وقطع منهما حصته. إنهما ككبش الفداء للكل، على منصتهما تباع الوطنيات
وفي ساحاتهما تعرض البازارات السياسية، وهما القضيتان اللتان لم يجاريهما قضية
في العالم إلا قضايا الشعوب التي أغرقتهم طغاة الشرق حاضراً في مجازر لا حدود لها،
من حيث القتل الجماعي والمجازر، واستخدام أبشع أنواع الأسلحة حتى المحرمة عالميا، وتشكيل
منظمات شريرة إجرامية مغطاة بكل أنواع المفاهيم والمعتقدات المشوهة، كل ذلك، للعبث
بالأوطان، والحفاظ على الذات،
حتى ولو كان بدون شعب ووطن.
دفعت إيران والسلطة
السورية حماس من جهة في البعد الوطني، وفي زمن الضياع، وغياب العالم، لإثارة قضية شعب غزة المعاني،
وهي تدرك تماما بانها لا تحل بالحروب في هذه الفترة بالذات، فترة الصراعات والقتل
السهل، زمن إراقة دماء الشعوب بدون قصاص. وفي الطرف الأخر حركوا داعش لخلق أبشع
المجازر، ونشرها في الإعلام، والهجوم على كل المناطق وخاصة مناطق الأقليات
والمذاهب غير المسلمة، الإيزيديين والمسيحيين والصائبة وغيرهم وشملوا كل المنطقة
الكردية في العراق وسوريا، لخلق أوسع وأفظع الجرائم، وإثارة رأي العام العالمي حول
أفعالهم، لإلهائهم عن السلطات الشمولية ومجازرهم، لهذا أسندوا بكل المساعدات العسكرية
اللوجستية. فكان من السهل إثارة الواقع، فالبنية الشعبية جاهزة، من حيث المعاناة والمآسي
التي تعيشها شعوب المنطقة، من السلطات الدكتاتورية، والاستعمار الإسرائيلي.
لا شك حماس لا تقارن بداعش، ولا يمكن موازنة
منظمة تدافع عن قضية شعب يعاني، مع منظمة فاسدة شريرة تكفيرية ظلامية مكونة من
مجرمون من كل شعوب العالم، وتعبث بشعوب الشرق، وتهدم الأوطان، ومسنودة من الطغاة،
لكن ما فعلوه في هذه الفترة، وفي نفس الوقت، استفاد منهما الاستعمار الصهيوني من
جهة والسلطات الشمولية من جهة أخرى، وكانت النتيجة توسيع رقعة المجازر والجرائم،
وزيادة سكب دماء الشعوب، فانصب بين ما
يراق، دماء الشعبين الكردي والفلسطيني، ولحق بألاف الشهداء من الشعب السوري شهداء من
الشعب الكردي الإيزيدي والمسيحي والفلسطيني.
الواقع، ورغم الدماء المقدسة الغزيرة، والألاف من الشهداء الأبرار والأوطان
المدمرة، خرجت بخسارة سياسية، فلم تتمكن من الحفاظ بشكل دائم على تغيير الرأي العام
العالمي عن السلطة السورية، وحليفها المالكي اضطرت هي بذاتها التنازل عنه، كما وإنها،
بدأت تخسر أداتها داعش، وقد تضطر إلى محاربتها، وسحب دعمها لها، فستخسر ما كانت تملي
عليها من أعمال غير مباشرة، كتشويه التيار السني، فقد بدأت الأغلبية السنية تتبرأ منها،
وعليه، ستكون إيران باحثة عن نقاط التقاء مع الدول الكبرى حول مفاعلها النووية، ربما
بدون سلطة بشار الأسد وبدون معارك حماس، وبدون مجازر داعش، وتبقى هناك أوراق عديدة
متناثرة تصرف عليهم المليارات للعبث بالمنطقة، ومثلها تصرفها الحلف المقابل، السعودية
ودول الخليج وتركيا للحفاظ على استقرارها على
الأقل، فأركانهم معرضة لأي طارئ وإيران تبحث عن كل المنافذ للتغلغل، وأسهل الأدوات
هما القوى السياسية الكردية والفلسطينية.
المتحدة الأمريكية