ابراهيم محمود
لأول مرة في التاريخ الكردي ، وعلى مستوى
عالمي جهة المتابعة والاهتمام المركَّزين، يشهد الكرد تحولاً نوعياً في العلاقة
معهم، والاهتمام بأمرهم، وهو الاهتمام الكثيف الذي يترجَم طبعاً في تحرك إقليم
كردستان خارج حدوده، واستناداً إلى تقديرات ذاتية وقوة إسناد سياسية لوجستية
اعتباراً على مستوى دولي ملحوظ، ودعم بالسلاح، وفتح جمع لافت من القنوات
الدبلوماسية على مستوى عال، ودون مراجعة حكومة المركز، جرّاء الغزوة الداعشية
لحدوده في مطلع آب 2014، بداية الانعطافة المسجَّلة في التاريخ الكردي المذكور،
وهو ما لا يحتاج إلى برهان .
للمحللين أهواؤهم واجتهاداتهم وخيالاتهم
وضروب تركيباتهم في تحرّي ” سر ” هذا الاهتمام وهذا العبور الكردي
الاستثنائي لحدوده الإقليمية، مدعوماً بقوة طيران أجنبية: أميركية، وبالسلاح
الأحدث: الأميركي أولاً، وهو تحت الأنظار من الجهات الأربع للعالم، إلى درجة أنه
ليس مبالغة إن اعتبرنا هذه البداية السنة التدشينية الأولى في تاريخ كردي جدير
بالتمعن فيه ومقاربته مراراً وتكراراً، ومن ثم مكاشفة ما كان من مستجدات حتى الأمس
القريب جداً.
وضروب تركيباتهم في تحرّي ” سر ” هذا الاهتمام وهذا العبور الكردي
الاستثنائي لحدوده الإقليمية، مدعوماً بقوة طيران أجنبية: أميركية، وبالسلاح
الأحدث: الأميركي أولاً، وهو تحت الأنظار من الجهات الأربع للعالم، إلى درجة أنه
ليس مبالغة إن اعتبرنا هذه البداية السنة التدشينية الأولى في تاريخ كردي جدير
بالتمعن فيه ومقاربته مراراً وتكراراً، ومن ثم مكاشفة ما كان من مستجدات حتى الأمس
القريب جداً.
هل حقاً من سر كما أسلفنا ؟ بالنسبة للذين
يفكرون في اتجاه واحد، ويتعززون بتصورات ثابتة، هو الأمر كذلك، إنما على مستوى المتغيرات
العالمية، ومنذ ربع قرن، إثر حرب الخليج الثانية، صار من اليسير بمكان متابعة
طبيعة التسارعات في الأحداث العالمية، وإذا كانت الحرب هذه تمثل صدمة للوعي القومي
العروبي، وسقوط صدام في 9 نيسان 2003 هزيمة نكراء بمراهقي العروبة والقومويين
العرب، وضمناً من يصنَّفون في عداد المناضلين الطبقيين والكفاح الثوري: دون
استثناء الفلسطينيين، والدخول في ثقب التاريخ الأسود، فإن ما حصل في 11 أيلول 2001
إثر انهيار برجيّ التجارة العالميين في نيويورك، في الولايات المتحدة الأميركية
وهي المحسوبة المحصنة والواقعة ما وراء البحار، مع كامل الاعتبار لمفهوم ” ما
وراء البحار ” دلالياً، مثل حالة صدمة واستيقاظ من نوم تاريخي اُفترض خالياً
من الكوابيس، وطياً لمفهوم الحدود القارية، عبر صعود أجيال من الإرهاب بميسمه
الديني، الأمر الذي يحتّم إعادة النظر في إحداثيات سياسية لها مهابط أو مواقع
جغرافية مرشحة لأن تدخل ” على الدور “، إذ كما هي الأرض في اختلال
توازنها، وثباتها في نقاط أكثر تماسكاً، ولزمن معلوم، هكذا تكون السياسة في طرح
أسماء، أو إظهارها للعلن، ومن ثم السماح لها بإبراز أدوارها حتى على أعلى مستوى،
وشعوراً تاريخياً من ذوي القوة العالمية بفعالية هذا الدور في كبح جماح القوة
المدمّرة والمتمثلة في الإرهاب الذي أعطيَ صفة عالمية، حتى يكون هناك بالمقابل
سبيل المواجهة: محاربة الإرهاب عالمياً،
وهي العملية التي تتوقف على طريقة انتشار ممثلي هذا الإرهاب ومكوناته ومغذياته
ووقوه، والقوة الأكفأ لمواجهته والأقرب إليه، وربما كان ذلك، ومن باب المنطق
التاريخي- الجغرافي إماطة اللثام عن هذه القوة في نطاق : إقليم كردستان واقعاً .
ربما بالطريقة هذه يمكن تعقب خيوط السياسة
على مستوى عالمي، وتحديداً تلك الخفية، كما هي خطوط الاتصالات، وشبكتها المعقدة التي لم
تعد تعتمد على ما هو حسي في أنظمة الموبايلات مثلاً، سوى أنها لا تلغي مراكز رصد
وتتبع وتحكم ومعاينة وحسابات كلَف دقيقة ومساع إلى تمتينها، ورصد أي قوة جانبية
تعيق أنشطتها المختلفة .
يصلح هنا إقليم كردستان، ومن خلال توازنات
القوة، و ” طرح ” هذه القوة الجغرافية- الديموغرافية، بعلاماتها السياسة فيما يشبه
” ساحة المواجهة المباشرة عسكرياً “، أو حتى ” المزاد العلني لقوى
السوق العالمية ” إن أخلصنا لفاعلية الأدوات التي تسهّل إمكان الفهم والربط
بين مختلف الفعاليات التي تقوم بين دول العالم وشعوبه، وتكون الشعوب والأمم بالذات
في مقام السلع المثمنة والمحتواة على قوى ضاغطة ومعلومة ومقدَّرة بمواقعها
وإحداثياتها الجغرافية، دون نسيان المفهوم الكوكبي وخاصية الجاذبية على مستوى
التعالقات النجمية- الكوكبية في الحركة والمتحرَّك والتبعية والفعل المتحصَّل من
خلال عملية الارتباط، وهذا ما يعلَم بأمره أهل الاقتصاد، إلى جانب السياسة
والتأريخ ” الحديث بمنهجياته التي بالكاد ترتبط بالمنهج كطريقة اتجاه وحيدة
في تبني موضوع ما ومقاربته نقدياً ” لوسيان لوفيفر، مارك بلوخ، فرناند
بروديل، جاك لوغوف ، كريستيان بوميان ..الخ “، ولا بد كردستان في كلّيتها،
وضمناً إقليم كردستان أن تكون في المحترف الجغرافي والاقتصادي والسياسي والعسكري
وحتى الرمزي القابل للتعزيز في واجهة هذه المعايير. إن صورة الأرض بمعناها
الكوبرنيكي هي ذاتها تطرح صيغاً شتى، إلى جانب ترددات قوى، وترسم رؤى لمفهوم
الكون، وأصناف العلاقات بين البشر على مستوى دول وأمم وأنظمة، كما الحال في أكثر
المجالات تجلياً بالتنوع وأهلية تقديم المختلف في الأفكار، والموسيقى، والبناء ،
والهندسة …الخ .
إقليم كردستان خارج حدوده، ليس لأن ثمة مركز
استقطاب قدري العلامة وعن بعد هو الذي أضفى عليه هذه السمة، وأنه محكومة بقوة هذا
المركز ومغذياته الجهوية، وإنما لأنه في سياق التحدي الإرهابي الداعشي راهناً، وفي
حيثيات زمانية ومكانية، بعد المزيد من الضحايا، على خلفية من مأساة شنكال، وحرب
المجابهة دائرة حتى الآن، في هذا السياق، برز الإقليم تلك القوة الكامنة، بكل
دلالاتها المادية والمعنوية، مع تجاوز القوى المسيطِرة” في المركز ”
وحتى القوى الحدودية تلك لا تكف عن متابعة كل شاردة وواردة فيه، تحسباً لما هو مستجد
يتهدد أمنها شديد الحساسية والارتباط بالقضية الكردية طبعاً ” لنا أن نمعن
النظر في زيارة وزير الخارجية الإيرانية لأربيل في 28 آب 2014، والاستعداد لدعم
البيشمركة بالسلاح، تأكيداً على هذه الانعطافة “، وبرز أيضاً بالصورة
المرتقبة، أن يمد بقوته، ويلقى دعماً من هنا وهناك بصورة غير مسبوقة، وكل ذلك
يضعنا في مواجهة توضعات القوى العالمية، وكيفية تفاعلها، وما يمكن لقوة مهمَّشة أن
تسمى باسمها ومرجعيتها الاثنية، وحتى إمكان تعيين حدود لها تتميز بطابع من
الاستقلالية قليلاً أو كثيراً، ومن ثم
يمكن في المحصّلة ، أي في ضوء الجاري على الأرض، أن يمد في خياله ويلامس ما كان ما
كان في حُكْم المستحيل وقد أصبح واقعاً .