تعويضات أجانب محافظة الحسكة

  بقلم المحامية نالين عبدو

حتى أمدٍ قريب كان الساسة والناشطون الكرد الحقوقيون والإعلاميون يناشدون المنظمات الحقوقية والانسانية،  ويلتمسون من النظام السوري منح أجانب محافظة الحسكة الجنسية السورية وقد تمت الاستجابة لهذا المطلب  بعد معاناة دامت أكثر من خمسين عاماً،  ربما من المبالغة تصنيفها ضمن الجرائم ضد الانسانية، لكنها بالتأكيد ترقى لدرجة التعسف في استعمال السلطة .

التعريف بالأجانب
في القانون السوري :الأجنبي هوكل من لا يحمل الجنسية السورية ويحمل جنسية إحدى الدول الأخرى، وبوجوده على الأرض السورية تنطبق عليه أحكام خاصة، وفق أنظمة المعاملة بالمثل، أو وفق ما جاء في القانون الدولي الخاص في سوريا.
في الواقع السوري: إضافة للأجانب المذكورين في الفقرة السابقة وحتى أواسط  عام 2011 كان ثمة فئة من الكرد مقيمون في شمال شرق سوريا ، ومنتمون بأصلهم لها ينعتون بالأجانب ،حيث حرموا من الجنسية السورية بالمرسوم رقم   93 تاريخ23 -8- 1962الذي قضى بإجراء احصاء استثنائي جائر بدء بتاريخ 5-10-1962,وباستثناء بعض اللوائح والقرارات المرسخة لوضعهم اللاإنساني لم يكن لهؤلاء الأجانب سوى البطاقة الحمراء، التي كانت فقط تدلل على مدى التجريد المدني المحاق بهم     

معاناة أجانب محافظة الحسكة
لعب المرسوم الجائر رقم 93 دوراً كبيراً في تمزيق أوصال مئات الأسر الكردية بعدان افتقرت   أبسط سبل العيش الكريم
 فيما يلي بعض من أشكال تلك المعاناة:  
1- الحرمان من التملك و الاستئجار بشكل قانوني، سواء عقارات أو منقولات(بيت-محل-هاتف-رصيد مصرفي…)
2- تسيب عدد كبير من أبناء الأجانب من المدارس والجامعات، بسبب يأسهم من امكانية حصولهم على فرص  العمل في السلك  الحكومي، أو الحصول على رخصة ممارسة لمهنة علمية حرة.  
3- حرمان الأجانب  من السفر مهما كان سبب السفر خارج القطر ملحاً،  حيث كانوا  يمنعون  من الحصول على جوازات سفر،وكان ذلك يعني حكما ًحرمانهم  من الحصول على عقود عمالة في دول الخليج أو لبنان ، حيث توافر العمل وبأجور مغرية, مما كان سيحسن من أوضاع أسرهم من حيث المستوى المادي.
4- حصول هجرة واسعة بين أجانب الحسكة نحو دول الشمال الأوروبي  لتحسين أوضاعهم المادية، و للحصول على هوية تكسبهم  بعض الحقوق ،وتعترف بوجودهم الانساني والمدني، و إن كانت تلك الهجرة مخرجاً  للكثير من المعضلات الحياتية، إلا أنها في الوقت عينه كانت مفتاحاً لمعضلات أخرى.   
5- سلوك دروب خطرة للهجرة غير الشرعية نحو الدول المانحة لحق اللجوء الانساني، كركوب قوارب صيد غير مؤهلة لاجتياز مسافة كبيرة في البحار، مما أدى لغرق العشرات في حوادث متفرقة، كماتعرض آخرون لعمليات نصب واحتيال من قبل السماسرة والمهربين ، واستعمال جوازات السفر المزورة لغرض الهجرة كان أمراً مألوفاً بين الأجانب السوريين .  
6- معاملات تثبيت النسب في النفوس (دوائر أحوال مدنية )كانت تستغرق وقتاً طويلاً لا يقل عن عام, واجراءات بالغة التعقيد، حيث كانت المعاملات ترسل للوزارة في دمشق, وتدرس من قبل الفروع الامنية ،وفي آخر المطاف لا يحصل صاحبها إلا على البطاقة الحمراء.
7- الحرمان من حق الترشح والانتخاب بدءاً من المجالس البلدية وانتهاءاً بمراكز صنع القرار.

استحقاق أجانب محافظة الحسكة للتعويض 
 -الإثبات القانوني :بالإمكان استشفاء مدى الضرر الذي لحق بالأجانب السوريين وضرورة التعويض عنه من خلال نصوص عديدة  في  المنظومة القانونية السورية أهمها :
1-المادة 164 من القانون المدني السوري تنص على أن  كل من أرتكب ضرراً  يلزم من أرتكبه بالتعويض ..وهنا ألا يمكن اعتبار معاناة أجانب محافظة الحسكة من قبيل الضرر الواجب التعويض عن آثاره، فالحرمان من الجنسية  لم يقتصر على حالات فردية، ولدواعي منطقية، بل شمل أكثر من مائة ألف أسرة، ومع الولادات الطبيعية وصل العدد من 120  ألف مواطن كردي إلى نحو ربع مليون كردي محروم من الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية ،ولم يكن للإحصاء المذكور من مبررات سوى أنه كان جزءاًمن مشروع الحزام العربي  حول الجزيرة السورية، حيث عقب ذلك تعريب أسماء البلدات والقرى الكردية, وتم اسكان العرب من محافظات أخرى في قرى كردية، كمحاولة لتغيير ديموغرافية المنطقة .
2-المادة 3 من المرسوم رقم 267 لعام 1969 الخاص بتنظيم شؤون الجنسية السورية  تقضي  بأن الجنسية تمنح بوجود حق الدم لجهة الأب بصفة أساسية، واكتساب الجنسية يكون حينها أصلياً، وفي واقع الحال هذا الشرط متوافر في أجانب مجافظة الحسكة، حيث وجدت لهم أرقام ومحلات  قيود( خانات ) في سجلات دوائر الأحوال المدنية في سائر محافظة الحسكة و كانت تدل على أن آبائهم وأجدادهم كانوا سوريين قبل قيام الاحصاء, وهذا ما يعني بما لا شك فيه مدى الإجحاف والنكول بحق فئة من السوريين لأسباب وتقديرات جزافية اعتباطية .
   3- مما ورد في الفقرتان ب وج من المادة 3من المرسوم 267 لعام  1969  امكانية حصول فئات معينة على الجنسية السورية كما لوكان أحدهم من مجهولي الجنسية ،أو لا جنسية له فتمنح له الجنسية السورية بشرط أن يكون مولود اً في سوريا ومقيماً على أرضها, أي أن منح الجنسية في  هذه الحالة يكون بموجب حق الإقليم, وهو ما يطبق في العديد من دول العالم، بحيث تمنح الجنسية لكل من يولد على أرض تلك الدولة ،حتى لو كان يملك جنسية دولة  أخرى, فكان الأجدر بالنظام السوري منح الجنسية لأجانب محافظة الحسكة لتوافر شرو ط منح الجنسية لحق الإقليم فيهم, وهي عدم حملهم جنسية دولة أخرى, و تولدهم وإقامتهم على الأرض السورية ، لعل ذلك دلالة أخرى واضحة على خرق وزارة الداخلية لقدسية التشريعات والقوانين الوطنية، وضربها عرض الحائط…
-4-المادة 8 من قانون مجلس الدولة السوري رقم 55 لعام 1959تقول :يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء اداري دون غيره بالفصل في المسائل الآتية ويكون له فيها ولاية القضاء كاملة (الغاء وتعويض )
وكانت احدى تلك المسائل دعاوى الجنسية التي ذكرت في البند التاسع، واشترط لقبول الطعن فيهاأن يكون مرجع الطعن مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو اساءة استعمال السلطة ،وجميع هذه الشروط كانت  متوافرة ليطعن الأجانب السوريين بالمرسوم رقم 93 لعام 1962،لكنهم كانوا يمتنعون عن ذلك لأن المرسوم كان لغايات سياسية أمنية أبرزها كسر هيبة الكرد، ولأن القوانين تبقى صورية في سوريا أو على الأقل تكيل بمكيالين ، وليس بمقدورها الغاء مرسوم حتى لو كان مجحفاً ولا يستند لروح القانون والدستور .
-وهكذا كان هناك  أكثر من استحقاق ينال على ضوئه هؤلاء الأجانب السوريون حق المواطنة السورية, مع كل  ما تنطوي عليه من الزامات والتزامات، ومع ذلك شمع حقهم هذا بالأحمر، وعانوا الكثير بسبب ذلك مما يستدعي تعويضهم عن تلك المعاناة، لا سيما وقد اعترفت السلطات السورية بهويتهم السورية حديثاً  ، واعادت الجنسية لهم ،ومن  المعلوم أن المادة 9 من قانون مجلس الدولة السوري رقم 55 لعام 1959 تنص على أنه يفصل مجلس الدولة بهيئة قضاء اداري دون غيره في طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في المادة 8 من القانون نفسه اذا رفعت إليه بصفة أصلية أو تبعية .

الإثبات الحقوقي
-في الشرعة الأممية ورد في الاعلان العالمي لحقوق الانسان مايدل على وجوب تمتع أي انسان بجملة من الحقوق لا تستقيم الحياة البشرية دونها وفي الحقيقة أغلب هذه الحقوق سلبت من الأجانب السوريين وفق المرسوم رقم 93 لعام 1962
-ففي المادة 1 من الإعلان المذكور تم التأكيد  على إنه يولد جميع الناس أحرار ومتساوين في الكرامة والحقوق, وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء
-ونصت المادة 15 من الاعلان نفسه على إنه لكل فرد حق التمتع بجنسية ما،ولا يجوز تعسفاً حرمان أي شخص من جنسيته، ولا من حقه في تغيير جنسيته 
 -وفي المادة 17 لكل فرد حق التملك ..
  -حرمان أكثر من مائة  ألف أسرة كردية من جنسية الدولة التي تنتمي لها خرق واضح إذاً للأعراف الانسانية من قبل النظام السوري الذي لم يرأف طيلة خمسين عاماً بهذه الفئة المغبونة من الكرد ،ولم يمنحهم على الأقل الحقوق التي يتمتع بها البدون في الكويت وهم فئة معدومي الجنسية، منحتهم الحاكمية الكويتية حقوق كثيرة من أهمها قبول تطوعهم في سلك الأمن والشرطة  .
-إن الإعفاء من التجنيد عام 2011  لكل من كان متمماً الثامنة عشرة من عمره بتاريخ صدور مرسوم التجنيس  أمر منطقي, لا يرقى إلى حد اعتباره تعويضاً لآلاف الأسر التي عانت العوز والشتات وضنك العيش، وينبغي المطالبة بمنح كل أسرة متضررة  قطعة أرض أو مبلغ مالي أو تسهيل شروط قبول المتعلمين منهم كموظفين في القطاعات العامة    .
-أخيراًإذا كان استحقاق التعويض حقاً مشروعاً، ففي أي بند من جداول أعمال المسؤولين الكرد ستدرج مسألة المطالبة بتعويض الأجانب السوريين، وأين موقعها على خارطة العدالة الانتقالية، هل ستحجب لصالح استحقاقات كردية أكثر أولوية؟!.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…