..
لقد استمرت المفاوضات لاستلام جثة الشهيد منذ الساعة 12 من ظهيرة يوم الجمعة 21/ آذار حتى الواحدة من صباح اليوم التالي ، وكان المتفاوضون يمثلون حزبي ، الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) بقيادة الرفيق عبد الرحيم وانلي (أبو نوزاد) وحزب الاتحاد الشعبي الكردي بقيادة ربحان رمضان (أبو جنكو) ولم نستلم الجثة حتى الواحدة صباحاً وقد اقترحت أن ينضم للمشيعين رفاق البارتي اليساري ، وبالفعل طلبنا من رئيس مخفر ركن الدين الذي كان يومها أحد المفاوضين إضافة إلى ضباط كبار برتبة عميد وعقيد أن يوعز لسائق سيارته باسياقة نحو بيوت الرفاق من الحزب اليساري في موقف الكيكية – بعد جامع النصر.
وانتقلنا إلى مشفى المواساة حيث كان يرقد الشهيد سليمان واستلمنا جثته ، بساعتها طلب منّا الضابط الذي أرسله الضباط ليرافق جنازة الشهيد ثمن التابوت فرفضنا وقلت لهم بالحرف الواحد : لن ندفع لكم ، أنتم قتلتوه وتطلبون منا ثمن تابوت..
هذا معيب.
وقد استلمت من ضباط الشرطة المسؤولين يومها إخراج قيد الشهيد ومسجل فيها أنه من مواليد قرية المربعات ، وعليه الصورة المرفقة مع المقال.
في نوروز وعقب استشهاد سليمان أرسل الرفيق أبو نوزاد مرسولاً باسم الحزبين الحليفين (البارتي والاتحاد الشعبي ) ليخبر كلاً من المرحوم الأستاذ كمال أحمد والأستاذ عصمت سيد ، والرفيق حسن صالح ، وحاولنا وبكل جهودنا أن نتصل بالقامشلي فلم نستطيع التقاط خط القامشلي ، لذلك أرسلنا المرسول ، وعندما انطلقنا من دمشق نحو القامشلي سافرنا عن طريق دمشق حمص تدمر القامشلي ، وليس دمشق حلب القامشلي كما أفاد الأخ فرهاد، وأيضا وخلال سفرنا حاولنا في محطات الاستراحة أن نتصل بالقامشلي أو الحسكة فلم نستطع لأن السلطات قطعت خط الهاتف بين دمشق والجزيرة.
في اليوم التالي ولدى وصولنا مدينة الحسكة طلبنا أنا والرفيق أبو نوزاد من الضابط المرافق للجنازة أن نأكل فراريج ، ولدى دخولنا المطعم انسلينا (أبو نوزاد وأنا) وخرجنا إلى السوق حيث قابلنا أحد رفاق حزب الاتحاد الشعبي (الرفيق أبو شاهين) وطلبنا منه تأمين رسول يسافر وعلى وجه السرعة إلى القامشلي ليخبر الرفاق في قيادة الثلاثة أحزاب بأن شهيداً قتله أحد أفراد الحرس الجمهوري أثناء انتفاضة نوروز ، وذلك تمهيداً لإجراء التشييع المناسب لشهيد نوروز العظيم ، وذهبنا (أبو نوزاد وأنا) إلى مطعم مجاور وقضينا ساعة ونصف من الوقت هي مدة وصول الرسول من الحسكة إلى القامشلي ، ثم عدنا إلى الوفد المرافق للشهيد ، وفي هذه الفترة لم يستطع الضابط التحكم بنفسه فذهب ليشتكينا لمحافظ الحسكة الذي طلبنا ، فدخل عليه أبو آزاد واعتذر عن التأخير ، ولما سأله المحافظ عن سبب المظاهرة قال له أبو آزاد : في ظل الكبت والقهر الذي يعانيه الشعب السوري عموماً والشعب الكردي خصوصا كان من الأحرى عليكم أن تتركونا نقضي العيد بسلام ، يالله حتى الرقص والغناء أصبح ممنوعاً قي بلدنا..
ومن ثم انتقلنا إلى القامشلي ، وعند نهاية مدينة الحسكة دهش الضابط من جموع السيارات التي كانت تنظرنا لمرافقة الشهيد ، ولما سألنا أجبته أن هؤلاء أهل الشهيد..
فتساءل قائلاً : هؤلاء كلهم أهل الشهيد ، أجبته نحن عشائر وكلنا نعتبر أهل الشهيد.
ثم قال الأخ فرهاد أنهم صلوا عليه في الجامع ، وهذا كلام مغلوط لأن الشهيد لم يغسل ، ولم يكفن،..
وأذكر تماماً بأني قلت للرفيق (سعود) وكان خلالها عضواً في اللجنة المركزية لرفاق البارتي بأن سليمان هو شهيد ولن يغسل أو يكفن ، وفعلا فعلنا ذلك .
وبعد دفن الشهيد عاد الناس إلى القامشلي ، وكانت قوات الأمن تستفرد بمن يمشي وحيداً دون جماعة وتقبض عليه حتى أنه اعتقل العشرات في تلك الليلة ، ثم أفرج عنهم في اليوم التالي .
وفي الصباح التالي كانت إذاعة مدرسة الطلائع قرب حي قدور بك في القامشلي تنشد الأناشيد الثورية عن الشهيد وأذكر منها أغنية قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش (بالأحمر كفناه..) ..
بعد عودتي إلى دمشق دعى الرفيق حسن صالح إلى إجتماع استثنائي للجنة المركزية فعدت وحضرت الاجتماع وخلاله عرض الرفيق حسن ماحدث معه بعد الدفن بيوم واحد حيث أستدعي إلى فرع الأمن العسكري في مدينة القامشلي وهناك دخل معه كل من الأستاذ كمال أحمد والمرحوم عصمت فتح الله ، وصرح الرفيق حسن للجنة المركزية بأن المرحوم عصمت قدم نفسه لمنصورة بأنه أمين عام البارتي اليساري ، وقدم الأستاذ كمال على أنه أمين عام البارتي ، وقدم الأستاذ حسن على أنه عضو لجنة مركزية في حزب الاتحاد الشعبي الكردي ، وأردف الأستاذ حسن قائلاًً بأن السيد منصورة طلب منهم عدم إجراء مظاهرة في القامشلي كما جرى في دمشق.
ولدى عودتي إلى دمشق استدعيت أيضاً إلى فرع مخابرات المنطقة (المخابرات العسكرية) ، وبعد مداولات مع ممثلي الحزبين الحليفين (البارتي والبارتي اليساري ) أشار الجميع ومنهم المرحوم عصمت فتح الله الذي أكد ماقاله الأستاذ حسن ، وطمئنني (أمام الحضور الذين اجتمعوا يومها في بيتي) بأنه لاشئ يخيف ، طلبوني أيضا مع رفيقكم حسن والرفيق أبو خالد فذهبنا إلى فرع المخابرات العسكرية ، والتقانا العقيد محمد منصورة فشربنا عنده شاي وخرجنا بعد نصف ساعة ، إذهب ولا تخف.
وكذلك أشار الآخرون ، فأوصلني في اليوم التالي أحد رفاق الحزب بسيارته إلى باب الفرع ، فاعتقلوني لمدة سنتين .
** الصورة من ارشيف ربحان رمضان .