كل الأنظار باتجاه أربيل

توفيق عبد المجيد

قطعاً لم تكن أحداث الموصل في حيزيها الزماني والمكاني وليدة وقتها وساعتها وهي تعبر عن نفسها بهذا الشكل الانفجاري ، وتبرز على سطح المشهد العراقي بهذه القوة الحجمية لتعصف بكل المعادلات الموجودة على الأرض العراقية ، وتفرض نفسها كرقم جديد على الأرض من الصعب القفز فوقه أو تجاهله بأنصاف الحلول ، أو بحلول تخديرية وقتية ترقيعية سرعان ما يثبت الواقع على الأرض عدم صلاحيتها لمستحد فرض نفسه بقوة ، ومن المستحيل تجاوزه بهكذا معالجات ، ومن ثم  لتصبح حديث الساعة ، ومحور الاهتمامات المحلية والإقليمية والدولية لولا إرهاصات سبقتها ومهدت لها بدءاً بأحداث الفلوجة ، مروراً بالأنبار والرمادي ، وصولاُ إلى نينوى والموصل ، ثم صلاح الدين وديالى ، والقوات العسكرية النظامية تستسلم لها وتتقهقر أمامها ، وتنهار في وقت قصير صار موضع تساؤل ، وربما شك لدى الكثيرين من المتتبعين للشأن العراقي والمهتمين به والمتضررين من تداعياته.
وباستعراض للوضع قبل هذا الحدث العاصف واسترجاع للممهدات والأسباب التي أنتجت هذا الواقع الذي صار ينذر بالخطر ، ويطرح سيناريوهات عدة ، وفي تجاهل تام للمالكي للمطالب المشروعة لأبناء تلك المناطق المهمشة المغبونة منذ مدة طويلة ، دق جرس الإنذار في العراق وما يجاوره ، ووصل صداه متجاوزاً الحدود ليبلغ أمريكا ، ويفرض من جديد نفسه على الاهتمامات هناك ، ويكون الحدث الأكثر سخونة لدى البيت الأبيض والدوائر الأمريكية الأخرى المهتمة بالشأن العراقي والخارجي .
وبردة فعل عنيفة هي الأخرى لا تخلو من الارتجالية واتخاذ المواقف بعيداُ عن المعالجات الموضوعية ، كما لا تخلو من التأجيج والتهييج والتحريض الطائفي ، انبرى قادة النظام العراقي للتصدي لهذه الحالة وإلباسها ثوب الإرهاب وشيطنتها ، ولم تقف حتى المرجعيات الدينية موقف الحياد فكانت الدعوات للتصدي لهذه الموجة العاصفة والفتاوى العديدة التي عدلت فيما بعد عندما أدرك اصحابها أنهم تسرعوا ، فخلع أحد الوجوه البارزة بزة عسكرية وجدها لا تناسب مقامه ومرجعيته ، ثم اتخذت تلك التصريحات منحى آخر جنح نحو التهدئة والحلول العقلانية .
ولم يطل سكوت الثوار كثيراً أمام تلك التصريحات المشوهة برأيهم للحقيقية فانبرى المتحدث باسم القيادة العامة لثوار العراق اللواء الركن مزهر القيسي ليبين بكل صراحة ووضوح أن الهدف من هذه الثورة هو ( إسقاط النظام العراقي مع جيشه وميليشياته ، ورفع الظلم عن الشعب العراقي ) رداً على سياسة المالكي الإقصائية التهميشية الاستفرادية التي صارت واضحة المعالم لكل متتبع لهذا الشأن ، فلقيت هذه التصريحات حاضنة شعبية رحبت بها ، كما طفت على السطح تصريحات كثيرة لا مسؤولة كالتصريح الذي أدلى به السيد قيس الخزاعي زعيم عصائب أهل الحق ، واصفاً هذا الحراك وهذه الانتفاضة بأنها “مؤامرة بعثية برزانية ” في هجوم لا يخلو من خلفية عنصرية قوموية على شخص الرئيس مسعود البرزاني ، محملاً القيادة الكوردستانية مسؤولية الحفاظ على السكان في المناطق التي خضعت مجدداً للكرد من الشبك والعرب والتركمان ، مهدداً المصالح الاقتصادية الكردية في تلك المناطق وبصريح العبارة ( البرزاني وبعثيون ومسلحو الدولة الإسلامية يقفون وراء ” مؤامرة الموصل ” ) وهو صاحب مقعد واحد فقط في البرلمان العراقي المنتظر .
لم تقف القيادة الكردستانية موقف المتفرج من هذا الحدث فسارعت قوات البيشمركة إلى بسط سيطرتها على المناطق التي انسحب منها جيش النظام لكي لا يجتاحها من أطلق عليهم إعلام النظام ” مسلحو الدولة الإسلامية ” لحماية السكان ، وتلك المناطق كانت بالأصل أرضاً كوردستانية سميت في عرف النظام بالمناطق المتنازع عليها ، وأطلق عليها فيما بعد تسمية ” المناطق الكردستانية خارج الإقليم ” وفي المحصلة لم تجر الرياح بما تشتهي سفينة المالكي وهو يطالب بتدخل أمريكي لصالحه ، فكان السيد باراك أوباما واضحاً عندما قال : ( الولايات المتحدة لن تحارب مع فئة ضد أخرى ، وليس من مهامنا اختيار من يحكم العراقيين ، وعلى القادة العراقيين  أن يترفعوا على خلافاتهم ويحققوا التوافق الوطني ) وكانت دعوة باريس في نفس المنحى ( حل سياسي وحوار يفضي إلى حكومة وحدة وطنية ) هنا بدأ الكثيرون يعيدون حساباتهم ويراجعون تصريحاتهم ويعدلونها بما ينسجم مع المواقف الدولية المستجدة ويتأكد لديهم مرة أخرى أن الحلول الارتجالية والمعالجات العنفية لا تجدي نفعاً وعليهم البحث وبجدية عما يتناسب مع وضع العراق المتعدد القوميات والطوائف .
آمل من القيادة الكردستانية أن تكون السباقة كما عهدناها دوماً إلى الدعوة إلى مؤتمر للحوار الوطني يعقد في أربيل للوصول إلى حل يرضي الجميع ، والأنظار موجهة للسيد الرئيس مسعود البرزاني المعروف بحكمته وحنكته السياسة ودبلوماسته الهادئة وهو القائل : ( سندافع عن كوردستان وعن كل العراق إذا لزم الأمر ) .
استنبول 21/6/2014

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…