جان كورد
بعد دخول القوات الأمريكية في عام 2003 إلى بغداد وهزيمة جيوش الطاغية صدام حسين، القائد الأعلى لكل القوات العراقية، و”حامي البوابة الشرقية” للأمة العربية، الذي هرب من ساحات القتال، ليختفي في جحر ضب، بعد أن نزع عن جسمه بدلته العسكرية المحبوبة التي زينها بأعلى الرتب والأوسمة الحربية، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج دبليو بوش، انتهاء العمليات العسكرية لقوات بلاده في العراق، والبدء ببناء عراقٍ ديمقراطي جديد، وزوال النظام الدكتاتوري المقيت…
ولكن حتى الآن لم تنته الحرب في العراق فعلياً، وإن اتخذت أشكالاً أخرى، وتؤجج بأساليبَ وأدواتٍ مختلفة، ومن قبل جهاتٍ عديدة أيضاً، ولم يُبنى العراق الديموقراطي الجديد، كما أن عقيدة الدكتاتورية لاتزال تعشعش في صدور الكثيرين والمتحسرين على أيام حكم صدام حسين، على الرغم من أنه أُعدِمَ بسبب جرائمه ضد الإنسانية، ونخرت الديدان عظامه، ليدخل التاريخ من أبوابه السوداء مثل فراعنة مصر ونيرون وهتلر وبول بوت وميلو زوفيتش وسائر المجرمين الكبار.
بعد دخول القوات الأمريكية في عام 2003 إلى بغداد وهزيمة جيوش الطاغية صدام حسين، القائد الأعلى لكل القوات العراقية، و”حامي البوابة الشرقية” للأمة العربية، الذي هرب من ساحات القتال، ليختفي في جحر ضب، بعد أن نزع عن جسمه بدلته العسكرية المحبوبة التي زينها بأعلى الرتب والأوسمة الحربية، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج دبليو بوش، انتهاء العمليات العسكرية لقوات بلاده في العراق، والبدء ببناء عراقٍ ديمقراطي جديد، وزوال النظام الدكتاتوري المقيت…
ولكن حتى الآن لم تنته الحرب في العراق فعلياً، وإن اتخذت أشكالاً أخرى، وتؤجج بأساليبَ وأدواتٍ مختلفة، ومن قبل جهاتٍ عديدة أيضاً، ولم يُبنى العراق الديموقراطي الجديد، كما أن عقيدة الدكتاتورية لاتزال تعشعش في صدور الكثيرين والمتحسرين على أيام حكم صدام حسين، على الرغم من أنه أُعدِمَ بسبب جرائمه ضد الإنسانية، ونخرت الديدان عظامه، ليدخل التاريخ من أبوابه السوداء مثل فراعنة مصر ونيرون وهتلر وبول بوت وميلو زوفيتش وسائر المجرمين الكبار.
بعد اندلاع الثورة السورية في البلد المجاور للعراق الذي له مع سوريا تفاعلات وتداخلات ديموغرافية وطائفية وعشائرية، عبر حدودٍ مشتركة لمئات الكيلومترات، أقدم الرئيس السوري بشار الأسد على إطلاق سراح إرهابيين معتقلين لديه، وسمح لهم بالحصول على مختلف أنواع السلاح، والظهور بمظاهر “إسلامية!” ورايات “إسلامية” يهددون ويتوعدون البشر ويحزون رؤوس معارضيهم، ليستخدمهم كورقة لعب لإيهام العالم بأسره أنه لا يواجه ثورة شعبه كما حدث في بلدانٍ شرق أوسطية أخرى من قبل، وإنما يواجه “إرهاباً إسلامياً” يشكّل خطراً على المصالح الدولية. هذه الحيلة انطلت على غالبية الرأي العام العالمي، إلا أن مثل هذه المنظمات المتطرفة التي هي من صنع النظام ومن وراءه من قوى إقليمية ودولية، قد تحولت إلى مغناطيس جاذبٍ للشباب المسلم من كل مكانٍ في العالم، وسرعان ما انتشرت هذه المنظمات وبأعدادٍ ضخمة من تابعيها في شتى أنحاء البلاد السورية، وكان هدفها الأساسي ليس نظام العائلة الاسدية المستبدة منذ عقودٍ طويلة بالشعب السوري وتمارس مختلف صنوف الإرهاب والتعذيب والتقتيل والتدمير بحق المواطنين، وإنما ضد القوى الديموقراطية والوطنية السورية العاملة على اسقاط هذا النظام وإقامة دولةٍ سوريةٍ ديموقراطية حديثة تتوافر مقومات العيش الكريم لكل مكونات الشعب السوري، بغض النظر عن الجنس واللغة والدين والمذهب، وكان الجيش السوري الحر في مقدمة من هاجمتهم هذه المنظمات التي انبعثت كالفطر في أرض سوريا ولم تخفي ولاءها لتنظيم “القاعدة” المصنف ك”عدو رقم 1″ للولايات المتحدة الأمريكية. وإذا بالتأييد الدولي للثورة السورية يخف ويتحول الصراع في سوريا من ثورة شعبية إلى صراعٍ بين الميليشيات المتحاربة، وهذا كان من أهداف النظام الأسدي الذي لم يكن يملك سلاحاً إلا واستخدمه ضد شعبه سوى السلاح النووي.
قبل اندلاع الثورة السورية السلمية اتهمت الحكومة العراقية نظام الأسد بأنه وراء إرهاب التنظيمات الإسلامية المتطرفة في العراق، وتم تكرار الاتهام على مستويات حكومية عليا في وسائل الإعلام، وبعد ذلك توقفت الحكومة العراقية عن اتهاماتها، وفتحت الأبواب للمنظمات الطائفية الشيعية بالدخول من العراق إلى سوريا لدعم سياسة تقتيل الشعب السوري على أيادي من استغل الطائفية ودعم الإرهابيين وأودى بسوريا إلى الدمار. وباشر المالكي بإظهار التأييد التام للنظام الأسدي، في الوقت الذي تعاظمت معارضة المكون السني والمكون الكوردي وقطاعات واسعة من المكون الشيعي لأسلوبه في الإدارة، بل إن الأمريكان “الحلفاء” قد وجهوا لحكم المالكي انتقادات كثيرة، إلا أنه لم يتمكن من فهم خطورة المسار الذي ينتهجه في العراق. وشرع يتهم الدول العربية بالتآمر على العراق وشعبه، ويبدو أنه فقد كل أملٍ في استعادة هيبة الدولة التي تحولت إلى قلعة إيرانية بكل معنى الكلمة، وصار هومجرّد موظفٍ لدى الاستخبارات الإيرانية وعبداً مطيعاً لملالي قم، تماماً مثل بشار الأسد السوري.
أراد المالكي أن يمارس في وجه منتقديه العراقيين والاقليميين والدوليين ذات اللعبة القذرة التي مارسها نظام الأسد بإفساح المجال قليلاً للمنظمات الإسلامية المتطرفة ولبقايا البعثيين والصوفيين أن يتحركوا في غرب البلاد في هذه المرحلة، ليعلن أنه يحارب الإرهابيين كما هي الحال في سوريا الأسد!!! إلا أنه لم يتوقّع أن تكون حركة “دولة الإسلام في العراق وبلاد الشام – داعش” قوية للدرجة التي تستطيع القيام بغزوٍ شامل وسريع بقواتٍ قتالية ضئيلة لتفرض نفسها على مساحاتٍ شاسعة من العراق، ولتثير الفزع في قلوب كل شيعة العراق وما حولها، ولتتمكن من مد سلطانها إلى البوابات الشمالية من عاصمة البلاد بغداد. ولتساهم بقوة في تعميق الشرخ الطائفي في المنطقة برمتها.
هروب الجيش العراقي المدرّب جيداً والمتزوّد بمختلف صنوف الأسلحة من الموصل، وبالتالي انسحابه من أمام بضعة آلافٍ من مقاتلي (داعش) أمر يثير جدالاً واسعاً في الأوساط العسكرية ويلقي بظلال الشك على السياسة التي انتهجها المالكي في التعامل مع هذا الحدث الكبير، الذي يهدد مصيره السياسي بالزوال، ولذلك يتهمه البعض بأنه كان وراء جلب الإرهابيين لاستخدامهم كورقة لعب مثلما فعل الأسد، وعليه يجب قبول سطوته على مقاليد الحكم وتصفيته لمعارضيه واستمراره في نهجه المستفرد الطائفي بالسلطة واقصائه لمن يعتبرهم وراء كل الأحداث الدموية في العراق… بمعنى أنه كان بحاجة لهؤلاء الإرهابيين لتمرير سياسات التسلط رغم دعوة حلفائه وشركائه وأصدقائه له بعدم المضي على طريقه الوعر لأن هذا سيخلق رد فعلٍ شعبي كبير، وهذا ما حدث فعلاً في المناطق السنية في العراق، وأجبر الكورد أيضاً على التصرّف حسب ما تقتضي مهام الدفاع عن أنفسهم، وذلك بملء الفراغ الذي أحدثه انسحاب الجيش العراقي من سائر المناطق التي يعتبرها الكورد جزءاً من أرض كوردستان، وكانوا في مشادة طويلة الأمد بسببها مع حكومة المالكي…
وما نراه الآن لا ينذر بكارثة عراقية كبيرة فقط، وإنما يفتح الباب لتدخلات إقليمية عسكرية، كما تفعل إيران حالياً، ولربما تتحرّك تركيا لفرض سيطرتها على منطقة الموصل، ولربما تضطر الولايات المتحدة إلى التدخل بشكلٍ أو بآخر في أتون الحرب العراقية، وهي تجد نفسها الآن في مأزق بسبب ما يجري على الساحتين السورية والعراقية، وما قد ينجم عن تردد الإدارة الأمريكية قبل الآن حيال سوريا من نتائج وخيمة، في مقدمتها اتساع رقعة مساحات سيطرة الجماعات الإسلامية المسلحة والمتطرفة من خارطة المنطقة، وتنامي النفوذ الإيراني الذي له طموح استراتيجي وعقيدي عريق، في الوقت الذي دخل “مشروع الشرق الأوسط الكبير” في تابوت خانق، من جراء أخطاء إدارة أوباما وإصراره على البقاء على النفوذ الأمريكي في المنطقة دون تقديم أي تضحية ملائمة لطموحها تجاه مطالب شعوب المنطقة.
إن ما قاله ويقوله أوباما بصدد دعم المعارضة السورية ببعض أنواع السلاح وبصدد دعم جهود العراقيين للتوصل إلى حل سياسي لأزمتهم الخانقة الآن ليس كافياً لإحلال السلام والأمن والاستقرار في المنطقة ولتخفيف وطأة التطورات الكبيرة للأوساط الإرهابية بعد ما جرى منذ أيامٍ قلائل في غرب العراق ووسطه، ومن بل في شرق سوريا أيضاً.
وحيث أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تفكر باستمرار إلا في مصالحها القومية، فإن ما يجري الآن في سوريا والعراق سيضر بها أكثر مما سينفع…
ومن الأفضل لشعوب المنطقة أن تبحث عن حلولٍ جادة في المنطقة ذاتها، من خلال الحوار والتفاعل والتقارب، وليس من خلال تأجيج النزعات الطائفية المتخلفة واتباع سياسات الاستبداد العقيمة من قبل الحكام، وهي سياسات لا تجلب سوى الويلات لشعوبها، كما أثبت الزمن.
قبل اندلاع الثورة السورية السلمية اتهمت الحكومة العراقية نظام الأسد بأنه وراء إرهاب التنظيمات الإسلامية المتطرفة في العراق، وتم تكرار الاتهام على مستويات حكومية عليا في وسائل الإعلام، وبعد ذلك توقفت الحكومة العراقية عن اتهاماتها، وفتحت الأبواب للمنظمات الطائفية الشيعية بالدخول من العراق إلى سوريا لدعم سياسة تقتيل الشعب السوري على أيادي من استغل الطائفية ودعم الإرهابيين وأودى بسوريا إلى الدمار. وباشر المالكي بإظهار التأييد التام للنظام الأسدي، في الوقت الذي تعاظمت معارضة المكون السني والمكون الكوردي وقطاعات واسعة من المكون الشيعي لأسلوبه في الإدارة، بل إن الأمريكان “الحلفاء” قد وجهوا لحكم المالكي انتقادات كثيرة، إلا أنه لم يتمكن من فهم خطورة المسار الذي ينتهجه في العراق. وشرع يتهم الدول العربية بالتآمر على العراق وشعبه، ويبدو أنه فقد كل أملٍ في استعادة هيبة الدولة التي تحولت إلى قلعة إيرانية بكل معنى الكلمة، وصار هومجرّد موظفٍ لدى الاستخبارات الإيرانية وعبداً مطيعاً لملالي قم، تماماً مثل بشار الأسد السوري.
أراد المالكي أن يمارس في وجه منتقديه العراقيين والاقليميين والدوليين ذات اللعبة القذرة التي مارسها نظام الأسد بإفساح المجال قليلاً للمنظمات الإسلامية المتطرفة ولبقايا البعثيين والصوفيين أن يتحركوا في غرب البلاد في هذه المرحلة، ليعلن أنه يحارب الإرهابيين كما هي الحال في سوريا الأسد!!! إلا أنه لم يتوقّع أن تكون حركة “دولة الإسلام في العراق وبلاد الشام – داعش” قوية للدرجة التي تستطيع القيام بغزوٍ شامل وسريع بقواتٍ قتالية ضئيلة لتفرض نفسها على مساحاتٍ شاسعة من العراق، ولتثير الفزع في قلوب كل شيعة العراق وما حولها، ولتتمكن من مد سلطانها إلى البوابات الشمالية من عاصمة البلاد بغداد. ولتساهم بقوة في تعميق الشرخ الطائفي في المنطقة برمتها.
هروب الجيش العراقي المدرّب جيداً والمتزوّد بمختلف صنوف الأسلحة من الموصل، وبالتالي انسحابه من أمام بضعة آلافٍ من مقاتلي (داعش) أمر يثير جدالاً واسعاً في الأوساط العسكرية ويلقي بظلال الشك على السياسة التي انتهجها المالكي في التعامل مع هذا الحدث الكبير، الذي يهدد مصيره السياسي بالزوال، ولذلك يتهمه البعض بأنه كان وراء جلب الإرهابيين لاستخدامهم كورقة لعب مثلما فعل الأسد، وعليه يجب قبول سطوته على مقاليد الحكم وتصفيته لمعارضيه واستمراره في نهجه المستفرد الطائفي بالسلطة واقصائه لمن يعتبرهم وراء كل الأحداث الدموية في العراق… بمعنى أنه كان بحاجة لهؤلاء الإرهابيين لتمرير سياسات التسلط رغم دعوة حلفائه وشركائه وأصدقائه له بعدم المضي على طريقه الوعر لأن هذا سيخلق رد فعلٍ شعبي كبير، وهذا ما حدث فعلاً في المناطق السنية في العراق، وأجبر الكورد أيضاً على التصرّف حسب ما تقتضي مهام الدفاع عن أنفسهم، وذلك بملء الفراغ الذي أحدثه انسحاب الجيش العراقي من سائر المناطق التي يعتبرها الكورد جزءاً من أرض كوردستان، وكانوا في مشادة طويلة الأمد بسببها مع حكومة المالكي…
وما نراه الآن لا ينذر بكارثة عراقية كبيرة فقط، وإنما يفتح الباب لتدخلات إقليمية عسكرية، كما تفعل إيران حالياً، ولربما تتحرّك تركيا لفرض سيطرتها على منطقة الموصل، ولربما تضطر الولايات المتحدة إلى التدخل بشكلٍ أو بآخر في أتون الحرب العراقية، وهي تجد نفسها الآن في مأزق بسبب ما يجري على الساحتين السورية والعراقية، وما قد ينجم عن تردد الإدارة الأمريكية قبل الآن حيال سوريا من نتائج وخيمة، في مقدمتها اتساع رقعة مساحات سيطرة الجماعات الإسلامية المسلحة والمتطرفة من خارطة المنطقة، وتنامي النفوذ الإيراني الذي له طموح استراتيجي وعقيدي عريق، في الوقت الذي دخل “مشروع الشرق الأوسط الكبير” في تابوت خانق، من جراء أخطاء إدارة أوباما وإصراره على البقاء على النفوذ الأمريكي في المنطقة دون تقديم أي تضحية ملائمة لطموحها تجاه مطالب شعوب المنطقة.
إن ما قاله ويقوله أوباما بصدد دعم المعارضة السورية ببعض أنواع السلاح وبصدد دعم جهود العراقيين للتوصل إلى حل سياسي لأزمتهم الخانقة الآن ليس كافياً لإحلال السلام والأمن والاستقرار في المنطقة ولتخفيف وطأة التطورات الكبيرة للأوساط الإرهابية بعد ما جرى منذ أيامٍ قلائل في غرب العراق ووسطه، ومن بل في شرق سوريا أيضاً.
وحيث أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تفكر باستمرار إلا في مصالحها القومية، فإن ما يجري الآن في سوريا والعراق سيضر بها أكثر مما سينفع…
ومن الأفضل لشعوب المنطقة أن تبحث عن حلولٍ جادة في المنطقة ذاتها، من خلال الحوار والتفاعل والتقارب، وليس من خلال تأجيج النزعات الطائفية المتخلفة واتباع سياسات الاستبداد العقيمة من قبل الحكام، وهي سياسات لا تجلب سوى الويلات لشعوبها، كما أثبت الزمن.
18 /6/2014