قبل يوم فقط من انطلاقة مؤتمر «جنيف – 2» خطفت قوى سياسية وعسكرية كردية في مقدمها حزب الاتحاد الديموقراطي، الأضواء بالإعلان الرسمي عن تأسيس الإدارة الذاتية الكردية في ثلاث مناطق من شمال وشمال شرقي سورية هي عفرين والقامشلي والمالكية التي تقطنها غالبية من الكرد، ليعمق هذا الإعلان الخلاف بين الأطياف الكردية ما بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة.
وعلى رغم أن حالات ابتهاج سادت بعض المناطق الكردية وتم خلالها إطلاق الرصاص الحي تعبيراً عن حال من الرضى لتشكيل الإدارة الذاتية، رأى طيف من الكرد في المولود السياسي الجديد طعنة نجلاء للحركة الوطنية الكردية ومشروعها الساعي للحصول على الحقوق المشروعة لأكراد سورية.
معارضو الإدارة الذاتية أكدوا أنها تندرج ضمن سياسات النظام للتفريق بين مكونات الشعب السوري، وحرف الكرد عن مسار الثورة، فيما يرى مؤيدو المشروع أنه حل موقت يضمن تسيير أمور السكان في المناطق الكردية، لا سيما الدفاع عن المدن والقرى الكردية ضد هجمات «داعش».
«الحياة» استطلعت آراء سياسيين أكراد مؤيدين لمشروع الإدارة الذاتية (ألدار خليل وبولات جان)، ومعارضين لهذا المشروع (صلاح بدر الدين ومحمد إسماعيل).
معارضو الإدارة الذاتية:
الكاتب والباحث السياسي الكردي صلاح بدر الدين أكد أن دعوة الإدارة الذاتية لا صلة لها بالمشروع القومي والوطني الكردي، ولا تحمل تطلعات كرد سورية وطموحاتهم، لأنها جاءت أصلاً جزءاً من استراتيجية النظام تجاه المكونات السورية في تجزئتها وبث الفرقة بين صفوفها وعزلها عن الثورة.
ولفت بدر الدين إلى أن مشروع الإدارة الذاتية لم يلقَ تجاوباً أو مشاركة من جميع الأحزاب الكردية الأخرى (17 حزباً)، كما لم يحظَ بأي اهتمام من جانب الحراك الشبابي الكردي الثوري، وهو الذي قاد التظاهرات الاحتجاجية في المناطق الكردية منذ اندلاع الانتفاضة، ولم يشترك في هذا المشروع المستقلون الكرد وهم غالبية الشعب، وكذلك منظمات المجتمع المدني، إلى جانب عدم مساهمة ممثلي العرب والمسيحيين. وأضاف: «أن الذين شاركوا فقط هم مجموعة من (شبيحة) عشيرة عربية، وهي تحارب الجيش الحر أيضاً».
وأشار بدر الدين إلى أن البديل عن هذه الإدارة في نظر غالبية الوطنيين الكرد «هو إيلاء الأولوية إلى إسقاط النظام، والانخراط الكامل بالثورة والتنسيق مع قواها وعدم القيام بأية خطوة انفرادية إلا بالتنسيق مع شركائنا في الوطن من العرب والمكونات الأخرى، والآن هم قوى الثورة وليس النظام».
وأكد الباحث الكردي أن مشروع الإدارة الذاتية يتعدى الفكرة الآنية التي يروج لها مناصرو المشروع، «لو كان الأمر كذلك لما احتاج إلى انفراد حزب واحد (حزب الاتحاد الديموقراطي)، وفرض ما يراه بقوة السلاح، ورفض الآخر المختلف سياسياً، ثم إن الجهة الواقفة وراء المشروع هي جماعات تابعة لحزب العمال الكردستاني التركي بمسميات مختلفة، جلبت من خارج سورية حوالى ثلاثة آلاف مسلح مدرب، وفرضت أمراً واقعاً جديداً على معظم المناطق الكردية عبر التسليم والاستلام بتعاون وثيق مع النظام الحاكم، وتدخل ورعاية من نظام إيران وفيلق القدس بقيادة الجنرال قاسم سليماني على أساس مدروس بعناية، وهو تطرف لا يختلف عن تطرف «داعش» و«النصرة» وتنظيمات دينية متطرفة أخرى». وقال عضو المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردي في سورية (البارتي) وعضو المجلس الوطني الكردي في سورية محمد إسماعيل: «إن الظروف الحالية غير مهيأة لنا كشعب كردي الذي يمثل جزءاً من الحركة الوطنية السورية بنضالها على مدى خمسة عقود من الزمن، لا يناسبه ولا من مصلحته تشكيل إدارة في المناطق التي يوجد فيها النظام بقوة، بخاصة أنه بعد التصعيد الخطير لوتيرة الحرب، من قتل ودمار وتشريد وتهجير سيلحق أضراراً كبيرة بمستقبل القضية الكردية في سورية، منها تخريب العلاقة التاريخية بين الكرد والمكونات الأخرى في سورية، وهو ما يلقى السخط والرفض مـــن عــشرين مليون سوري مــــمن سنعـــيش معهــم وإلى جوارهم في المستقبل، هذا ما حذرت منه الحركة الكردية على مدى عقود من النضال، وعمل فيها النظام على تأليب الرأي العام السوري ضد شعبنا وحقوقه القومية المشروعة».
وشدد إسماعيل على أن «هذه الإدارة تعزل الحركة الوطنية الكردية عن المعارضة الوطنية السورية وقوى الثورة السورية، والتي تمثل جزءاً أساسياً من الشعب السوري، فلا يمكن إقامة إدارة في المنطقة الكردية من دون تفاهمات معها حول خصوصية هذه المناطق، لأن احترام خصوصية كلّ مكونٍ واحترام خياراته السياسية من الأهداف الرئيسة للثورة السورية وتطلعات الشعب السوري».
وأردف عضو المجلس الوطني الكردي: «القضية الكردية في سورية تخرج من الساحة الدولية، بعد أن تم تدويلها من خلال الثورة السورية، فليس من المفيد إقامة إدارة كردية بمعزل عن الإرادة الدولية، خصوصاً إرادة الدول المعنية بالشأن السوري وصناع القرار، مثل أميركا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وروسيا وجامعة الدول العربية وتركيا وإيران والعراق، بخاصة إخوتنا في إقليم كردستان العراق، حيث يمثل الأخ الرئيس مسعود البارزاني قائداً ورمزاً كردياً يحظى بتأييد غالبية الشعب الكردي، ومن هذه الغالبية الشعب الكردي في سورية وحركته الوطنية، كما يحظى باحترام دولي أيضاً».
… ومؤيدو الإدارة
في الجهة المقابلة أكد رئيس مركز إعلام وحدات حماية الشعب الكردية بولات جان «أن هذه الإدارة ليست إدارة ذاتية كردية، فإن قلنا ذلك فإننا نجحف في حق الإخوة من المكونات الأخرى، والمشاركة بقوة وفعالية في مناقشة وبلورة وتأسيس والإعلان عن الإدارة الذاتية الديموقراطية، وهي إدارة موقتة وربما تطول الفترة (الموقتة) ارتباطاً مع الوضع العام في البلاد، وجاءت هذه الإدارة بالأساس لملء الفراغ الإداري الموجود في المنطقة، فإن لم نملأ الفراغ بهذه الإدارة، فإن طرفاً آخر كان سيعلن فيها إدارته الخاصة كما حدث في الصيف الماضي عندما أعلن تنظيم «داعش» إماراته الإسلامية في غرب كردستان، وطالب الكرد بمبايعته وإعلان التوبة والاستسلام له».
وأكد جان أن «وثيقة الإدارة الذاتية تعتبر عقداً اجتماعياً لإدارة المنطقة، ويمكننا أن نسميها (الدستور)، فربما غداً يكون هنالك الكثير من الدساتير ضمن الدولة الواحدة، لكي تتمكن الشعوب المختلفة من إدارة حياتها سياسياً واجتماعياً وإدارياً في شكلٍ مناسب ومتوافق مع العام، فدولة مثل الولايات المتحدة لكل ولاية من ولاياتها دستورها و قانونها الخاص إلى جانب الدستور الفيديرالي، وكذا الأمر بالنسبة إلى سويسرا، وكذلك إلى روسيا الاتحادية».
ولفت جان إلى أنه «لم تكن هنالك أطر إدارية حقيقية في المناطق الكردية، فهذه المناطق كانت عالماً آخر غير سورية لجهة الإدارة والخدمات والتعامل مع الإنسان، الإدارة في المناطق الكردية كانت بيد الاستخبارات بفروعها المتعددة، القانون الوحيد كان قانون التجويع والتعريب والتهجير، لذا فالكرد وشركاؤهم من المكونات الأخرى التي تقطن غرب كردستان يبنون إدارة جديدة وللمرة الأولى، العصر لم يعد عصر أن يقرر الآخرون بدلاً عنك، وقد ولى عصر الدول المركزية القاسية، وولى عصر إنكار حقوق المكونات المختلفة أو الأقاليم المتباينة».
في السياق ذاته أكد عضو الهيئة الإدارية لحركة المجتمع الديموقراطي (TEV-DEM) وعضو الهيئة الكردية العليا ألدار خليل، أن «مشروع الإدارة الذاتية الديموقراطية هو تعبير عن الديموقراطية المجتمعية الحقيقية، إذ إننا منذ بداية الثورة وبالتحديد في 30 آذار (مارس) 2011، نشرنا مشروع حل القضية الكردية في سورية على أساس أنه مشروع للتوجه نحو سورية ديموقراطية تعددية، وإيماناً منا بأن النجاح في الثورة مرهون بحل القضية الكردية وتأسيس نظام ديموقراطي ينطلق من مبدأ تنظيم الشعب والمجتمع بكل مكوناته على أساس ديموقراطي».
وقال خليل: «نحن نؤمن بأن المعارضة السورية لو كانت تمتلك أدنى معايير الديموقراطية وحقوق الإنسان، فإنها ستقبل وتشجع على تطوير نموذج كهذا لأنه مشروع لا يخص الشعب الكردي فقط، بل هو نموذج لكل سورية فتغيير النظام لا ينحصر فقط بتغيير رموز الحكم ورأسه، بل يجب أن يرافقه تطوير هذا (الموديل)»، وأردف: «نحن نستغرب ردود فعل المعارضة التي ترفض الإدارة، فردود الفعل في هذا الشكل تثير لدينا الريبة والشك في حقيقة كون هذه المعارضة ديموقراطية أو ساعية إلى السيطرة على زمام الحكم في البلاد من دون أن تصبح ذات عقلية ديموقراطية منفتحة على حقوق الآخرين، ومع كل ذلك نعتقد أنهم سيتفهمون حقيقة هذا المشروع ويستفيدون من هذه التجربة من أجل سورية المستقبل، وبطبيعة الحال الإدارة التي نتحدث عنها يتم تطبيقها منذ أكثر من عام ونصف العام في كل من عفرين وكوباني والجزيرة».
وأشار إلى أن عدم مشاركة حزب الاتحاد الديموقراطي في قتال النظام «تنطلق من قناعتنا بأن الأسلوب الذي ينتهجه الآخرون هو أسلوب خاطئ، فهو لا يساعد على إطاحة النظام بمقدار ما يتسبب في تخريب البلاد، ويفتح المجال للفوضى وتهيئة الظروف لنمو تنظيمات «القاعدة» وتوابعها وانتشارها في عموم البلاد، فنحن نؤمن بالحل السلمي، والاعتماد على القوة الجماهيرية لإحداث التغيير في البلاد»، وتابع: «بالنسبة لنا الاعتماد على القوة العسكرية مسموح به فقط في حالات الدفاع والحماية باعتبارها حقاً مشروعاً تضمنه المواثيق والقوانين الدولية، وليست لدينا أي نية لتقسيم البلاد لأن نهج الإدارة الذاتية الديموقراطية وفلسفتها هما ضمانة لوحدة سورية».
وأكد خليل أن فريقه «يمثل النهج الثالث في سياق الثورة السورية، فنحن لا نتفق مع المعارضة الساعية للوصول إلى السلطة من خلال أساليبها هذه، وفي الوقت نفسه نحن نرفض النظام الديكتاتوري الشمولي الذي يقتل شعبه للحفاظ على سلطته، فنهجنا الثالث هو نهج المجتمع الديموقراطي وليست لدينا أية نوايا لاستلام الحكم، لكننا نجد أنفسنا شركاء ويجب أخذنا في الاعتبار في الإدارة الجديدة التي ستتشكل في سورية المستقبل، إلى جانب ضرورة الاعتراف بنا كشعب كردي ضمن الدستور السوري الجديد».
الحياة – غازي عنتاب (تركيا) – زيدان زنكلو
الثلاثاء ٤ فبراير ٢٠١٤
«الحياة» استطلعت آراء سياسيين أكراد مؤيدين لمشروع الإدارة الذاتية (ألدار خليل وبولات جان)، ومعارضين لهذا المشروع (صلاح بدر الدين ومحمد إسماعيل).
معارضو الإدارة الذاتية:
الكاتب والباحث السياسي الكردي صلاح بدر الدين أكد أن دعوة الإدارة الذاتية لا صلة لها بالمشروع القومي والوطني الكردي، ولا تحمل تطلعات كرد سورية وطموحاتهم، لأنها جاءت أصلاً جزءاً من استراتيجية النظام تجاه المكونات السورية في تجزئتها وبث الفرقة بين صفوفها وعزلها عن الثورة.
ولفت بدر الدين إلى أن مشروع الإدارة الذاتية لم يلقَ تجاوباً أو مشاركة من جميع الأحزاب الكردية الأخرى (17 حزباً)، كما لم يحظَ بأي اهتمام من جانب الحراك الشبابي الكردي الثوري، وهو الذي قاد التظاهرات الاحتجاجية في المناطق الكردية منذ اندلاع الانتفاضة، ولم يشترك في هذا المشروع المستقلون الكرد وهم غالبية الشعب، وكذلك منظمات المجتمع المدني، إلى جانب عدم مساهمة ممثلي العرب والمسيحيين. وأضاف: «أن الذين شاركوا فقط هم مجموعة من (شبيحة) عشيرة عربية، وهي تحارب الجيش الحر أيضاً».
وأشار بدر الدين إلى أن البديل عن هذه الإدارة في نظر غالبية الوطنيين الكرد «هو إيلاء الأولوية إلى إسقاط النظام، والانخراط الكامل بالثورة والتنسيق مع قواها وعدم القيام بأية خطوة انفرادية إلا بالتنسيق مع شركائنا في الوطن من العرب والمكونات الأخرى، والآن هم قوى الثورة وليس النظام».
وأكد الباحث الكردي أن مشروع الإدارة الذاتية يتعدى الفكرة الآنية التي يروج لها مناصرو المشروع، «لو كان الأمر كذلك لما احتاج إلى انفراد حزب واحد (حزب الاتحاد الديموقراطي)، وفرض ما يراه بقوة السلاح، ورفض الآخر المختلف سياسياً، ثم إن الجهة الواقفة وراء المشروع هي جماعات تابعة لحزب العمال الكردستاني التركي بمسميات مختلفة، جلبت من خارج سورية حوالى ثلاثة آلاف مسلح مدرب، وفرضت أمراً واقعاً جديداً على معظم المناطق الكردية عبر التسليم والاستلام بتعاون وثيق مع النظام الحاكم، وتدخل ورعاية من نظام إيران وفيلق القدس بقيادة الجنرال قاسم سليماني على أساس مدروس بعناية، وهو تطرف لا يختلف عن تطرف «داعش» و«النصرة» وتنظيمات دينية متطرفة أخرى». وقال عضو المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردي في سورية (البارتي) وعضو المجلس الوطني الكردي في سورية محمد إسماعيل: «إن الظروف الحالية غير مهيأة لنا كشعب كردي الذي يمثل جزءاً من الحركة الوطنية السورية بنضالها على مدى خمسة عقود من الزمن، لا يناسبه ولا من مصلحته تشكيل إدارة في المناطق التي يوجد فيها النظام بقوة، بخاصة أنه بعد التصعيد الخطير لوتيرة الحرب، من قتل ودمار وتشريد وتهجير سيلحق أضراراً كبيرة بمستقبل القضية الكردية في سورية، منها تخريب العلاقة التاريخية بين الكرد والمكونات الأخرى في سورية، وهو ما يلقى السخط والرفض مـــن عــشرين مليون سوري مــــمن سنعـــيش معهــم وإلى جوارهم في المستقبل، هذا ما حذرت منه الحركة الكردية على مدى عقود من النضال، وعمل فيها النظام على تأليب الرأي العام السوري ضد شعبنا وحقوقه القومية المشروعة».
وشدد إسماعيل على أن «هذه الإدارة تعزل الحركة الوطنية الكردية عن المعارضة الوطنية السورية وقوى الثورة السورية، والتي تمثل جزءاً أساسياً من الشعب السوري، فلا يمكن إقامة إدارة في المنطقة الكردية من دون تفاهمات معها حول خصوصية هذه المناطق، لأن احترام خصوصية كلّ مكونٍ واحترام خياراته السياسية من الأهداف الرئيسة للثورة السورية وتطلعات الشعب السوري».
وأردف عضو المجلس الوطني الكردي: «القضية الكردية في سورية تخرج من الساحة الدولية، بعد أن تم تدويلها من خلال الثورة السورية، فليس من المفيد إقامة إدارة كردية بمعزل عن الإرادة الدولية، خصوصاً إرادة الدول المعنية بالشأن السوري وصناع القرار، مثل أميركا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وروسيا وجامعة الدول العربية وتركيا وإيران والعراق، بخاصة إخوتنا في إقليم كردستان العراق، حيث يمثل الأخ الرئيس مسعود البارزاني قائداً ورمزاً كردياً يحظى بتأييد غالبية الشعب الكردي، ومن هذه الغالبية الشعب الكردي في سورية وحركته الوطنية، كما يحظى باحترام دولي أيضاً».
… ومؤيدو الإدارة
في الجهة المقابلة أكد رئيس مركز إعلام وحدات حماية الشعب الكردية بولات جان «أن هذه الإدارة ليست إدارة ذاتية كردية، فإن قلنا ذلك فإننا نجحف في حق الإخوة من المكونات الأخرى، والمشاركة بقوة وفعالية في مناقشة وبلورة وتأسيس والإعلان عن الإدارة الذاتية الديموقراطية، وهي إدارة موقتة وربما تطول الفترة (الموقتة) ارتباطاً مع الوضع العام في البلاد، وجاءت هذه الإدارة بالأساس لملء الفراغ الإداري الموجود في المنطقة، فإن لم نملأ الفراغ بهذه الإدارة، فإن طرفاً آخر كان سيعلن فيها إدارته الخاصة كما حدث في الصيف الماضي عندما أعلن تنظيم «داعش» إماراته الإسلامية في غرب كردستان، وطالب الكرد بمبايعته وإعلان التوبة والاستسلام له».
وأكد جان أن «وثيقة الإدارة الذاتية تعتبر عقداً اجتماعياً لإدارة المنطقة، ويمكننا أن نسميها (الدستور)، فربما غداً يكون هنالك الكثير من الدساتير ضمن الدولة الواحدة، لكي تتمكن الشعوب المختلفة من إدارة حياتها سياسياً واجتماعياً وإدارياً في شكلٍ مناسب ومتوافق مع العام، فدولة مثل الولايات المتحدة لكل ولاية من ولاياتها دستورها و قانونها الخاص إلى جانب الدستور الفيديرالي، وكذا الأمر بالنسبة إلى سويسرا، وكذلك إلى روسيا الاتحادية».
ولفت جان إلى أنه «لم تكن هنالك أطر إدارية حقيقية في المناطق الكردية، فهذه المناطق كانت عالماً آخر غير سورية لجهة الإدارة والخدمات والتعامل مع الإنسان، الإدارة في المناطق الكردية كانت بيد الاستخبارات بفروعها المتعددة، القانون الوحيد كان قانون التجويع والتعريب والتهجير، لذا فالكرد وشركاؤهم من المكونات الأخرى التي تقطن غرب كردستان يبنون إدارة جديدة وللمرة الأولى، العصر لم يعد عصر أن يقرر الآخرون بدلاً عنك، وقد ولى عصر الدول المركزية القاسية، وولى عصر إنكار حقوق المكونات المختلفة أو الأقاليم المتباينة».
في السياق ذاته أكد عضو الهيئة الإدارية لحركة المجتمع الديموقراطي (TEV-DEM) وعضو الهيئة الكردية العليا ألدار خليل، أن «مشروع الإدارة الذاتية الديموقراطية هو تعبير عن الديموقراطية المجتمعية الحقيقية، إذ إننا منذ بداية الثورة وبالتحديد في 30 آذار (مارس) 2011، نشرنا مشروع حل القضية الكردية في سورية على أساس أنه مشروع للتوجه نحو سورية ديموقراطية تعددية، وإيماناً منا بأن النجاح في الثورة مرهون بحل القضية الكردية وتأسيس نظام ديموقراطي ينطلق من مبدأ تنظيم الشعب والمجتمع بكل مكوناته على أساس ديموقراطي».
وقال خليل: «نحن نؤمن بأن المعارضة السورية لو كانت تمتلك أدنى معايير الديموقراطية وحقوق الإنسان، فإنها ستقبل وتشجع على تطوير نموذج كهذا لأنه مشروع لا يخص الشعب الكردي فقط، بل هو نموذج لكل سورية فتغيير النظام لا ينحصر فقط بتغيير رموز الحكم ورأسه، بل يجب أن يرافقه تطوير هذا (الموديل)»، وأردف: «نحن نستغرب ردود فعل المعارضة التي ترفض الإدارة، فردود الفعل في هذا الشكل تثير لدينا الريبة والشك في حقيقة كون هذه المعارضة ديموقراطية أو ساعية إلى السيطرة على زمام الحكم في البلاد من دون أن تصبح ذات عقلية ديموقراطية منفتحة على حقوق الآخرين، ومع كل ذلك نعتقد أنهم سيتفهمون حقيقة هذا المشروع ويستفيدون من هذه التجربة من أجل سورية المستقبل، وبطبيعة الحال الإدارة التي نتحدث عنها يتم تطبيقها منذ أكثر من عام ونصف العام في كل من عفرين وكوباني والجزيرة».
وأشار إلى أن عدم مشاركة حزب الاتحاد الديموقراطي في قتال النظام «تنطلق من قناعتنا بأن الأسلوب الذي ينتهجه الآخرون هو أسلوب خاطئ، فهو لا يساعد على إطاحة النظام بمقدار ما يتسبب في تخريب البلاد، ويفتح المجال للفوضى وتهيئة الظروف لنمو تنظيمات «القاعدة» وتوابعها وانتشارها في عموم البلاد، فنحن نؤمن بالحل السلمي، والاعتماد على القوة الجماهيرية لإحداث التغيير في البلاد»، وتابع: «بالنسبة لنا الاعتماد على القوة العسكرية مسموح به فقط في حالات الدفاع والحماية باعتبارها حقاً مشروعاً تضمنه المواثيق والقوانين الدولية، وليست لدينا أي نية لتقسيم البلاد لأن نهج الإدارة الذاتية الديموقراطية وفلسفتها هما ضمانة لوحدة سورية».
وأكد خليل أن فريقه «يمثل النهج الثالث في سياق الثورة السورية، فنحن لا نتفق مع المعارضة الساعية للوصول إلى السلطة من خلال أساليبها هذه، وفي الوقت نفسه نحن نرفض النظام الديكتاتوري الشمولي الذي يقتل شعبه للحفاظ على سلطته، فنهجنا الثالث هو نهج المجتمع الديموقراطي وليست لدينا أية نوايا لاستلام الحكم، لكننا نجد أنفسنا شركاء ويجب أخذنا في الاعتبار في الإدارة الجديدة التي ستتشكل في سورية المستقبل، إلى جانب ضرورة الاعتراف بنا كشعب كردي ضمن الدستور السوري الجديد».
الحياة – غازي عنتاب (تركيا) – زيدان زنكلو
الثلاثاء ٤ فبراير ٢٠١٤