اليمنيون يقررون إقامة دولة اتحادية مخرجا للازمة ولإعادة الإستقرار لبلدهم, فهل يستوعب السوريون بأن لا حل لأزمة بلادهم إلا بإقرار تطبيق النظام الفيدرالي..؟؟

إسماعيل حمه

انتهى مؤتمر الحوار الوطني في اليمن الى قرار تاريخي يقضي باقامة دولة اتحادية – فيدرالية- في اليمن بدلا من الدولة المركزية, وذلك كسبيل لتحقيق الديمقراية وإعادة الأمن والإستقرار, بعد أن عانى هذا البلد على مدار سنوات طويلة من أزمات مركبة ذات طبيعة مناطقية وطائفية وإجتماعية, شكلت كلها كمون للثورة الشعبية التي اطاحت بالرئيس علي عبدالله الصالح ونظامه الدكتاتوري.

تفاعلات وتداعيات ثورات دول الربيع العربي لا زالت مستمرة, ستؤدي الى المزيد من التغيرات البنيوية في هذه البلدان. فثمة اتجاهات مماثلة في ليبيا تدعوا الى إقامة نظام فيدرالي, وربما نجد مثل هذه الدعوات في المستقبل القريب في مصر وتونس ايضا. وقد بات يتأكد أن الدول البسيطة وخصوصا في المشرق أكثر قابلية لإنتاج الدكتاتوريات وانتاج الفقر والعجز في تحقيق التنمية على مختلف مستوياتها.
بالمقارنة, فان الحالة السورية تبدو اكثر تعقيدا في تنوعها القومي والثقافي والديني. وقد اضافت اليها الازمة المستمرة منذ ما يقارب ثلاثة سنوات تداعيات وتعقيدات خطيرة جدا على الصعيد المجتمعي. تجد في حصيلتها تبلورانقسامات حادة, طائفية وقومية ودينية وثقافية ومناطقية, يكاد يكون تصور الفكاك من اثارها ضرب من الإستحالة, بالتالي من غير الممكن معالجتها عبر المشاريع الدولة المركزية أو البسيطة التي تطرحها المعارضة اليوم وهي عمومها مشاريع رومانسية رغبوية تنأى بنفسها عن رؤية الواقع وتدارك تعقيداته التي تظهر واضحا من خلال الحجم الهائل للعنف والعنف المضاد, وبما يؤكد أن الواقع السوري قد تجاوز بانقساماته الحادة  على الأرض هذه المشاريع التي لازالت تتكلم عن الدولة المركزية والديمقراطية والتعددية وحقوق المواطنة المتساوية.
فمن يستميت في الدفاع, من اجل أن تكون سوريا المستقبل دولة مركزية, مع التوسع في بعض الصلاحيات الإدارية للاطراف (اللامركزية الإدارية) ويغمض عينيه عن تجارب الآخرين, لا يريد لسوريا أن تكون دولة ديمقراطية مستقرة تتمكن من إعادة توزيع السلطة والثروة على نحو عادل بما يحقق التنمية والرفاهية للجميع, بل تخفي هذه الإستماته في الدفاع عن مركزية الدولة نزوع عميق ورغبة جامحة في مكنونات عقله ونفسه في إعادة إنتاج الديكتاتورية والإسئثار بالسلطة والثروة وربما على نحو أسوأ قد يكون منطلقه ثأري إنتقامي .
التجربة السورية في الحكم التي تمتد لنحو تسعة عقود تؤكد, ان الدولة المركزية كانت المسؤولة عن انتاج الدكتاتوريات الفئوية والطائفية التي انتجت الخراب والظلم . ولذلك لامخرج آمن امام السوريين من هذه الازمة سوى إعادة توحيد سوريا عبر النظام الفيدرالي بحيث يجعل الجميع يطمئن فيه على حقوقهم ومستقبلهم. فالفيدرالية هي الضامن لمستقبل ديمقراطي تعددي في سوريا والضامن لقطع الطريق امام صعود المتطرفين والتطرف بكل اشكاله والوانه ويتيح لكل المكونات التمتع بحقوقها القومية والدينية والثقافية المتساوية.

لقد آن الآوان لتخرج المعارضة السورية من عباءة الدولة المركزية, التي لم نحصد منها سوى الظلم والفقروالتمييز والهوان, ونحن في خضم مفاوضات جنيف2 التي تحاول أن ترسم ملامح دولة سوريا المستقبل, فلا خيار لإنقاذ البلد من التطرف والحرب الاهلية الطاحنة والتقسيم والتفتت سوى ان نقتنع بتبني نموذج الدولة الإتحادية الفيدرالية الذي يثبت التجربة على الصعيد العالمي بأنه نموذج الدولة الأكثر مرونة واستجابة للتنمية المستدامة وأكثرها قدرة على حفظ  التوازن والإستقرار في البلدان التي تعاني من صراعات من النوع القومي أوالثقافي أوالطائفي المذهبي كما في الحالة السورية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…