“تحيا الأخطاء عاريةً من أي حصانة حتى لو غطتها كل نصوص الكون المقدسة ”
غاندي
م. حج كبه
غاندي
م. حج كبه
بما أننا في منعطفٍ قاسٍ ومرحلةٍ خطرةٍ تخزنا فيها هواجس الاستفهامات من كل الجهات، وانطلاقاً من مشروعية السؤال طالما كان مشغولاً في دائرة ذلك القلق الكبير، فإلى أين يا ترى ينوي الاتحاد الديمقراطي ومُنظريه سوق الأكراد من خلال مرجوحتهم السياسية الدائرة حالياً بقوة الركلة الأسدية؟ تلك المرجوحة التي تارةً ما ترفعهم بخبطةٍ عشوائية إلى أعلى المقامات وتارةً أخرى ترميهم على الحضيض بواقعه ووقائعه المريرة، ولازلنا للأسف حائمين في فلك تنظيمٌ متأرجحٍ ومغرمٌ بقيادةِ شعبٍ بأكمله إلى حقول التجارب اليومية بأمرة عباقرته المتخرجين من جامعة أوجلانستان، فماذا يا ترى سيكون مصير رُكاب المرجوحة عندما ينقطع الحبل بهم في أعلى نقطة من لعبة المسخرة السياسية القائمة في المقاطعات الثلاث؟.
عموماً لا نهاية لحدود هذه التساؤلات طالما المعني هنا هو تنظيمٌ تعَوّد على تسليم مصير رعيته كل فترة إلى طاحونة تصوراته الغرائبية، بما أن الخلفية الدائمة لتحركات هذا الفرع السوري معتمدة في الأساس على قفزات وتجارب ومغامرات حامل لواء الهزائم في الأصل القائم في تركيا، الجناحُ المشهود ببهلوانياته في الصعود والهبوط على مدى عقدين من الزمن الملطخ برائحة الانكسارات المتلاحقة، تنظيمٌ لا يزالُ قوياً في القدرات وبقي متمسكاً ببعض همجياته واستمر صبيانياً في الكثير من التصرفات، تنظيمٌ أو تنظيماتٌ لا حد لتداخلها وهي ممتدة وستمتد بأذرعها حتى عتبة منزل آخر كرديًّ متخلف في المعمورة، فكيف لنا فصل الأبن السوري عن أبيه التركي إذن وهو يتباهى بأبوته ليل نهار، بل ويفتخر بإنجازاته الحاصلة في أخيلة الكوادر والقمندارات وكل الفنانين الخارجين من بلوكوز كوما برخدان، فصيلٌ معتكفٌ بكل ثقله على ترسيخ ممارساته الاستثنائية بناءً على الإرشادات القادمة من المعقل التركي باعتبارها الحوزة الشرعية للعقيدة الأوجلانية، فلسفة القرم الأكبر من مصيبتنا القومية على مر التاريخ الحديث، تلك الفلسفة التي من رحم انشطاراتها الهذيانية أهرقت الرموز وتناثرت المصطلحات على الأرصفة، إدارات، مقاطعات، كانتونات، جزر، تسمياتٌ عدة لغاية واحدة هي السير في الاتجاه الذي يرونه صحيحاً ولو جاء العالم كله وقالوا لهم بصوتٍ واحد بوصلتكم لا تعمل، فلا تسوقوا رعاياكم إلى صحراء السياسة وأنتم طريق الواحات تجهلون، ولا تدفعوا بأناسكم إلى ملتقى الجروف وهم لا يحملون عدة التسلق معهم إلى مهاوي رؤاكم، أم المهم عندكم هو الزحف بالاتجاه المرسوم لكم، ولنفترض جدلاً بأنها جزرٌ ثلاث، فأين هي تخوم مياهكم الاقليمية التي ستحتاج كانتوناتكم للتناكح من خلالها؟ أين سياراتكم الفضائية لتنقل الحمير من دون أحمالها إلى جزركم النائية؟ ومن أين ستستوردوا العلف لمن يدب قلقاً عل أديم مقاطعاتكم؟ وأنتم على ما أنتم عليه من المصارعات اليومية مع جهاتكم الأربع، ترى أثمة من يرسم من عباقرتكم السياسيين للخطوة التالية للكانتونات؟ أم مطلوبٌ منكم فقط الإعلان عن الحالة، ومن ثم إقامة الحفلات بمناسبتها التي تتطلب الاستنفار الموسيقي والعسكري والتحشيدي على أكمل وجه، بينما أمر التخطيط للغدِ متروكٌ للجهات الراعية للكرنفال، وعليها يبقى الاتكال الدائم للأشواط اللاحقة، فهل يا ترى لازلتم قيد الاعتقاد رغم تاريخكم المتأرجح من هول المواقف والمطبات، بأن راعي مشاريعكم الاستثنائية وداعمكم في الخطو سيدوم إلى أبده المعلن؟ أم هي في الأصل لعبة ً تتقنونها جيداً وتدركون أيضاً بأنها من اختراع مخيلة من يستخدمكم كلما شعر بالحاجة الماسة لاستعمالكم؟ لذا مستمرون في السير على هدي الراسم حتى مضارب التيه أو اليباب، ما دفع بكم الشوط المعلن طرباً إلى النسيان بأنكم تعملون في حقلٍ بشري لا في معملٍ لصياغة مصائر الجرذان، وأن أرواح آلاف الناس لاتزال تحبو على مشرحة سياساتكم الخرقاء، أم لديكم استعدادٌ فطري لمقايضة بقائكم بأرواح الملايين سيراً على خطى ونهج معلمكم الأكبر ذلك الذي راح يناطح كارل ماركس بقرون نظرياته الكونية، فأية دويلاتٍ هذه يا اخوتنا الأعداء وإداراتكم الميمونة عاجزة منذ شهور عن تأمين مادة واحدة من المواد الأولية للمواطن بسعرٍ لا يكون كحد المدية على رقبته، فكيف ستديرون شؤون ثلاثة جزر تبعد مسافة الواحدة عن الأخرى مئات الكيلو مترات، وأنتم لا مراكب سماوية لديكم، لا سفن، ولا تريناصورات في دياركم حتى تشق المعابر أمامكم، وليس لكم من عُدة السير سوى أولئك الدهماء ممن تعولون عليهم، عساكم بدل المراكب تمتطون ظهورهم كلما عَنّ على بالكم السفر إلى تخوم مجهولاتكم، أم أن كل هذه الأشواط المتلاحقة ابتداءً من حماية المناطق إلى الإدارة المحلية والذاتية والديمقراطية واللاموصوفة هي بمثابة خطوة استباقية للاستيلاء على المناطق الثلاث حتى لا يقاسمكم أحدٌ من مناوئيكم في ثمنها أوان البيع والشراء، والاستحواذ راهناً على كل مقدرات المقاطعات الثلاث بما تملكونه من السلاح، إضافةً إلى مخزونكم البشري الهائل من فيالق الرعاع، ومن ثم التخطيط للتكنيز لللاحق بعقلية تجار الأزمات والقفز مع هواجس الاحتكار إلى الغد الكفيل بتغيير المعالم والموازين في سوريا المستقبل، فتكونوا آنذاك أمراً واقعاً، ولا مفر من العودة إليكم والاحتكام إلى منطق الجبروت لديكم، طالما لا قوة تنافسكم في المناطق الكردية آنذاك، وعلى هذا الأساس أيضاً يكون تعامل الجيران مع إدارات المقاطعات الثلاث وأصحابها الحصريين.
ولكن يبدو بأن مشاعرنا القومية حتى هذه اللحظة تشوش على كل قراءةٍ جدية تخصُ منشأ وتطور ومسير ومجمل الغايات البعيدة لهذا التنظيم الفالق للعقل القومي، وأن استراتيجية وجودهم على الخارطة السياسية أخطر وأبعد مما نرمي إليه وما يصرح به أقطاب الفكر السياسي لدينا، وأن كل هذه التقلبات في مناخاتهم السياسية مرده أولاً وأخيراً هو اللاإيمان بأي شيء اسمه قضية كردية، وأن هذه الذبذبة الصاعدة الهابطة منذ سنوات غايتها الأساسية تحقيق الرغبة الدفينة للدول الراعية لأنشطتهم، وذلك لكي يُعيدوا الكرد وقضيتهم برمتها من خلال التأرجح اللامنطقي إلى عتبات ألف باء ات حقوق الشعوب، مثلما نجحوا في مسعاهم التقهقري ذاك في كردستان تركيا، فيُنجزوا المَهمة المنوطة بهم في كردستان سوريا، فعندها يكون قد انتهى دورهم المُدمر لهذا الجزء أيضاً، ومن ثم تُغادر منظومتهم إلى أماكن أكثر خصوبةً لزراعة أفكارهم وتصوراتهم وخلطاتهم السياسية والعسكرية، وتبدأ مرحلةً جديدة من نضالهم التقزيمي في جزءٍ آخر من تضاريس كردستان.