أمّا الراعي الأمريكي الذي يمثّل الحليف الدولي للمعارضة والذي اتّسمت علاقته بالمعارضة بفترات مدّ وجزر وبالتردّد بل وبالإحجام عن تقديم ما تحتاجه المعارضة من عوامل ترجيح كفّتها على النظام بل وعن موازنتها، فقد أطلق خطاباً (متشدّداً) اتّجاه الأسد شخصياً وكأنّه أراد أن يُطمئن المعارضة ويُظهِر لها بأنّ ما يُشاع عن توافقه مع الروس على بقاء الأسد لاعباً في الصفقة السياسية المزعم عقدها غير دقيقٍ بل ولا صحّة له.
أمّا فيما خصّ خطابي وفدي النظام والمعارضة، فقد سعى رئيس وفد النظام من خلال إطالة الخطاب وما تخّلله من ملاسنة مع الأمين العامّ للأمم المتّحدة بشيءٍ من (الفهلوة) إلى إرسال رسالة مفادها أنّه يمثّل الدولة الشرعية وموقفها دون اعتبار لعامل الوقت كما أراد أن يلفت الانتباه إلى أنّه مفاوضٌ مخضرم وله باعٌ طويل (ترأس المعلّم وفد سوريا في مفاوضاتها مع اسرائيل)، ثمّ حاول من خلال النبرة العنيفة والسقف العالي حشر المعارضة في زاوية الاتهام بالإرهاب ليربكها ويجعلها في موقع الدفاع عن نفسها. ويمكن أن نستشفّ من خطاب وفد النظام وسلوكه العناصر الأساسية في استراتيجيته التفاوضية التي ستعتمد على إطالة أمد التفاوض واغراقه في التفاصيل ودفعه نحو الهوامش واستفزاز المعارضة بموضوع مكافحة الإرهاب من خلال إشاعة الانطباع بأنّ كلّ أشكال العمل المسلّح من قبل المعارضة تقع تحت طائلة هذا الإرهاب وذلك على أمل أو وهم تحقيق المزيد من المكاسب الميدانية وتمرير الاستحقاق الانتخابي الرئاسي (غاية غايات النظام) قبل تحقيق أي اتّفاق سياسي.
لكنّ وفد المعارضة السورية سعى في خطابه إلى أن ينسب نفسه ويحدّد انتماءه إلى الثورة السورية المفارقة للتنظيمات الإرهابية من خلال إدانته للإرهاب وتنسيبه للنظام نفسه كما بادر إلى شنّ ما يمكن تسميته بهجومٍ دبلوماسي حينما أعلن رئيس الوفد بأنّه مستعد للتوقيع فوراً وأمام جميع الوفود على بيان جنيف واحد بكامل نقاطه متسائلاً إن كان بوسع أحدٍ من وفد النظام أن يكون شريكاً في هذا التوقيع هادفاً من ذلك إلى إحراج وفد النظام وإظهاره بمظهر العاجز والمتهرّب من مندرجات التوافق الدولي الذي يشكّل حليفه الروسي أحد طرفيه الرئيسيين. ومن هنا يمكن الاستنتاج بأنّ وفد المعارضة سيعتمد في استراتيجيته التفاوضية على التمسّك بنقاط التوافق الدولي المتمثّل ببيان جنيف واحد ويسعى إلى تقليص أمد التفاوض وتركيزه على النقطة الجوهرية في البيان الخاصّة بتشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة مثلما لا يضير المعارضة أن تناقش بند مكافحة الإرهاب خاصة وأنّها مهّدت لذلك وقوّت موقفها بهذا الشأن من خلال اشتباك التشكيلات العسكرية التابعة لها مع تنظيم داعش وإعلانها الحرب عليها كأداةٍ صنيعة للنظام.
أيّاً كانت الرؤى والاستراتيجيات والغايات المختلفة والمتناقضة للنظام والمعارضة، فإنّ مجرّد قبول الطرفين بالحضور إلى مؤتمر جنيف اثنان يدلّل على أنّ استجابتهما للمبادرة السياسية الدولية هو الخيار الأوّل ان لم يكن الوحيد أمامهما في هذه المرحلة وأنّ التسوية السياسية لم تعد رهنهما فحسب بل ورهن الإرادة الدولية والإقليمية المشتركة التي سيصعب ان لم نقل سيستحيل على أيّ منهما التهرّب منها أو مواجهتها إذا ما حُسِمَ أمرها.