كلنا نعلم في كوباني مقر المحاميين والناشاطات الثقافية التي كانت تدور في فلك ذلك المقر الذي تحول الى مركز للنشاطات الثقافية التنورية وبات ملتقى للمثقفين من كافة الاختصاصات من القانونية الى التاريخية والفلسفية وحتى الطبية وكان يتم التطرق في هذا المقر عبر المحاضرات التي كانت تلقى من قبل الاساتذة المحاميين الى مختلف جوانب الحياة من الاجتماعية الى الاقتصادية والسياسية .
في خضم كل الصراعات على تنوعها يتحمل المثقفون التقدميون اعباءا استثنائية سواءا بدورهم في التنوير او في التهدئة او ما يعانوه من جانب الهجوم المضاد من قبل قوى الظلام والتراجع . وبحكم طليعيتهم الناجمة عن وعيهم المسبق وريادتهم التغيريية فان الضغوط تتنوع من الترغيب والتهديد الى الاعتقال أوالتشريد والنفي أو الاغتيال. ومذ كان المثقف شاعرا فقط كان هدفا مهما في الحروب الى ان صار المثقف التنويري ملاحقا من السلاطين والولاة الطغاة لما يشكله المثقف ـ وعي ونتاج ـ تهديداً لعروش الحرير وقيمهم الاخلاقية والسياسية المعادية لارادة الشعوب .
ويتنوع الضغط شكلا ومضمونا تبعاً للوعي الجمعي للمجتمع ولحدة وشدة تخلف المعادين انظمة كانوا ام منظمات او حتى افراد ، تلك القوى التي اخذت على عاتقها عاراً في التصدي للمثقفين تشهيراً وملاحقةً وقتلاً ، فالحلاج الذي اتهم بالسحر والشعوذة وثم الالحاد انتهى به الامر قتيلا في القرن الرابع الهجري ، وغاليلو الذي خرج عن مقولات الكنيسة وحكم عليه بالصلب في القرن السابع عشر الميلادي واعفي عنه لتراجعه هو عن موقفه انتهى به الامر حبيس داره الى ان مات في عام 1642 م نماذجاً لما يعانيه المثقف التجديدي وصولاً الى العصر الحديث حيث يكون المثقف المع الضحايا ….. ويشكل استهداف المثقفين بجميع الاحوال والاشكال احد المؤشرات الهامة ونقاط التحول في مسيرة الثقافة والوطن .
في كل الحالات فان استهداف الثقافة والمثقفين برزت بشكل دراماتيكي في توجه السلطه الدكتاتورية الصدامية التي استهدفت المثقفين بأشكال شتى بدءاً من الاغراء والتهديد مستميلة جزءاً منهم اليها والملاحقة والتشريد حيث غادر جمهرة واسعة من المثقفين الكرد وطنهم مرغمين.
يعلم انصار الجهل والظلام ان اي توسع في المعرفة على المستوى الشعبي يؤدي بالضرورة الى انحسار التابعين لهم والمتلقين لتعليماتهم، وصراع القوى الظلامية مع العلم والثقافة النيرة ليس صراعاً مع افراد بقدر ماهو صراعا مع حركة تطور المجتمع بشكل عام فما ان ينير ضوءٌ مساحة قليلة حتى ينحسر الظلام وهكذا يزحف العلم والمعرفة بين ثنايا المجتمع الذي سيجعل دور الكذب والخداع واستغلال العواطف القومية الجياشة اقل تاثيراً وصولا الى نهايته المحتومة لما يحمله العالم من تطورات علمية تؤدي بالاخيرالى تحررالانسان من كل قيود الظلام والتخلف ،ولان رموز القتل يعرفون كل تلك الحقائق فأن اختيارهم للمثقف لا يأتي عن جهل بل عن دراية ومعرفة بحجم ودور المثقف التنويري وما يستطيع ان يفعله في تقليص مساحات تحركهم لايغال المجتمع والناس اكثر فأكثر في الجهل وبالتالي فأن الارضية التي يتمنون ان تبقى خصبة لهم دائما سوف تتقلص مساحتها بشكل يقلل من نفوذهم وتأثيرهم على مجمل حركة التطور وليس على الانسان كفرد فقط ، لذلك فانهم باغتيال المثقف الانسان لايبغون منه انهاء حياة ـ رغم بشاعة الموقف ـ بقدر ماهو محاولة لايقاف فكر وثقافة من السيروالتطور المتصاعد واعلان حرب التخلف ضد العلم والتطور، وايضا فان الاغتيال هو عملية بث للرعب ليس فقط في اوساط المثقفين ومحاولة الحد من تحركهم ونشاطهم بل وايضا بث للرعب في اوساط عموم الناس وتحذيرهم من الاقتراب من افكار ومبادئ هؤلاء المثقفين وبنفس الوقت فأنه اعلان قوة ووجود بما يشكله كل ذلك من تهديد للمجتمع والبشر وللتطور العلمي المتنامي وكذلك للسلم الاهلي ومحاولة جر قوى المجتمع المتباينه الى حرب لا يستفيد منها الا التخلف والتراجع والظلام ومن يقف وراءه من قوى مستفيده اقتصاديا وسياسيا وفكريا ربما لا تمت الى البلد المعني بصله بقدر ماهي تسعى الى ايقاف التطور في بلدانها عن طريق ارهاب الاخرين وقمعهم بشتى الطرق .
ان اغتيال المثقف الذي تمثل في كوباني بالاستيلاء على مقر المحاميين نموذجاً هو حرب الجهل ضد العلم ، وحرب التخلف ضد التقدم، وحرب الكذب والخداع والسحر والشعوذة ضد علمنة المجتمع والشعب .