حسين عمر
بين قرطبة وتل حميس قاسم مشترك عنوانه الاخفاق الدبلوماسي والهزيمة العسكرية الناجمين عن الفشل في الحسابات السياسية والاستراتيجية. قد يكون الاخفاق والهزيمة في معركة واحدة لا في كلّ الحرب بوجهيها الدبلوماسي والعسكري ولكنّهما بالغا الدلالة لكونهما يُكشفان بعمق عن فداحة الخسران السياسي المنتظر من الرهانات الخاطئة.
اعترضت أطياف المعارضة السورية التي التأمت في قرطبة الإسبانية على حضور ممثلة مجلس الشعب لغرب كوردستان التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، السيّدة سينم محمد (الرئيسة المشتركة للمجلس) بذريعة أنّ حزبها الديمقراطي مرتبطٌ بالنظام ولا يمتّ للمعارضة بصلة، بل أنّ المعترضين على حضورها برّروا موقفهم بأنّ هذا الحضور قد يثبِّت على المؤتمر شبهة التبعية للنظام والتي راجت ولاحقت المؤتمر منذ الإعلان عن التحضير له.
وبعد فشل كلّ محاولات ضمّ وانضمام ممثّلة مجلس شعب غرب كوردستان إلى المؤتمر، أصدرت السيّدة سينم محمد توضيحاً تعلن فيه بأنّ (الانسحاب) كان (خيارها) قائلةً أنّ ذلك كان لسببين « أولهما رأفة بالشعب السوري الذي يدمر وطنه ودمه يسيل يومياً في الشوارع وهذا كان خياري وليس خيار أحد، والحقيقة الأخرى هي أنني ذهبت على مضض للمشاركة في هذا المؤتمر لهكذا معارضة إقصائية لا تقبل الديمقراطية ولا بالآخر المختلف وتحمل العقلية الاتهامية.»
لكنّ السؤال هو: لماذا لم تدبّ الرأفة بالشعب السوري في قلب السيّدة سينم إلاّ بعد أن وصلت إلى قلب (أحد رموز المجد العربي الزائل) قرطبة؟
لماذا تحمّلت السيّدة سينم محمد مشقّة الأسفار وقطعت الأميال قاصدة مؤتَمَراً لمعارضة إقصائية رأفت بها السيّدة سينم ولم تنعتها بـ «الأردوغانية العميلة التي تشكّل المظلّة السياسية لتنظيمات القاعدة الإرهابية»؟ طبعاً اتّهام كلّ أطياف المعارضة (باستثناء جماعة شيخ الوطنيين الديمقراطيين في هذا العصر، حسن عبد العظيم) بالأردوغانية والعمالة لا يعبّر عن عقلية اتّهامية!
ثمّ، إذا كان التيار الذي تمثّله الرئيسة المشتركة لمجلس شعب غرب كوردستان يمثّل الخط الثالث المفارق للنظام والمعارضة على حدٍّ سواء، لماذا قرّر أصلاً المشاركة في مؤتمرٍ للمعارضة؟ هل هذا التيار على بعدٍ واحدٍ من النظام والمعارضة أم على قربٍ واحدٍ منهما؟
إنّ هذه العقلية الاتّهامية التي انطلق منها حزب الاتحاد الديمقراطي منذ اللحظة الأولى لانطلاق شرارة الانتفاضة السورية السلمية في التعامل مع المعارضة السورية التي شخّص الاتحاد الديمقراطي تناقضه الرئيسي معها لا مع النظام السوري وذلك انطلاقاً من استراتيجية لا تمتّ بصلة إلى مصالح الشعب الكوردي في سوريا ومطالبه وحقوقه المشروعة وإنّما تنبع من أولويات صراع حزب العمال الكوردستاني مع تركيا وأحلام استعادة العلاقة الحميمية المفقودة مع النظام السوري، هذه العقلية التي وضعت كلّ المعارضة السورية في السلّة «الأردوغانية العميلة التي تشكّل المظلّة السياسية لتنظيمات القاعدة الإرهابية» هي التي عزلت حزب الاتحاد الديمقراطي عن المعارضة وحشرته في زاوية الاتّهام بالولاء للنظام والعمل وفق أجنداته والائتمار بأوامره إلى أن بلغت الأمور في قرطبة الإسبانية (وليس في استانبول الأردوغانية) درجة أنّ مجرّد حضور من يُحسَب على حزب الاتحاد الديمقراطي مؤتمراً تشاورياً يثبّت عليه شبهة الارتباط بالنظام السوري.
وإذا كان الإخفاق في قرطبة خفيف الوطأة رغم دلالاته، فإنّ الهزيمة في معركة تل حميس وتل براك كانت شديدة الوطأة إنسانياً قبل كلّ شيء حيث فقد العشرات من الشبّان والشابات الكورد حياتهم في معركة لم يستطع أحد من المخططين لها والقائمين عليها أن يسوق المبررات المقنعة لشنّها.
سبقت هذه المعركة عملية ضمّ كتيبة معروفة بولائها للنظام وتضمّ أفراداً من العشائر العربية القاطنة لتل حميس وأريافها إلى وحدات حماية الشعب YPG نُقِلَت مراسيمها على شاشة قناة روناهي وأورد منتسبوها ومنتسباتها مقولات محفوظة عن ظهر قلب لزعيم حزب العمال الكوردستاني (القائد آبو) ورافقتها تحليلات مفرطة في التباهي بالخبرة (العسكرية الاستراتيجية) بلغ الشطط ببعضها حدّ الادّعاء بأن معركة (تحرير) تل براك وتل حميس هي خطّة استراتيجية من قيادة وحدات حماية الشعب YPG لتأمين ظهر قواتها من هجمات الجماعات الإرهابية تمهيداً للانقضاض على قوات النظام في قامشلو وتحرير عاصمة (الإدارة الذاتية) وقد أعلنت وسائل الإعلام التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD سيطرة قوات YPG على بلدة تل براك تماماً واستعداد هذه القوات لشنّ هجوم من ثلاثة محاور على تل حميس لتحريرها لنُفاجأ ببيان صادرٍ عن القيادة العامّة لوحدات حماية الشعب بتاريخ السادس من يناير تُبيّن فيه » بأن جميع الإشاعات والأنباء التي تحدثت، عن نية وحدات حماية الشعب من تحرير مدينتي ( تل حميس ،وتل براك) والاستقرار فيها لا أساس لها من الصحة وبعيدةٌ عن موقفنا الرسمي» وتعلن فيه « انتهاء حملة الردع والتشتيت وعودة وحداتنا إلى مقراتها.» ليتبيّن بأن المجموعات العربية المسلّحة من التنظيمات الإرهابية وحلفائها في المعارضة والتجمعات القبلية قد شنّت هجوماً واسعاً على قوات حماية الشعب وأوقعت فيها خسائر هائلة وأرغمتها على الانسحاب من المواقع التي بلغتها وسيطرت عليها. وأنّ تلك المجموعات قد بلغت مشارف قامشلو (25 كيلومتراً إلى الجنوب منها) لتبلغ تالياً قذائف هاوناتها قلب كبرى مدن غرب كوردستان.
ألا يحقّ لنا أن نتساءَل عن الحكمة في شنّ هذه المعركة؟ ألم يتوقّع المخططون والمقرّرون أن تدبّ الحميّة والعصبية القبليتين في أبناء تلك المناطق لتتوحّد كلّ القوى المسلحة بغضّ النظر عن تبايناتها الأيديولوجية والسياسية في ما ستعتبرها صراعاً قومياً لا سياسياً؟ هل راهن الممسكون بالقرار على تدخّل قوات النظام ضدّ تلك الجماعات؟ خاصّة وأننا قرأنا كلاماً لمقرّبين من الاتحاد الديمقراطي يبررون الانسحاب بتغاضي النظام عن حشود الجماعات المسلّحة وعدم التدخّل ضدّها وبتعاون القبائل العربية الحليفة للنظام مع الجماعات المسلّحة ضدّ قوات YPG.
إنّ الاخفاق الدبلوماسي في قرطبة والهزيمة العسكرية في تل حميس هما نتيجة واحدة للخيار السياسي المبني على ضرورات ومحدّدات صراعٌ أساسي بالنسبة للكورد في شمال كوردستان وحركته السياسة وعلى رأسها حزب العمال الكوردستاني، لا المبني على مصالح الشعب الكوردي في سوريا وحقوقه المشروعة التي لا يمكن ضمانها وتأمينها إلاّ من خلال توفير عناصر القوّة الذاتية والتفاهم مع القوى السياسية السورية التي ستكون فاعلة في العملية السياسية في سوريا ما بعد التغيير.
تبقى النقطة الأهمّ هي أنّ الإخفاق والهزيمة يتطلّبان في الحالات الطبيعية إجراء مراجعة نقدية حقيقية للخيارات والرهانات السياسية المعتَمدة إلاّ أنّهما في ظلّ هيمنة العقل الشمولي يدفعان نحو المزيد من التشدّد والإقصاء والتخوين ودائماً باسم دماء الضحايا، فالتاريخ يُنبئنا بأنّ المستبدّ المهزوم أشد قمعاً وفتكاً!
لكنّ السؤال هو: لماذا لم تدبّ الرأفة بالشعب السوري في قلب السيّدة سينم إلاّ بعد أن وصلت إلى قلب (أحد رموز المجد العربي الزائل) قرطبة؟
لماذا تحمّلت السيّدة سينم محمد مشقّة الأسفار وقطعت الأميال قاصدة مؤتَمَراً لمعارضة إقصائية رأفت بها السيّدة سينم ولم تنعتها بـ «الأردوغانية العميلة التي تشكّل المظلّة السياسية لتنظيمات القاعدة الإرهابية»؟ طبعاً اتّهام كلّ أطياف المعارضة (باستثناء جماعة شيخ الوطنيين الديمقراطيين في هذا العصر، حسن عبد العظيم) بالأردوغانية والعمالة لا يعبّر عن عقلية اتّهامية!
ثمّ، إذا كان التيار الذي تمثّله الرئيسة المشتركة لمجلس شعب غرب كوردستان يمثّل الخط الثالث المفارق للنظام والمعارضة على حدٍّ سواء، لماذا قرّر أصلاً المشاركة في مؤتمرٍ للمعارضة؟ هل هذا التيار على بعدٍ واحدٍ من النظام والمعارضة أم على قربٍ واحدٍ منهما؟
إنّ هذه العقلية الاتّهامية التي انطلق منها حزب الاتحاد الديمقراطي منذ اللحظة الأولى لانطلاق شرارة الانتفاضة السورية السلمية في التعامل مع المعارضة السورية التي شخّص الاتحاد الديمقراطي تناقضه الرئيسي معها لا مع النظام السوري وذلك انطلاقاً من استراتيجية لا تمتّ بصلة إلى مصالح الشعب الكوردي في سوريا ومطالبه وحقوقه المشروعة وإنّما تنبع من أولويات صراع حزب العمال الكوردستاني مع تركيا وأحلام استعادة العلاقة الحميمية المفقودة مع النظام السوري، هذه العقلية التي وضعت كلّ المعارضة السورية في السلّة «الأردوغانية العميلة التي تشكّل المظلّة السياسية لتنظيمات القاعدة الإرهابية» هي التي عزلت حزب الاتحاد الديمقراطي عن المعارضة وحشرته في زاوية الاتّهام بالولاء للنظام والعمل وفق أجنداته والائتمار بأوامره إلى أن بلغت الأمور في قرطبة الإسبانية (وليس في استانبول الأردوغانية) درجة أنّ مجرّد حضور من يُحسَب على حزب الاتحاد الديمقراطي مؤتمراً تشاورياً يثبّت عليه شبهة الارتباط بالنظام السوري.
وإذا كان الإخفاق في قرطبة خفيف الوطأة رغم دلالاته، فإنّ الهزيمة في معركة تل حميس وتل براك كانت شديدة الوطأة إنسانياً قبل كلّ شيء حيث فقد العشرات من الشبّان والشابات الكورد حياتهم في معركة لم يستطع أحد من المخططين لها والقائمين عليها أن يسوق المبررات المقنعة لشنّها.
سبقت هذه المعركة عملية ضمّ كتيبة معروفة بولائها للنظام وتضمّ أفراداً من العشائر العربية القاطنة لتل حميس وأريافها إلى وحدات حماية الشعب YPG نُقِلَت مراسيمها على شاشة قناة روناهي وأورد منتسبوها ومنتسباتها مقولات محفوظة عن ظهر قلب لزعيم حزب العمال الكوردستاني (القائد آبو) ورافقتها تحليلات مفرطة في التباهي بالخبرة (العسكرية الاستراتيجية) بلغ الشطط ببعضها حدّ الادّعاء بأن معركة (تحرير) تل براك وتل حميس هي خطّة استراتيجية من قيادة وحدات حماية الشعب YPG لتأمين ظهر قواتها من هجمات الجماعات الإرهابية تمهيداً للانقضاض على قوات النظام في قامشلو وتحرير عاصمة (الإدارة الذاتية) وقد أعلنت وسائل الإعلام التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD سيطرة قوات YPG على بلدة تل براك تماماً واستعداد هذه القوات لشنّ هجوم من ثلاثة محاور على تل حميس لتحريرها لنُفاجأ ببيان صادرٍ عن القيادة العامّة لوحدات حماية الشعب بتاريخ السادس من يناير تُبيّن فيه » بأن جميع الإشاعات والأنباء التي تحدثت، عن نية وحدات حماية الشعب من تحرير مدينتي ( تل حميس ،وتل براك) والاستقرار فيها لا أساس لها من الصحة وبعيدةٌ عن موقفنا الرسمي» وتعلن فيه « انتهاء حملة الردع والتشتيت وعودة وحداتنا إلى مقراتها.» ليتبيّن بأن المجموعات العربية المسلّحة من التنظيمات الإرهابية وحلفائها في المعارضة والتجمعات القبلية قد شنّت هجوماً واسعاً على قوات حماية الشعب وأوقعت فيها خسائر هائلة وأرغمتها على الانسحاب من المواقع التي بلغتها وسيطرت عليها. وأنّ تلك المجموعات قد بلغت مشارف قامشلو (25 كيلومتراً إلى الجنوب منها) لتبلغ تالياً قذائف هاوناتها قلب كبرى مدن غرب كوردستان.
ألا يحقّ لنا أن نتساءَل عن الحكمة في شنّ هذه المعركة؟ ألم يتوقّع المخططون والمقرّرون أن تدبّ الحميّة والعصبية القبليتين في أبناء تلك المناطق لتتوحّد كلّ القوى المسلحة بغضّ النظر عن تبايناتها الأيديولوجية والسياسية في ما ستعتبرها صراعاً قومياً لا سياسياً؟ هل راهن الممسكون بالقرار على تدخّل قوات النظام ضدّ تلك الجماعات؟ خاصّة وأننا قرأنا كلاماً لمقرّبين من الاتحاد الديمقراطي يبررون الانسحاب بتغاضي النظام عن حشود الجماعات المسلّحة وعدم التدخّل ضدّها وبتعاون القبائل العربية الحليفة للنظام مع الجماعات المسلّحة ضدّ قوات YPG.
إنّ الاخفاق الدبلوماسي في قرطبة والهزيمة العسكرية في تل حميس هما نتيجة واحدة للخيار السياسي المبني على ضرورات ومحدّدات صراعٌ أساسي بالنسبة للكورد في شمال كوردستان وحركته السياسة وعلى رأسها حزب العمال الكوردستاني، لا المبني على مصالح الشعب الكوردي في سوريا وحقوقه المشروعة التي لا يمكن ضمانها وتأمينها إلاّ من خلال توفير عناصر القوّة الذاتية والتفاهم مع القوى السياسية السورية التي ستكون فاعلة في العملية السياسية في سوريا ما بعد التغيير.
تبقى النقطة الأهمّ هي أنّ الإخفاق والهزيمة يتطلّبان في الحالات الطبيعية إجراء مراجعة نقدية حقيقية للخيارات والرهانات السياسية المعتَمدة إلاّ أنّهما في ظلّ هيمنة العقل الشمولي يدفعان نحو المزيد من التشدّد والإقصاء والتخوين ودائماً باسم دماء الضحايا، فالتاريخ يُنبئنا بأنّ المستبدّ المهزوم أشد قمعاً وفتكاً!