محمود عباس
هذه القطعة الجغرافية لها وجودها المتكامل بتاريخها وديمغرافيتها، فكانت على المعارضة، ألا تنجرف مع الانتهازيين والنخبة العروبية من الوطنيين المرضى نفسيا، وتستمر في مساندة الكرد بتبيانهم لمنطقتهم الكردستانية ضمن الإطار السوري، وتستفيد من أبعادها الثقافية الوطنية التي تمتن العلاقات الثورية بين الشارع الكردي والعربي من ساحات درعا وكفرنبل إلى عاموده وديركا حمكو، يوم انعدمت بينهم المسافات، وجمعتهم الأهداف والقيم الثورية، على بنية التلاقي الإرادي وارتدادات صدى صرخات الشباب الثائر والرغبة المشتركة في بناء سوريا المستقبل.
الشارع الثوري كان مقتنعاً آنذاك أن غرب كردستان حقيقة جغرافية ثورية قبل أن تكون قومية، ووطنية لا تتعارض والوجود اللامركزي، وتدعم النظام الاتحادي الاختياري الفيدرالي، والمفاهيم التي تظهر (غرب كردستان) على بنيتها اليوم تفند منطق النخبة المشوهة حول تقسيم سوريا أو داعمي ثقافة السلطة المركزية الموبوءة حول أبعاد الكرد الانفصالية.
شريحة داخل المعارضة، مناهضي النظام اللامركزي، معتمي شعار إسقاط النظام، سلبوا الثورة بدراية وتخطيط، وسيطروا على المسيرة في كثيره، يعارضون الحريات الأثنية أو المذهبية، مطلقهم لا يحيد عن المادتين الثانية والثامنة في الدستور السوري البعثي، فعروبة سوريا وسنيتها، أصبح شغلهم الشاغل، يتكالبون على مطالب الكل الأخر السوري لتهميشها.
في الوقت الذي تعصف بالشعب السوري الويلات، تنحصر غايتهم في السلطة وحدها، سلبها تبقى هدفهم النهائي، تسيل لعابهم على إحلال طاغية مكان طاغية، النظام لا يتعرضون له، والدستور يتحدثون في تعديل بعضه المطروح حسب نزعتهم الإلغائية، العربية السنية، حيث الأنا المفضلة، وامتلاك الوطن دون الأخرين.
لا حاجة لهم بتغيير الثقافة والنظام السياسي، فالكرسي أهم، وسيبقى هدفاً مركزيا بعنجهية، فقط الإنسان المتآله أبن الأسد، الجالس على عرش سوريا، سيبدل بشكل متجهم ولحية، أو بفكر بعثي عروبي سني عنصري مع لحية قابعة في إحدى زوايا العقل الباطن.
اللامركزية السياسية، والأنظمة الحضارية كالفيدرالية، في ثقافة معارضة الإسلام السياسي أو البعث السني، خيانة للوطن، ينعتونها ويدمجون النظام بطوباوية تقسيم سوريا، وهم على دراية تامة بعمق المغالطة في هذا الخلط المبطن والتضارب السياسي الثقافي، والتي تعكس بدورها بين أهداف الثورة وغايات النخبة العروبية في المعارضة، مثلما لبسها الدكتور كمال اللبواني حاضراً، وسابقاً الشريحة المتآلفة معه نهجاً ضمن المعارضة.
فهم يريدونها سورية تصنع الطغاة، يجاهدون من أجل عالم لا يرضى إلا بأنظمة المفاهيم القدرية، حيث الطغيان والظلم في محمية شرائع إلهية، ولا يتلاءم غيره والنهج السني في الحكم وتسيير أمور الأمة، علماً بأنهم يدركون تماما أن الاستمرار في تعريب سوريا بمطلقها، على نهج البعث، متراس يحمله الضعاف من الناس نفسية، مسندة بدراية وثقافة وفكر عال لكنه موبوء.
والأغرب منه أنهم يتبجحون ضمن قاعات المؤتمرات ويتعاملون مع شرائح سوريا الغير عربية أو سنية كرَبُ سوريا القادمة.
الكرد هم النسيج الأكثر تعرضا للتهجم من قبل هذه النخبة المريضة، فكان احتماء الشعب الكردي بالمنطقة، مبني على تكتيك خاص في الصراع لم تبعدهم يوما عن الثورة أو المعارضة الصادقة مع الشعب السوري وثورته، وبرز بين الأحزاب دون الشباب الثوري مفهوم التحييد، على منطقة غرب كردستان، فعلى خلفية الاتهامات الموجهة للحراك الثوري الكردي والتعتيم على نشاطاتهم مع الانتهازية والتجافي ، ظهرت في (غرب كردستان) المرفوضة، المواقف المتضاربة بين الحراك الكردي ذاته، حول الثورة والبعدين القومي والوطني، وظهرت ضمن ساحاتها نقاشات اتجهت إلى كيفية خلق الأفضلية في خدمة الثورة وإسقاط النظام لا البحث بانتهازيه عن السلطة، باستثناء الأحزاب الكردية التي لم تكن اقل انتهازية (رغم التبرير المذكور سابقاً) من معظم المعارضة العروبية والشخصيات المريضة نفسياً.
وفي اللحظة الجارية تكالبت الاتهامات من المعارضة، وبشكل خاص من النخبة العنصرية في الائتلاف و بصمت الأحزاب الكردية المشتركة، على الإعلان الأخير الصادر من حزب الاتحاد الديمقراطي حول الإدارة المدنية المرحلية، دمجوا تنديدهم وتهجمهم عليه بمصير غرب كردستان وبالتسمية، خلطت الأوراق ببعضها، تنقلوا ما بين تقسيم سوريا والانفصال، شهروا بالاسم الذي تعرف به جغرافية المنطقة ( غرب كردستان ) وبينوها على أنها خيانة وطنية، كما كانت عليها منطق السلطة الشمولية، وصل ببعضهم باتخاذ موقف من كلية الشعب الكردي، كعدم تشكيل جبهة معارضة معهم، فظهر استنساخ لثقافة البعث، ولطغيان السلطة الأسدية الشمولية ببشاعتيهما في مدارك النخبة المعارضة العروبية المحركة للصراع.
هذا النهج كان دارجاً بين المعارضة ومثاراً في كل مؤتمر في وجه القوى الكردية، لذلك كانت ردات الفعل الكردية متنوعة، وبسويات مختلفة، منها ابتعاد ألـ ب ي د عن المعارضة الخارجية، وتشكيلها لمعارضة الداخل، وتحالفها إلى حد ما مع السلطة، استراتيجية ناجحة أم خاطئة، تعتمد على مدى شفافية المعارضة العربية، وتعتمد على منطق النسبية في أبعادها الوطنية والقومية.
فالإدارة الانتقالية المدنية المطروحة حاليا لمناطق (غرب كردستان) ظهرت على أبعاد هذا التعامل، لا شك أنها تحمل العديد من السلبيات، لكنها لا تخلو من إيجابيات قومية حتى ولو كانت هشة بالرغم من أن بعضها في صالح السلطة، لكن الخطوة في عموميتها جواب للمعارضة التي تتحس من تسمية (غرب كردستان) وتثبت لها أن الجغرافية لها حضورها بمصطلحها القومي والوطني، وإن أختلف المصطلح بين الكرد، بناءً على أبعاد سياسية وعلاقات وطنية وقومية بين الوطنين، سوريا وكردستان، الذي يرى الكردي نفسه منتمياً إليهما، كانتماء العربي إلى الوطنين.
د.
محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية