غرب كردستان لدى البعض من المعارضة السورية

د.

محمود عباس

 

 غرب كردستان، المنطقة  تقع في شمال وشمال شرق سوريا، ممتدة من جبل الأكراد إلى حدود العراق، بمساحة تقدر بضعفي مساحة لبنان وتقدر بحدود 28 ألف كيلو متر مربع، بزيادة أو نقصان، كتسمية أو مصطلح جغرافي لها جذورها التاريخية، لن نلقي بالأضواء على ماضيها الغابر، فحاضرها هو المثار بين قوى المعارضة قبل أعداء الثورة كالسلطة الشمولية التي همشتها على مدى عقود من الزمن، وأرغمت شعبها على الكتمان عليها، لكنها بقيت حية في اللاشعور الكردي القومي والوطني.
 ظهورها اليوم إلى العلن، من ضمن النتائج الإيجابية العديدة للثورة السورية والتي كثيرا ما تتهم من قبل البعض المتذبذب من المعارضة بأنها ذابت في الصراعات المذهبية، مثلما يريدون تمييع الوجود القومي الكردي من جغرافية سوريا أو من الأبعاد الكردستانية، متناسين أن نتائج الثورة على الساحتين الوطنية والسياسية أوسع من أن تقزم بيد الانتهازيين وتسلب بجهود المارقين.

هذه القطعة الجغرافية لها وجودها المتكامل بتاريخها وديمغرافيتها، فكانت على المعارضة، ألا تنجرف مع الانتهازيين والنخبة العروبية من الوطنيين المرضى نفسيا، وتستمر في مساندة الكرد بتبيانهم لمنطقتهم الكردستانية ضمن الإطار السوري، وتستفيد من أبعادها الثقافية الوطنية التي تمتن العلاقات الثورية بين الشارع الكردي والعربي من  ساحات درعا  وكفرنبل إلى عاموده وديركا حمكو، يوم انعدمت بينهم المسافات، وجمعتهم الأهداف والقيم الثورية، على بنية التلاقي الإرادي وارتدادات صدى صرخات الشباب الثائر والرغبة المشتركة في بناء سوريا المستقبل.

الشارع الثوري كان مقتنعاً آنذاك أن غرب كردستان حقيقة جغرافية ثورية قبل أن تكون قومية، ووطنية لا تتعارض والوجود اللامركزي، وتدعم النظام الاتحادي الاختياري الفيدرالي، والمفاهيم التي تظهر (غرب كردستان) على بنيتها اليوم تفند منطق النخبة المشوهة حول تقسيم سوريا أو داعمي ثقافة السلطة المركزية الموبوءة حول أبعاد الكرد الانفصالية.

    شريحة داخل المعارضة، مناهضي النظام اللامركزي، معتمي شعار إسقاط النظام، سلبوا الثورة بدراية وتخطيط، وسيطروا على المسيرة في كثيره، يعارضون الحريات الأثنية أو المذهبية، مطلقهم لا يحيد عن المادتين الثانية والثامنة في الدستور السوري البعثي، فعروبة سوريا وسنيتها، أصبح شغلهم الشاغل، يتكالبون على مطالب الكل الأخر السوري لتهميشها.
   في الوقت الذي تعصف بالشعب السوري الويلات، تنحصر غايتهم في السلطة وحدها، سلبها تبقى هدفهم النهائي، تسيل لعابهم على إحلال طاغية مكان طاغية، النظام لا يتعرضون له، والدستور يتحدثون في تعديل بعضه المطروح حسب نزعتهم الإلغائية، العربية السنية، حيث الأنا المفضلة، وامتلاك الوطن دون الأخرين.

لا حاجة لهم بتغيير الثقافة والنظام السياسي، فالكرسي أهم، وسيبقى هدفاً مركزيا بعنجهية، فقط الإنسان المتآله أبن الأسد، الجالس على عرش سوريا، سيبدل بشكل متجهم ولحية، أو بفكر بعثي عروبي سني عنصري مع لحية قابعة في إحدى زوايا العقل الباطن.
  اللامركزية السياسية، والأنظمة الحضارية كالفيدرالية، في ثقافة معارضة الإسلام السياسي أو البعث السني، خيانة للوطن، ينعتونها ويدمجون النظام بطوباوية تقسيم سوريا، وهم على دراية تامة بعمق المغالطة في هذا الخلط المبطن والتضارب السياسي الثقافي، والتي تعكس بدورها بين أهداف الثورة وغايات النخبة العروبية في المعارضة، مثلما لبسها الدكتور كمال اللبواني حاضراً، وسابقاً الشريحة المتآلفة معه نهجاً ضمن المعارضة.

فهم يريدونها سورية تصنع الطغاة، يجاهدون من أجل عالم لا يرضى إلا بأنظمة المفاهيم القدرية، حيث الطغيان والظلم في محمية شرائع إلهية، ولا يتلاءم غيره والنهج السني في الحكم وتسيير أمور الأمة، علماً بأنهم يدركون تماما أن الاستمرار في تعريب سوريا بمطلقها، على نهج البعث، متراس يحمله الضعاف من الناس نفسية، مسندة بدراية وثقافة وفكر عال لكنه موبوء.

والأغرب منه أنهم يتبجحون ضمن قاعات المؤتمرات ويتعاملون مع شرائح سوريا الغير عربية أو سنية كرَبُ سوريا القادمة.
   الكرد هم النسيج الأكثر تعرضا للتهجم من قبل هذه النخبة المريضة، فكان احتماء الشعب الكردي بالمنطقة، مبني على تكتيك خاص في الصراع لم تبعدهم يوما عن الثورة أو المعارضة الصادقة مع الشعب السوري وثورته، وبرز بين الأحزاب دون الشباب الثوري مفهوم التحييد، على منطقة غرب كردستان، فعلى خلفية الاتهامات الموجهة للحراك الثوري الكردي والتعتيم على نشاطاتهم مع الانتهازية والتجافي ، ظهرت في (غرب كردستان) المرفوضة، المواقف المتضاربة بين الحراك الكردي ذاته، حول الثورة والبعدين القومي والوطني، وظهرت ضمن ساحاتها نقاشات اتجهت إلى كيفية خلق الأفضلية في خدمة الثورة وإسقاط النظام لا البحث بانتهازيه عن السلطة، باستثناء الأحزاب الكردية التي لم تكن اقل انتهازية (رغم التبرير المذكور سابقاً) من معظم المعارضة العروبية والشخصيات المريضة نفسياً.
  وفي اللحظة الجارية تكالبت الاتهامات من المعارضة، وبشكل خاص من النخبة العنصرية  في الائتلاف و بصمت الأحزاب الكردية المشتركة، على الإعلان الأخير الصادر من حزب الاتحاد الديمقراطي حول الإدارة المدنية المرحلية، دمجوا تنديدهم وتهجمهم عليه بمصير غرب كردستان وبالتسمية، خلطت الأوراق ببعضها، تنقلوا ما بين تقسيم سوريا والانفصال، شهروا بالاسم الذي تعرف به جغرافية المنطقة ( غرب كردستان ) وبينوها على أنها خيانة وطنية،  كما كانت عليها منطق السلطة الشمولية، وصل ببعضهم باتخاذ موقف من كلية الشعب الكردي، كعدم  تشكيل جبهة معارضة معهم، فظهر استنساخ  لثقافة البعث، ولطغيان السلطة الأسدية الشمولية ببشاعتيهما في مدارك النخبة المعارضة العروبية المحركة للصراع.

هذا النهج كان دارجاً بين المعارضة ومثاراً في كل مؤتمر في وجه القوى الكردية، لذلك كانت ردات الفعل الكردية متنوعة، وبسويات مختلفة، منها ابتعاد ألـ ب ي د عن المعارضة الخارجية، وتشكيلها لمعارضة الداخل، وتحالفها إلى حد ما مع السلطة، استراتيجية ناجحة أم خاطئة، تعتمد على مدى شفافية المعارضة العربية، وتعتمد على منطق النسبية في أبعادها الوطنية والقومية.
  فالإدارة الانتقالية المدنية المطروحة حاليا لمناطق (غرب كردستان) ظهرت على أبعاد هذا التعامل، لا شك أنها تحمل العديد من السلبيات، لكنها لا تخلو من إيجابيات قومية حتى ولو كانت هشة بالرغم من أن بعضها في صالح السلطة، لكن الخطوة في عموميتها جواب للمعارضة التي تتحس من تسمية (غرب كردستان) وتثبت لها أن الجغرافية لها حضورها بمصطلحها القومي والوطني، وإن أختلف المصطلح بين الكرد، بناءً على أبعاد سياسية وعلاقات وطنية وقومية بين الوطنين، سوريا وكردستان، الذي يرى الكردي نفسه منتمياً إليهما، كانتماء العربي إلى الوطنين.
د.

محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…