يقول المفكر الفرنسي جان جاك روسّو: (إذا أردتم رجالاً عظاماً فعلموا المرأة ما هي الفضيلة وما هي العظمة) نعم ، وبلا مكابرة ، وانطلاقاً من الواقع ، وانسجاماً مع ما يقره العقل ، ويؤكده المنطق ، ومع ما يسطره التاريخ في صفحاته الكثيرة ، يجب أن لا ينكر أحد ما للمرأة من دور هام ورئيسي في هذه الحياة فهي عندما تهز السرير بيمينها ، قد تهز العالم بيسارها من خلال تربيتها وسهرها وشقائها من أجل غرسة المستقبل هذه ، وإدراكها لأهمية هذا الجنين وخطورته ، ومن خلال تنشئتها له ، فهو الذي قد يترك بصمة واضحة على صفحة الحياة ، فقد يكون بذرة الفضيلة والخير ، وقد يكون كذلك بذرة الرذيلة والشر ، وصفحات التاريخ تكتظ بمثل هذه النماذج المختلفة التي كرست الخير وناضلت في سبيل تحقيقه ، كما شجعت على الشر وساندته ليكون نداً للخير ومتصدياً له دائماً ، ولم ينقطع الصراع بين الخير والشر منذ بدء الخليقة وحتى الآن ، ولذلك انصبت جهود البشر منذ البداية على كيفية إعداد هذه النبتة (الطفل أوالطفلة) بشكل سليم فانصرفوا إلى الاهتمام بحاضنته الأولى الأم ، مدركين ما للمرأة من دور هام وخطير وقد كان المفكر الجزائري عبد الحميد بن باديس على حق عندما أدرك حقيقة وأهمية العناية والاهتمام بشجرة المستقبل عندما قال قولته المشهورة 🙁إذا علمت ولداً تكون قد علمت فرداً وإذا علمت بنتاً تكون قد علمت أسرة بل أمة) .
ولم ينس المفكر المصري محمود تيمور أن يدلو بدلوه في هذا المجال ، فيكتشف أن الأدباء والفنانين هم ثمار هذه الشجرة المباركة عندما يحسن الناس في البداية الاهتمام بها وهي غرسة ، فيتعهدونها بالرعاية والعناية والمحبة ، فقال هذه العبارات المعبرة : (المرأة ملهمة الأديب والفنان في كل مكان ، فكيف يشذ الأمر في مجتمعنا ؟ وإن البحث الدقيق في حياة الأدباء والفنانين ليكشف عن جوانب فيها للمرأة وحي وتأثير خاص أو عام) كما يذكر التاريخ وبكل صراحة ووضوح أن المدنية في جميع مراحل تكونها وتنشئتها ،لم تقم على أكتاف الرجال وحدهم ، وأن المرأة كانت دائماً رديفاً للرجل وسنداً ودعماً قويين له.
يقول مارون عبود في هذا المجال : (يظن البعض أن المدنية والرقي قاما على أكتاف الرجال ، أما الواقع فيكذب هذا الزعم ، فإذا عدنا إلى فجر التاريخ رأينا المرأة والرجل : آدم وحواء ، إبراهيم وهاجر ، راحيل ورفقة ، يضربان معاً في مجاهل الأرض عرضاً وطولاً ، وكم رأينا الرجل عاجزاً في بعض الميادين فتجاهد المرأة وتحفظ الأمة والوطن) .
لذلك نطلق دعوتنا الصادقة لكل الآباء والأمهات للاهتمام بشكل ملحوظ بهذه الزهرات اليانعات لأنهن سيتحكمن بعدة المستقبل ، مراعين في الوقت عينه أن لا يفهم من كلامنا أننا ندعو إلى إهمال الأبناء ، أبداً فنحن نتفق تماماً مع عباس محمود العقاد عندما يقول : (لا ينبغي أن يقتصر الغرض من تربية البنت على تعليمها كيف تكون زوجة ، إلا إذا كنا نعلم الفتى في المدارس كيف يكون زوجاً فقط) .
وأخيراً وليس آخراً : إن كل العظام والقادة والأبطال والمفكرين ، وكل الطواغيت والجبابرة والمستبدين هم بالنهاية أولاد نساء تحكمت فيهم التربية وصنفتهم هذه التصنيفات فتوزعوا بين خيرين وشريرين ، وبين من تنطبق عليهم توصيفات أخرى ، وقديماً قالوا : (يختبر الذهب بالنار وتختبر المرأة بالذهب ويختبر الرجل بالمرأة) فعلينا إعادة النظر في مكانة المرأة من جديد ، والنظر إليها بعين الاحترام على أنها النصف الثاني المكمل لشخصية ورجولة الرجل ، واحترام خصوصيتها ، فقد كانت على الدوام وعبر التاريخ هي من تضخ القوة في الرجل ليبرز في مجال ما ، أما هذه التراكمات التي تكدست فوق بعضها بفعل مرور الدهور عليها والتي انطلق معظمها من النظرة الذكورية فقط فيجب إعادة النظر فيها لإنصاف هذا الكائن الخطر ، وإفساح المجال له ليؤدي دوره الإيجابي في الحياة ، فمازالت الأنثى في بلادنا تدفع وحدها ضريبة العبث والطيش والرعونة التي يكون مصدرها الرجل ودون أن يشعر بالمسؤولية ، وبخطورة ما يترتب على عبثه هذا من أعمال قد تؤدي إلى هلاك المرأة ، كما علينا أن نتخلى عن النظرة الدونية إلى المرأة فلا ننظر إليها على أنها (الأرض التي يشقها الرجل بمحراثه) وهي الوعاء الوحيد للإنجاب والإنجاب فقط ، بل هي مستقبل العالم كما تنبأ بذلك الشاعر الفرنسي لويس أراغون ، ولا ننسى أن كل عمل مجيد وعظيم أساسه المرأة ، لأن المرأة الجادة (تعمل من أجل المستقبل وتنسى الحاضر والماضي) .
تحية إلى المرأة أينما كانت ، وفي أي موقع ومجال ، عاملة ، ومربية ، ومعلمة ، وأديبة ، وقائدة ، وأماً وأختاً ، وزوجة .
وكل عام وجميع نساء العالم بألف خير .
8 آذار 2007