القضية الكردية ومساومات المحاور السياسية

  عبدالرحمن كلو

جدل كبير في الآونة الأخيرة عن الاتفاق المبدئي بين المجلس الوطني الكردي والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ، حيث استنفرت الكثير من القوى والأقلام  للدفاع مرةً عن الاتفاق ومرة أخرى تطعن في مصداقية مضمونه، كل بحسب المحور الذي ينتمي إليه أو بتعبير أدق كل بحسب موقفه السياسي من المعارضة والنظام ومن خلال المواقع الحزبية والاصطفافات المحاورية القائمة بقي الجدل محتدماً، حتى اختلط الأمر بهم بحيث أصبح حلفاء الأمس أعداء واليوم، والعكس بات صحيحاً، 
و وصل الأمر الى جرأة البعض في تفسير ما يتعلق بالقضية الكردية على انه يمثل كامل طموحات الشعب الكردي، أو كما جاء على لسان احد الزعامات- من الموقعين على الاتفاق- إن ما جاء في الاتفاق هو تعبير عن كامل الحقوق المشروعة للشعب الكردي المنصوصة عليها في البرامج السياسية للأحزاب الكردية, ومن خلال واقع تلك الاصطفافات والخنادق الحزبية نجد أن التأويلات والشروحات التي اعقبت التوقيع ابتعدت كثيراً عن نص الاتفاق ومضمونه الذي جاء بلغة عربية واضحة لا تحتاج أصلاً الى البحث في القواميس، ومن أجل تبرير المواقف الحزبية ومواقعها سمح البعض لنفسه أن يدخل في متاهات لغوية مشوشة ومشوهة، بل الأكثر من ذلك ابتعد السجال عن مضمون الاتفاق الى درجة العودة للحديث في الخلافات الحزبية وتداعيات هذه الخلافات والاسهاب في الشرح لتمجيد هذا المحور او ذاك وكأن المحور الذي هو فيه يمثل الحالة الشرعية ، او هو من يقرر صياغة طموح الخطاب السياسي الكردي ، من خارج الجغرافيا والتاريخ، وبناءً على هذه المواقف الحزبية الارتجالية و اللامسؤولة، كان الموقف بالأمس من إعلان  دمشق وإعلان حلب الذي لم يخرج الى النور من بعده ، هنا وفي هذه المرحلة المصيرية الدقيقة يأتي اهمية الفهم الموضوعي والصحيح للمعادلة السياسية على الساحة الاقليمية والسورية، وذلك لتجنب مباركة اتفاقات ربما عصيت على فهمنا أو ربما نكون قد قدمنا  تنازلات مجانية على حساب حقوق شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية وهذا الحق هو من خارج صلاحياتهم الحزبية ولا يملكونه اصلا لا في هذا الحور ولا في ذاك، ولنسم الأشياء بأسمائها فنحن اليوم أمام مهام تاريخية ربما تكون مفصلية في تاريخ الحركة الوطنية الكرية، لأن الشرق الأوسط برمته يخضع إلى تشريح جغرافي جديد من قبل القوى الدولية صانعة القرار، ومن هذا المنطلق يأتي أهمية البحث في اعادة صياغة اللوحة السياسية على الساحة الكردية أولا وتجاوز الأطر والتحالفات التقليدية المترهلة نحو أطر نضالية قادرة على القيام بالمهام النضالية الآنية بديناميكية منسجمة مع تغير الحدث ومفاعيله، فمن غير المعقول الإذعان لخريطة الامر الواقع والقبول بالخطاب السياسي المترهل والمتردد في معالجة القضية الكردية ومشروعيتها في المحافل الدولية، إذ لا بد من العودة الى كل الفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية للشعب الكردي والبحث في تأطير آليات عمل مستجدة بما يتناسب ومعطيات المتغيرات المتسارعة على الصعيد الدولي والإقليمي والسوري، ولن يكون ذلك إلا بتوفير القوة السياسية بمستوى مشروعية القضية مع تفعيل الجغرافيا السياسية الكردستانية في الأجزاء الأخرى لنكون أمام قضية شعب ألحق مع جزء من وطنه بدولة ناشئة وفق اتفاقات استعمارية، وحينئذ سيكون لزاماً على المجتمع الدولي أن يبحث في الحلول ومن خلال مؤسساته وعهوده ومواثيقه، أما الآن فلندع كل الاتفاقات والمساومات الحزبية في جانب آخر إلى حين، لان عدم الاتفاق والتأجيل افضل بكثير من الاتفاق على تنازلات مجانية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…