البديل في الحركة السياسية الكردية و المعارضة

مروان سليمان

جميع القوى السياسية و الثورية سواء العربية أو الكردية  في سورية تعيش حالة غير صحية لأنها تسير في طريق تحدده القيادات الحزبية فقط بدون الرجوع إلى قواعدها أو حتى محاولة بناء مؤسساتها الدستورية و لذلك لم تعش تجربة تلك الأحزاب بإختبار صحتها من خطئها على الواقع الذي تعيشه و لذلك نجد أن الجميع يسيرون في نفس القوقعة حتى لو تمكن البعض من تغيير جزئي إلا إن هذا التغيير الجزئي لا يتمكن من التغيير الكلي الذي يتحكم بمدى التغيير داخل كل حزب  أو جماعة لأنها تبقى رهينة برأي و فكر القدماء من الأعضاء فقط ولذا تبقى الأفكار البديلة حبيسة الأدمغة والأدراج، وكثيراً من هذه الأفكار تموت فى مهدها بدون أي صدى لها.
 و في ظل هذا البديل الجزئي أصبحت الحركة السياسية التي تتبع القيادات حسب الأصول التنظيمية مجرد تكملة العدد في الحزب و مجرد أفكار و آراء لا تستطيع أن تظهر في وجه المعسكر القديم أو أن تجري التغيير اللازم نظراً لإصطدامها بالفكر البالي و بذلك تصبح عاجزة عن طرح نفسها كبديل بسبب انعدام الجرأة و قلة الإمكانات في حشد الموالين لذلك التغيير المنشود و من هذا المنطلق تكون نتائج ذلك التغيير الجزئي هشة و رخوة و بسيطة تكاد لا ترى.

حتى الآن لم تتغير الحركة السياسية في سوريا مع تغيير الواقع الذي يحيط بها، حيث لا تزال تؤمن بالرجل الواحد كزعيم و حزب واحد و تتبعه الملة في جميع خطواته الصحيحة و الغير صحيحة و يتحكم بها أشخاص لا يتغيرون و إن تغيرت الوجوه التي لا تزال تؤمن بأفكار ورؤى نمطية عفا عليها الزمن مثل غياب الحكمة و إفلاس في الأفكار و الرضوخ لمشيئة الأقدار و الإرتضاء بالموجود و فقدان الثقة و الأمل بالخطط المستقبلية سواء الآنية منها أو البعيدة و هكذا تضيع سنوات كثيرة في عمر شعوبنا و لا يزال الإحتفاظ بالأفكار القديمة و تجديد المسؤولية و حب القيادة يطغى على تفكيرهم اليومي و إن استمرت هذه الحالة فإننا نقف على أبواب الفشل ليتفشى المرض و الركاكة و الهشة سواء في المجتمع أو الحركة السياسية بشكل عام.
في هذا الواقع الذي يفرض نفسه على الجميع و في ظل سد الطرق أمام البديل المنتظر يختار الآخرون القرارات و يصادرونها و يتحكمون بالمسارات و المواقف السياسية و ما على الآخرين في القواعد إلا التقيد بها بل و يبحث البعض عن رضائهم و إرضائهم و لتجنب الآثار السلبية يرضخ الآخرون للأمر الواقع مما يزرع في النفوس اليأس من التغيير أو حتى إجراء اصلاحات ضرورية تعبر عن طبيعة المرحلة.
مع التعنت في عدم القابلية للتغيير المطلوب تفتقد الحركة إلى التجديد و الحكمة في تجنب الإنزلاق للخلافات و إلى الإدارة الناجحة في كيفية حل الأزمات و كيفية النهوض بالحركة و دفعها إلى الأمام لأخذ مكانها اللائق و مع هذا الجمود في الأفكار و عدم وجود البديل تصبح الحياة السياسية شبه متوقفة و تتسع الفجوة بين الجماهير و الحركة و تصبح القواعد الحزبية عبارة عن أتباع و مريدين ينتظرون الأوامر لتنفيذها .
صحيح أن تردي الوضع الأمني و المعيشي يلقي بظلاله على الوضع بشكل عام في الثورة السورية و لكن سوء الإدارة السياسية أيضاً يكشف ضعف حركة المعارضة و مدى التخلف السياسي لديها في محاولتها احتكار السلطة من منظور طائفي أو حزبوي و لذلك لم يتغير شئ في المفهوم الكلي فقط تم استبدال الزعيم الواحد برمز آخر يدل على الطائفية السياسية أو ما يسمى بالإسلام السياسي بسبب جمود الوعي السياسي لدى الشعوب في المنطقة و عدم تطوره مع مراحل الحياة و بسبب عدم معرفة الشعوب عما تبحث عنه بالضبط و ما تريده في هذه المرحلة و لذلك لجأت للشعارات الدينية و المطالبة بالخلافة الإسلامية التي تجد فيها جميع الحلول بغمضة العين أو بقدرة قادر و لذلك لا يمكن أن نربط تقدم الشعب و تطوره بنصوص ميتة أو جامدة  و شعارات كبيرة و التي تعتبر غير صالحة للتطبيق في هذه المرحلة.
إن الدولة في سورية يجب أن تبقى دولة مدنية لا دولة دينية حتى لا تغرق في مستنقعات الحروب الأهلية و توزع المناصب على أساس مذهبي و طائفي و هذا يؤدي إلى شطب الوحدة الوطنية من القاموس في الدولة و تتحول السلطة للطائفة القوية و للتيار ذي الأغلبية (الطائفية) الشعبية أو التي تمتلك القوة على الأرض و هذا يعود بنا إلى الوراء لتشكيل مجتمعات قبلية و عشائرية متخلفة تبحث عن مصالح القبيلة و العشيرة قبل مصلحة الوطن.

إن الحركة السياسية في سورية بعربها و كردها بحاجة إلى وضع حلول كثيرة و بدائل كثيرة لحل المشكلات المعقدة وهذا يجب ألا تتوقف الحركة السياسية عن خلق الإبداعات مهما عارضت القيادات أو عمدت على قمع الأفكار الجديدة التي تعارض مصالحها لأنهم ليسوا قدراً محتوماً للبقاء إلى الأبد لأن منع الأفكار الجديدة أو قمعها جريمة في حق الوطن و الشعب و مستقبلهما و لذلك يجب أن نأخذ بأسباب التقدم و التطور لنكون قادرين على بناء دولة قوية بفضل تماسك المجتمع الطبيعي لا القمعي أو الإجباري لمواجهة التخلف الفكري و مصادرة الرأي و تحقيق أحلام الشعب التواق إلى الحرية و العدالة و تحسين الظروف المعاشية وتصبح جميع مغانمه لصالحه وصالح الذين ضحوا من أجل تلك اللحظة لا لحساب طرف على آخر فالكل شركاء في الوطن  بمصيره و مستقبله.

23.09.2013

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…