مجزرة الكيمياوي المسمار الأخير في نعش النظام المجرم

  كلمة العدد (453) من جريدة آزادي *
بقلم: المحامي مصطفى أوسو سكرتير الحزب

 رغم أن النظام الاستبدادي الشمولي القابع على سدة في سوريا، لم يدع يوماً في مسار يوميات الثورة السورية المباركة منذ بداية انطلاقتها وحتى اللحظة الراهنة، تخلو من أي عمل من أعمال العنف والقمع والتنكيل وارتكاب مجازر القتل الجماعية في مختلف المدن والقرى والبلدات السورية.

  ولكن ما حدث في فجر يوم الحادي والعشرين من شهر أب الجاري، كان مختلفاً تماماً عن كل ما سبقه، سواء في دمويته أو في بشاعته ووحشيته أو في ساديته،
 حيث استيقظ العالم في تلك اللحظة المشئومة، مذهولاً من هول المجزرة المروعة التي ارتكبها النظام الدموي المجرم بحق أهالي غوطة دمشق، بقصفها بالغازات الكيمياوية السامة المحرمة دولياً، والتي ذهبت ضحيتها أكثر من ألف وخمسمائة شهيد من المدنيين، غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ، وأضعاف هذا العدد من المصابين والمشوهين.

  وصحيح أنها لم تكن المرة الأولى، التي يستخدم فيها هذا النظام الدموي المجرم، السلاح الكيمياوي المحرم دولياً، بحق الشعب السوري الثائر، استناداً إلى ما أكدته العديد من الأحداث والوقائع الميدانية ( خان العسل في ريف حلب، والشيخ مقصود في حلب، وغيرها من المدن السورية )، وتقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية ( الشبكة السورية لحقوق الإنسان، منظمة هيومن رايتس ووتش، منظمة العفو الدولية )، وكذلك المعلومات الاستخباراتية للعديد من دول العالم ( الولايات المتحدة الأمريكية )، إلا إن استخدمه الأخير لهذا السلاح في غوطة دمشق، كان بشكل أكثر وحشية وأوسع نطاقاً.
  إن هذه الهمجية البربرية، بالغازات السامة المحرمة دولياً بحق السكان المدنيين في غوطة دمشق، تدل بدون أدنى شك، على مدى ما وصل إليه هذا النظام القمعي المجرم من حالة الانحطاط الأخلاقي والإفلاس السياسي والانهيار الاقتصادي والعسكري، والتي تنذر بأن تكون المسمار الأخير في نعشه، كما إنها تدل أيضاً على مدى ما وصل إليه حقده وهمجيته تجاه الشعب السوري وعلى مدى تغوله في العنف والتعذيب والقتل والإجرام، وفي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأيضاً على مدى استهتاره واستهانته بالقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية.
  وأن هذه المجزرة الرهيبة، تدخل في نطاق الجرائم ضد الإنسانية، وفق أحكام المادة السابعة من النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، الذي أقر في مؤتمر روما في الخامس عشر من شهر تموز 1998 والتي أكدت: (( أنها تعني ارتكاب أعمال (عددتها نفس المادة) كجزء في اعتداء شائع أو منظم موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين مع إدراك لهذا الاعتداء )).
  ولا بد لنا من القول: على أن المجتمع الدولي، ممثلاً بالأمم المتحدة ومجلس الأمن، بتقاعسه وتهاونه في تأمين الحماية الإنسانية اللازمة للشعب السوري، وعجزه في ردع نظام الإجرام الحاكم في سوريا، عن القيام بأعمال العنف والقمع والتعذيب والقتل، وفشله في فرض الحلول السياسية عليه، الذي طالما تهرب منه النظام القمعي مرراً وتكراراً ( مبادرة الجامعة العربية، خطة كوفي أنان، مهمة الأخضر الإبراهيمي )، منذ بداية الثورة السورية المباركة وحتى لحظة ارتكابه هذه المجزرة الكيمياوية البشعة في غوطة دمشق، والتي تعتبر بحق إحدى أبشع المجازر دموية في العصر الحديث، يتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية السياسية والأخلاقية..، عما وصلت إليه الأوضاع في البلاد، إلى هذه الدرجة الكبيرة من التدهور والحالة المأساوية.
  إن ردود الفعل الدولية المختلفة والمتباينة، على ارتكاب النظام الدموي في سوريا، هذه المجزرة ضد الإنسانية، يجب أن ترتقي إلى مستوى هذا الحدث المزلزل والمجلجل، وأن لا يفلت هذه المرة أيضاً، على مشجب المصالح الدولية، من المسألة الجنائية عن انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية في سوريا، وعن خروقاته لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
  ونعتقد جازمين، أن لا شيء على الإطلاق يردع هذا النظام المجرم عن المضي في همجيته وعنجهيته وعدوانيته وتسلطه غير القوة العسكرية والتدخل العسكري الدولي لحماية الشعب السوري من بطشه وتنكيله، ون هذا النظام القاتل هو الوحيد الذي يتحمل المسؤولية الكاملة في دفع بالبلاد نحو المنزلق الخطير الذي نشهده الآن، حيث دق طبول الحرب باتت قاب قوسين أو أدنى، وأن على الدول التي تريد القيام بالضربة العسكرية، أن تدرك جيداً، أن هذا النظام القمعي، غير مؤهل للقيام بأية تسويات أو حلول سياسية، وأن لا استقرار ولا آمان في سوريا، إلا برحيله وإسقاطه وتقديمه إلى محكمة الجنايات الدولية، لمحاكمته ومحاسبته عن الجرائم التي اقترفها.
  ونعتقد أيضاً، أن المعارضة السياسية السورية، بكافة فصائلها وتياراتها وأطرها، وفي ظل هذه التطورات الهامة، مدعوة وأكثر من أي وقت آخر مضى، إلى التكاتف ورص الصفوف ونبذ الخلافات الهامشية فيما بينها، للتصدي لاستحقاقات هذه المرحلة وتحدياتها المختلفة، والعمل معاً بروح المسئولية التاريخية العالية، من أجل رسم ملامح خارطة طريق لسوريا المستقبل، بحيث تكون دولة اتحادية ديمقراطية تعددية تشاركيه، ذات نظام برلماني قائم على أسس ومبادئ الحق والعدل والمساواة..، تقر بالتنوع القومي والديني والطائفي، وتضع الضمانات القانونية والدستورية اللازمة للتآخي والتعايش المشترك في البلاد، وتقر بشكل خاص بالوجود التاريخي للشعب الكردي في سوريا، كقومية رئيسية في البلاد، وبحقوقه القومية وفق القوانين والمواثيق الدولية.

* جريدة يصدرها الاعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…