كي لا يكون الشعب الكوردي على شاكلة الشعوب الشرقية

المحامي سعيد عمر

يدرك الجميع مدى الفظاظة التي تعيشها الشعوب الشرقية نتيجة القسر والضغط الحاصل سواء من الحكومات والسلطات التي تجمع في يدها جميع السلطات, والقرارات, والأحكام, والأوامر, أو من قبل بعض الأحزاب المتنافسة في السيطرة على الشارع المؤيدة للأنظمة منها والمعارضة على حد سواء, وتمتاز تلك الأحزاب بعقلية الاستفراد والاستعلاء والمكابرة عن الاعتراف بالأخطاء, وهي تعيش حالة الانغلاق العقلي والانفلات الخلقي لأغلب القيادات, والتمزق النفسي للكوادر والعناصر الحزبية,
 والأمثلة كثيرة ومتنوعة ومنها ما يحصل في الصين وكوريا الشمالية وغيرهما, وتمتاز هذه الدول وغيرها بمحاربة المثقفين وكل ما يمت للثقافة بصلة, فتُحارب العقول حتى تضمر, وتهاجم الأفكار حتى تُستباح, تتعرض الآراء لخطر الاعتقال, وكل هذا فقط في سبيل خدمة الغايات القذرة التي لا تتجاوز مجرد بعض مصالح فردية ضيقة معدومة الإحساس بالهم القومي والوطني, في حالة تغليب للمصالح الفردية الضيقة على المصلحة العليا, وتفضيل العقل الفردي على العقل الجمعي, في حالة يُمكن وصفها بإمكانية بيع الوطن والقضية والأرض لقاء مصالح فردية ضيقة معدومة المستقبل على الصعيد الشعبي, ولعل خير مثال على ذلك محاربة هؤلاء للمفكرين والكتاب والمثقفين والمبدعين, والضغط عليهم, سواء لإفشالهم أو لثنيهم عن متابعة مسيرتهم الفكرية والعلمية والوطنية, وتخييرهم بين حالة التزلم للأشخاص, أو الاستمرار في الوضع الميئوس, وهي حالة يتمكن أي مراقب من توصيفها بشريعة الغاب, أو بصورة أدق بالحالة الحيوانية حين يحيط أحد الحيوانات المفترسة نفسه بجوقة من الحيوانات الخائفة أو المهزومة في إحدى المعارك, كما يمكن توصيفها بحالة رجل جاهل أمي يزهو بعدد النساء اللواتي تعرف عليهن في حياته, دون أن يتعب نفسه بالإجابة عن السؤال الجوهري: هل هم أيضا كانوا سعداء به.

وفي السياق ذاته, فإن تحليل الوضع السائد اليوم في المجتمعات الشرقية هي أشبه بالحالة التي كانت مُعاشة في الحقبة القروسطية من إجحاف بحق الدين والبشر والفكر والعقل و….الخ لكن المجتمع الغربي تجاوز هذه المحنة ومنذ عشرات السنين, ووضع العقل والفكر والرأي قبل أي شيء, بل إن جل ما وصلت إليه حضارة أوربا ورقيها, وتقدمها, وتطورها كان حصيلة مجموعة من الأمور المهمة, وهم لم يكتفوا بحماية الفكر وصاحبه, ولا بتطوير العقول وتأهيلها, ولا بالتركيز على أصحاب الأفكار والابتكارات, ولا بحماية المنتج وصاحب الإنتاج من الخطر أو التهديد, ولا حتى بتوفير فرص عمل تتناسب وقدرة كل شخص, بل أنهم أولاً وقبل كل شيء ركزوا على الفاشلين, وعديمي الخبرة, وأولئك الذين يعانون من تكرار خيبات الأمل والقصور الفكري والعقلي, اهتموا بمن يفشل ومن يخسر ومن يُهزم, اهتموا بمن أضاع وقته وعمره ومستقبله, اهتموا بمن لا يجيد أي شيء, وصنعوا منهم رجال وعقول وقبل كل شيء, بنَوا الإنسان وطوروه, وحدثوا من مهاراته ونمّوا مواهبه, وها هو المجتمع الغربي اليوم بات بمقدوره أن يؤمن ليس معيشة مواطنيه فحسب, بل أيضا يؤمن معيشة الشرق برمته, عبر غزوها فكرياً, وأدبيا, وثقافياً, ومنتوجياً, ولن يكون بمقدور أي دولة أن تقف في وجه هذا المد الغربي الرهيب, لأن الدول الشرقية هي من أسست لبناء هش يمكن اختراقه بسهولة ويسر, فحطمت الإنسان وأحجمت عنه تأثيرات التطور والتقدم, وحاربت في مواطنيها نزعتهم نحو الاستقلال الفكري والروحي وحتى العاطفي, وأوغلت في التقليل من قيمتهم وشأنهم بل عملت على أقناعهم بمدى صغر هيبتهم, وحطمت من إرادتهم, وهلما جرا من هذه الأمثلة التي ستؤرخ للأجيال القادمة معلنة أن دول وحكومات وأحزاب صرفت جل وقتها وميزانياتها في محاربة مواطنيها.
ونحن ككورد لسنا بعيدين عن هذه التأثيرات ولا هذه الحالات الإختراقية, بل إننا نعيش في وسط الركام الفكري الذي بسبب الحد من  قيمة النشطاء, والكتّاب, والمثقفين, والسياسيين, والمبدعين, وخاصة من فئة الشباب, وبشكل أخص الشباب الأكاديمي والمثقف.

إن نماذج عدة يمكن ذكرها عن مثقفين وكتاب ومبدعين …الخ هربوا من بطش شخصيات مريضة مكبلة بالأوهام والعاهات والعقد النفسية, همها جمع المجد بيدها, ظانة في نفسها أن التقاط اكبر قدر ممكن من الصور في مناسبات حزبية وإن لم يكن لهم أي دور في تلك المناسبات, إضافة إلى قهر الشباب الكورد وإجبارهم على التزلم لهم, يكون قد أمن لنفسه ولأسرته مكان يليق بشخصه المريض, ولدينا أمثلة عددية عن مواقف وتصرفات أدت لنتائج وخيمة نتيجة الاستفراد والتسلط والعقلية الضيقة التي ترغب بالاستفراد بكل شيء, ومنها تحجيم دور الشباب عن القيام بواجباته القومية والوطنية, ولكن لو قمنا بالرجوع قليلا إلى الوراء وتحديداً إلى فترة القائد مصطفى البرزاني سنجد كيف كان القائد يهتم بالشباب ويرعاهم, ومن بين تلك الأمثلة على رعاية القائد لجيل الشباب, دوره الريادي والرئيسي في بناء اتحاد الطلبة الكوردستاني, واليوم ها هو جناب السروك مسعود البرزاني يحمل راية الشباب ويستمر في رعاية جيل الشباب وتأكيده على أهمية وجودهم دوما في جميع المحطات, والدوائر, والمراكز, والمناصب, وهو دوماً يكرر ويقول الشباب الكوردستاني أمل الأمة الكوردية, ولعل اهتمامه بالشباب الكورد وفي الأجزاء الأربعة خير دليل على ذلك, , وحقيقة الواقع لو أردنا بناء مجتمع كوردستاني مبني على أسس علمية وسليمة وقوية, ويمكنها مجابة أي قوة ترغب في النيل من الحق القومي الكوردستاني, لابد لنا من اختيار طريق ورغبة وفكر البرزاني الأب والابن, ومن شاء ورغب في بناء مجتمع مهزوز وهش قوامه الغدر والخداع والنفاق والكذب والرياء, فما عليه سوى السير على طريق وخطى أولائك المرتدون عن نهج البرزاني الخالد.

إن مهمة المثقف الكوردي اليوم لا تقتصر فقط على الكتابة أو الشرح أو التفسير, بل إن مهمته قبل أي شيء أخر فضح ممارسات المنغلقين الأفق, والعمل على غزو المجتمع الكوردي بفكر نير, والاهتمام بالطاقات الشابة, والمواهبة الجديدة؛ لخلق سستام كوردي يتمكن من التحليق بدلاً من حالة التقهقر التي زرعتها عقول مريضة, فالمثقف الكوردي اليوم هو بمثابة جنرال في ساحة معركة الوجود أو اللا وجود الكوردي, وهو قائد الميدان, وهو من يحدد النتائج ويتنبأ بها, لذا فلزاما ًعليهم جميعاً القيام بالدور المحوري في معركة البقاء والصمود والوجود والدفاع عن شرف وحياض وكرامة الأمة الكوردية, وصيانة حضارتها, ولغتها, وتراثها, وفكرها, وبنيتها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…