مشروع دستور حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)

صالح بوزان

في البداية لست رجل قانون لإقليم دستور الإدارة الذاتية المطروح في المواقع الالكترونية.

ومع ذلك حين قرأته وجدت فيه بنوداً جيدة وبنوداً غير واضحة وأخرى تتناقض مع بعضها بعضاً.

من ناحية أخرى أعتقد أن الهدف السياسي من طرح هذا الدستور هو الأبرز، وليس الجانب التطبيقي.

وهنا تكمن مشكلة هذا الدستور.

عندما تريد طرح فكرة جديدة في السياسة عليك أن تقيم مسبقاً ماذا سيكون موقف العدو؟ وماذا يستطيع أن يفعل؟.

عليك أن تقييم موقف الأصدقاء، فهل سيقفون إلى جانبك أم سيفضون من حولك؟.

كما عليك أن تنظر إلى ردة فعل الذين يقفون في الوسط، هل سيميلون إلى جانبك أم إلى جانب أعدائك أم سوف يزدرون طرحك الجديد.

وبالنسبة لــ ب ي د صاحب المشروع، عليه أن يقيم ماذا سيكون موقف الذين لا يؤيدون سياسته من الأكراد، سواء أكانوا من الأحزاب أو التجمعات المدنية أو المثقفين والكتاب الكرد.
بتقديري أن الذين طرحوا فكرة الدستور لم يقوموا بهذا التقييم كما يجب.

من ناحية أخرى، جاءت المسألة مفاجأة للجميع.

صحيح أن ب ي د هو من طرح فكرة الإدارة الذاتية للكرد السوريين منذ بدايات الثورة.

وقد دخل هيئة التنسيق على هذا الأساس.

لكن تحويل الفكرة إلى التنفيذ بمعزل عن الشريك العربي وعن كل الأطراف الكردية وهيئة التنسيق التي هو عضو فيها يدل على تصرف منفرد على مختلف الأصعدة.

وهو يريد من الأطراف الكردية الأخرى السير وراءه وليس مشاركته في الفكرة والصياغة.

من جانب آخر سيوحد طرح هذا الدستور أعداء الكرد، ليتجاوزوا بعض تناقضاتهم الراهنة، ويتحدوا ليس ضد ب ي د فقط، بل ضد الكرد عامةً.

علينا أن لا ننسى أن التنظيمات الإسلامية في شمال سورية تحصل على المعونة والسلاح من تركيا أو من خلال تركيا، وبالتالي ستزيد الدولة التركية مساعداتها لهؤلاء الأصوليين، الذين بدورهم قد ينتقمون من الشعب الكردي ومن  ب ي د بارتكاب مجازر في المناطق الكردية إذا فشل ب ي د من حماية هذه المناطق.

فمسألة حي الشيخ مقصود في حلب خير مثال.


أما على الصعيد الكردي.

لدي اعتقاد أن الأحزاب الكردية السورية باستثناء ب ي د هي أحزاب كرتونية، ويتسكع زعماؤها في هولير كمتسولين للسياسة.

ومع ذلك فتجاهل هذه الأحزاب في هذه المسألة من قبل ب ي د يشير أن هذا الحزب الأخير يسعى لتصفية هذه الأحزاب على أرض الواقع وتحويلها، في إطار الهيئة الكردية العليا، إلى ما تشبه أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة حزب البعث.
يبدو أن شريحة من المثقفين والكتاب الكرد لم يتحمسوا لفكرة هذا الدستور.

وهم يبنون موقفهم هذا على مسألتين.

الأولى أن ب ي د يخفي بعض جوانب سياسته عن الشعب الكردي السوري.

منها العلاقة مع النظام السوري، والموقف من الثورة السوريةً، ومسألة الوطنية الكردية السورية.

والمسالة الثانية أن قضية على هذا المستوى من الأهمية ولها علاقة مباشرة بمصير شعب بكامله، لا يجوز أن يتحكم بها حزب واحد مهما كان قوياً على الأرض.

كان من الأفضل لو جرى حوار واسع من قبل كل الفعاليات الكردية قبل طرحها على الصحافة من أجل المناقشة.

إن طرح الدستور من قبل ب ي د لوحده يخلق شرخاً كبيراً في المجتمع الكردي السوري.

فالمثقفون والكتاب السوريون يشعرون بالتهميش الكلي، وكأن دورهم في المجتمع ليس سوى أن يوقعوا على ما يشرعه ب ي د.

أعتقد أن حزباً ينظر إلى كتاب ومثقفي الأمة(إلى قسم منهم على الأقل) بهذا الشكل يرتكب خطا فادحاً، بغض النظر إن كان مصيباً أو مخطئاً.

 ومن ناحية ثانية أن هذا التفرد في إعداد الدستور يعزز من تخوف المثقفين والكتاب أن وراء الكواليس ما لا يعرفونه.

فإذا كان الناس العاديون قد يسلمون مصيرهم إلى حزب ما أو قائد ما نتيجة ثقتهم بصواب سياسته، فالمثقفون والكتاب لا يؤمنون بالغيب.

هم يريدون من هذا الحزب أو القائد أن يبين بماذا يفكر وما هي إستراتيجية وتكتيك العمل.
هناك مسألة أخرى يجب توضيحها.

ظهر مشروع الدستور هذا بعد أن تسربت إلى الصحافة الالكترونية تصورات عن تشكيل دولة علوية في الساحل السوري.

وهناك من نشر خارطة هذه الدويلة.

ومن الطبيعي أن يتساءل البعض هل هناك تداخل بين هذين المشروعين؟.

أذكر هنا, عندما جرى مفاوضات بين الرئيس الأمريكي بل كلينتون وحافظ الأسد في الثمانينات من أجل إعادة جولان لسوريا مقابل الصلح مع إسرائيل، بشرط أن تتنازل سوريا عن عشرة أمتار من شاطئ بحيرة طبريا من الطرف السوري.

حينذاك اجتمع رجال الدين العلويون وبعثوا رسالة إلى حافظ الأسد طلبوا فيها أن لا يوقع على هذا الصلح لكي لا يُتهم العلويون في المستقبل بأنهم تخلوا عن هذه العشرة أمتار من الأراضي السورية.
الحكومة التي ستتشكل على أساس هذا الدستور ستكون حكومة ب ي د دون شك.

ومن خلال سنة من حكم ب ي د في المناطق الكردية نستطيع الحكم على هذه الحكومة القادمة.

فهي لن تقبل النقد والرأي الحر والتظاهر السلمي.
ورغم كل الملاحظات السابقة، فثمة إيجابيات لطرح هذا المشروع.

الأولى أن ثمة فراغ إداري في المناطق الكردية، ولا بد من شكل ما لإدارة هذه المناطق.

فبالرغم من فشل ب ي د حتى الآن لإدارة هذه المناطق سياسياً واقتصاديا، فإن شكلاً من أشكال الإدارة ضرورية.

الثانية سيكشف مشروع الدستور مدى قابلية المعارضة السورية المدنية والعسكرية للتقارب مع الحقوق الكردية.

لدي قناعة أن هذه المعارضة بطرفيها المدني والعسكري تقترب من الحقوق الكردية في سبيل تعزيز موقعها تجاه النظام السوري، أما في حال شعرت بقوتها أو انتصرت فإنها ستخفض الحقوق الكردية إلى الحد الأدنى.

وقد كشف بعض أقطابها عن هذه النوايا.

الثالثة أن الفكرة بحد ذاتها تفرض سقفاً للمطالب الكردية، سيبدأ النقاش على أساسها بعد نجاح الثورة السورية.

الرابعة أن نجاح أو فشل الثورة السورية مرتبطة إلى حد ما بالدور الكردي.

ومن حق الكرد أن يكون لديهم ما يقولونه أثناء الثورة وبعد الثورة.

وأخيراً فإن جميع الذين يصنفون هذا العمل في خانة الانفصال يعكسون خلفية شوفينية عربية كانت أو إسلامية.

لأن لا  ب ي د، ولا أي طرف كردي سوري منفرداً أو مجتمعة يستطيع إقامة دولة كردية في شمال سوريا، وذلك لعدم توفر الواقع الجغرافي والعامل الذاتي وكذلك لعدم توفر الظرف الإقليمي والدولي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…