الغربال ( 1- 3 )

توفيق عبد المجيد

ليسمح لي ورثة الأديب اللبناني المرحوم ميخائيل نعيمة أن استعير عنوان كتابه (الغربال) وهو يسلط الضوء على بعض نتاجات عصره في نقد اتسم بالموضوعية والحيادية تجاه بعض ما كان يكتب آنذاك ،فيقوم بعملية غربلة  ليفرز الغث من الثمين ، ليسمحوا لي وأنا أستعير اسم كتابه لأسقطه على واقع الحركة الكردية في سوريا ، والمحطات التي مرت بها دون أن تستفيد منها .

فأي حدث يطفو على سطح المشهد السياسي الكردي يفرض استحقاقات ، ويخلّف تداعيات ويضع الحركة الكردية بمجملها أمام تحديات وعلى المحك ، فإما أن تكون على مستوى الحدث الطارئ الذي لم يكن في حساباتها يوماً ، أو استقرأته وتوقعت حدوثه لكنها وضعته جانباً على الرف ، أو في الدروج ، وأجلت التعرض له ليقينها بأنها ليست على مستوى ما استجد .
وبعودة خاطفة إلى الوراء وتحديداً إلى عام 2004 وتحليل بعض ما أفرزته تلك الأحداث الدامية نجد أن مجمل الحركة الكردية أو معظم أحزابها في دائرة الاتهام ، لإخفاقها في قراءة ما سيطرأ على الساحة الكردية وتحديداً في قامشلو ، وهذا راجع إلى خلل في بنيتها السياسية وقصور في منظومتها التحليلية للأحداث التي كانت إحدى نتائج تحرير العراق من الدكتاتورية واستحواذ الشعب الكردي في كردستان العراق على موقع مهم كلاعب رئيسي ومؤثر على الأحداث ، ورقم أساسي في المعادلة العراقية المستقبلية ، ومن باب الحقد على الشعب الكردي والانتقام منه ارتكب القومويون والشوفينيون العرب هذه الجريمة لتلقين أبناء الشعب الكردي هذا الدرس الثأري الانتقامي وكأن الكرد هم من جلبوا الأمريكان وقوات التحالف للقضاء على النظام الصدامي في دراسة ارتجالية سطحية بعيدة عن الواقع ، ومؤسسة على ردات فعل خاطئة .
لم يستطع الغربال الكردي أن يقوم بعملية فرز قريبة من الواقع ، فقد كانت فتحاته ضيقة وصغيرة سقط منها البعض وبقي الكثيرون الذين سيسقطون في تجربة أخرى تعترض الحركة وحالة لا ينفع معها الاختباء وراء الشعارات والتستر تحت عباءات اهترأت بفعل الزمن والتقادم  لأن الحركة الكردية بمجموع أحزابها تذرعت بأنها لم تكن مهيأة لمواجهة تلك الحالة الدموية التي كانت مفاجأة لها وامتحاناً لمصداقيتها ، وكانت المعالجة أمنية ومن جانب السلطة فقط ، ولم يكترث الوفد العسكري المكلف بتهدئة الأمور، بالمطالب الكردية المشروعة العادلة ، ولم يتطرق إلى الأسباب الحقيقية والآثار والتداعيات التي خلقتها تلك الأحداث على الأرض ، ولولا الوضع الإقليمي المتدهور وبعض الإشاعات التي جاءت لمصلحة الشعب الكردي في ذلك الوقت لكان التعامل السلطوي بشكل عنيف ومختلف تماماً مع الحالة المستحدثة ، وأخفقت الحركة في أول امتحان يواجهها ، إلا في بعض البيانات والتصريحات التي كانت توقع باسم ( مجموع الأحزاب الكردية ) كما أثرت بشكل سلبي على أنشطة كانت الجاليات الكردية في الخارج قررت القيام بها لولا الإيعازات الخفية التي وصلتها من بعض الأحزاب الكردية ، فأوقفتها عن ممارسة أي عمل تراه مستفزاً لمشاعر النظام في ذلك الوقت ، وألجمت حراكها ، وحاصرته في نطاق ضيق ، كما أخفقت في المعركة الإعلامية والتغطية الحقيقية لتلك الأحداث ، ولولا الجهود الجبارة التي بذلها شباب لا ينتمون لأي فصيل كردي سوى انتمائهم للشعب الكردي وقضيته العادلة ، لما وصلت تلك الصور ومقاطع الفيديو إلى الخارج ، فقاموا بالواجب وتحت الخطر، في وقت عجزت فيه الحركة عن التعاطي مع الحدث ، وعن توظيفه  في مصلحة الشعب الكردي .
20/6/2013

 للموضوع بقية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…