الصراع على كردستان الغربية (5)

عدنان بدرالدين

كشفت أحداث عامودة الأخيرة بما نتجت عنها من عمليات قتل ممنهجة وإعتقالات كيفية بتهم مستهجنة طالت العشرات من شباب الحراك الثوري على يد الميليشيات الحزبية التابعة لحزب العمال الكردستاني ، كشفت عن الواقع الكردي البائس الذي تعيشه كردستان الغربية من أقصاها إلى أقصاها تحت سلطة الأمر الواقع التي يمثلها حزب الإتحاد الديمقراطي الأوجلاني الهوى والتوجه وملحقاته العديدة التي هي في الواقع ليست أكثر من أسماء متعددة لمسمى واحد ، وذلك في تحالف غير معلن مع بعض التيارات السياسية الكلاسيكية الكردية التي إرتضت لنفسها أن تسير في ركاب “الحزب القائد” مقابل مناصب ومكاسب حزبية زهيدة بشكل يعيد إلى الأذهان تجربة الجبهة الوطنية التقدمية السيئة الصيت التي طالما إتخذها نظام البعث المتسلط على رقاب شعبنا كشاهد زور على سياساته القمعية بحق الشعب والوطن ، وأيضا ك”إثبات على خصوصية ديمقراطيته” المزعومة.
حماية مكتسبات الشعب الكردي؟!
وكان حزب الإتحاد الديمقراطي ، وهو الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني ، انشأ بعد إندلاع الثورة السورية ميليشيا حزبية خاصة به تحت مسمى – وحدات حماية الشعب – شكل نواتها مقاتلو الحزب الذين دخلوا كردستان سورية من معقلهم في قنديل بعد إتفاق عقده الحزب مع السلطة السورية بوساطة من رئيس الجمهورية العراقي السيد جلال الطالباني.

وقال الحزب في حينه أن هدف هذه الوحدات هي حماية الشعب الكردي في “غرب كردستان” ومكتسباته.

لكن من الصعوبة بمكان فهم مايقصده أنصار السيد عبدالله أوجلان في سورية ب”المكتسبات” ، بدليل أن الشعب الكردي لم يكتسب منذ سيطرتهم الفعلية على بعض جوانب الإدارة في المناطق الكردية التي تنازل لهم عنها النظام الأسدي بمحض إرادته ، غير المزيد من الإفقار ، والتردي المتفاقم لأوضاعه المعيشية نتيجة لسوء الإدارة ، والحصار الإقتصادي الخانق الذي تتعرض معظم مناطق كردستان بفعل السياسة المتهورة واللامسؤولة لسلطة الأمر الواقع التي وضعت المنطقة الكردية في مواجهة مباشرة مع جهات عديدة وقوية ، مثل تركيا والجيش الحر على سبيل المثال لا الحصر ، إختزلت كل الشعب الكردي بالمشروع الأوجلاني المثير للجدل في أبعاده الكردية والسورية ، ناهيك عن إتباع سياسة مصادرة الحريات العامة وكم الأفواه والإعتقال والخطف والقتل بحق نشطاء الثورة السورية الكرد ، كما أن سياسة سلطة الأمر الواقع التي عملت على إقامة نظام الحزب الواحد على غرار الأنظمة الشمولية التي تنتفض عليها شعوب المنطقة حاليا وضعها في مواجهة فعلية ، وإن كانت غير معلنة ، مع إقليم كردستان العراق الذي وجد نفسه مجبرا على إغلاق المعبر الوحيد الذي يربط الإقليم الكردي بمثيله السوري كوسيلة للضغط من أجل تطبق بنود ما يسمى بإتفاقية هولير/وهي بالمناسبة خطأ إستراتيجي جسيم إرتكبته قيادة كردستان العراق بحق الشعب الكردي في سورية ، وإن كان بحسن نية/  الإتفاقية التي بقيت حبرا على ورق بالنظر إلى أن الأوجلانيين لم يكونوا أساسا في وارد تطبيقها ، وإنما إستخدامها مجرد مطية للتسويق الإقليمي والدولي لمشروعهم السياسي ، وأيضا بسبب الإستهلاك شبه التام لمنظومة الأحزاب الكلاسيكية الكردية التي أصبحت تعيش تماما خارج الزمن ، ولم تعد لها أية أهلية لتمثيل الشعب الكردي في سورية حتى في الحدود الدنيا لهذا التمثيل ، فهي في الواقع تمثل فقط جماهيرها الحزبية التي لاتشكل سوى قسم صغير من شعب كردستان الغربية ، هذا على إفتراض أنها تمثلها كلها.

 مشروع الإتحاد السياسي
كنا قد أشرنا مرارا إلى إستنفاذ الحزب الكلاسيكي الكردي إلى مبررات إحتكاره للقرار السياسي الكردي لأسباب عديدة من أهمها أنه تحول ، في جله الأعظم ، منذ فترة ليست قصيرة من عنوان لنضال الشعب الكردي في سورية من أجل حقوقه المغتصبة إلى عالة عليه ، إذ أنه وبعد أكثر من خمسين عام من وجوده عجز تماما عن تحقيق أي من الأهداف التي وضعها في برامجه المعلنة ، وإنشطر إلى عدد غير معروف من – تجمعات مصالح – منشغلة بصورة شبه دائمة بإدراة صراعات داخلية وبينية ذات طابع نظري عقيم لاعلاقة له بالشعب الكردي وقضاياه ، وفقد لذلك ثقة الغالبية العظمى من أبناء الشعب الذي يدعي تمثيله ، وكان من الطبيعي أن تكون للهياكل التحالفية التي تمت بين أجزاء الحزب الكلاسيكي الكردي وإتخذت عناوين عديدة ، كان آخرها المجلس الوطني الكردي ، نفس علل القوى المؤلفة له فكانت هذه – المؤسسات الجمعية – بالتبعية تضج بالصراعات الداخلية ، وبأفكار ومفاهيم قديمة تعود إلى سنوات الحرب الباردة ، وبغياب إستراتيجية عملية واضحة للمهام المطروحة أمام الشعب الكردي نتيجة لغياب العمل المؤسساتي ، وطغيان الروح الإرتجالية في التحليل السياسي المتأسس على ردات الفعل ، وأخيرا ، وليس آخرا ، بسبب أزمة القيادة المزمنة التي لازمت الحركة منذ نشوئها والتي أفضت إلى ظهور تعارض حاد للغاية بين الفئات والشرائح ذات الفكر العولمي المنفتح التي ظهرت خلال العقدين المنصرمين بنتيجة التطور الثقافي والإجتماعي والسياسي الكبير نسبيا الذي شهده المجتمع الكردي وبين القيادات الكلاسيكية الكردية التي لاتزال ، بغالبيتها العظمى ، تفكر وتدير الأمور في أحزابها ، وتتعامل مع المستجدات الداخلية والإقليمية والدولية بعقلية الستينات والسبعينات من القرن المنصرم.
لكن إعلان عدة فصائل كردية موالية لمحور- هولير – قبل عدة أشهر عن إعلان “إتحاد سياسي” بينها بمباركة من  إقليم كردستان العراق ، والرئيس مسعود بارزاني شخصيا ، كخطوة على طريق دمج هذه الفصائل التي كانت آنذاك تتمتع بقدر لابأس به من الدعم الجماهيري في حزب واحد شكل تحديا حقيقيا لوجهة نظرنا القائلة بأن الحزب الكلاسيكي الكردي قد إنتهى ، أو أنه في أحسن الأحوال ، في حالة موت سريري ، وقلنا في حينه بأن هذه الخطوة يمكن أن تفند وجهة نظرنا ، التي نعتقد أننا نتقاسمها مع عدد كبير من المثقفين والساسة الكرد ، ومن بينهم أعضاء فاعلون في الحركة السياسية ، وأن تدشن مرحلة جديدة في العمل السياسي في كردستان الغربية شرط أن تلبي عملية الدمج المنشودة هذه بعض الشروط الضرورية للنجاح والإستمرارية مثل الإنفتاح على الشرائح الشبابية والنسائية المهمشة بوضوح ، والإعتماد بصورة أساسية على الطاقات الذاتية للشعب الكردي في سورية ، وهي كثيرة ومبدعة ، وتصحيح العلاقات الكردية – الكردية في إطار إستراتيجية قومية واضحة تتأسس على قاعدة من إحترام خصوصيات الساحات الكردستانية المختلفة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ، وحل معضلة القيادة من خلال تطعيم الحزب المنشود بطاقات شابة أقرب لنبض الشارع الكردي المعاصر ، وأكثر تجاوبا مع الإيقاع السريع للمتغيرات الدولية ، وذلك بما يضمن إنبثاق حركة كردية ديمقراطية مدنية تعبر عن جوهر النضال الكردي في الحرية والكرامة الإنسانية ، ان ذلك للأسف لم يحدث ، ومن الصعوبة بمكان حدوثه في المستقبل المنظور ، رغم أن بعض المراجعات تجري الآن لإحياء المشروع الموءود ، وذلك لأن الحزب الكلاسيكي الكردي هو فعلا في حالة موت سريري ، ولن تنقذه إلا حدوث معجزة حقيقية.

 لكن زمن المعجزات ، كما هو معروف ، إنتهى منذ زمن بعيد ، وبرغم ذلك فإننا سنكون مسرورين للغاية لو أن المستقبل فند وجهة نظرنا هذه.
للبحث صلة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…