سقوط القصير.. حصار عفرين!

هوشنك بروكا

كلّ الأحداث على الأرض السورية وما حواليها من “أصدقاء” للشعب السوري، أو “أعداء”، أو ما بين أولئك وهؤلاء من “أنصاف أصدقاء” و”أنصاف أعداء”، تقول أنّ مسار الثورة السورية تغيّر، لا بل تبدّل تبديلاً.

الحرب الأهلية في سوريا وعليها باتت أجنداتها الإقليمية والدولية مكشوفةً لكلّ العالم.

“القصير” وما دار فيها من معارك بين جيش النظام وأصدقائه من جهة، وبين “جيوش” المعارضة وأصدقائها من جهة أخرى، أثبتت مرة أخرى وأخرى وأخرى، كما في سابقاتها من المعارك الطاحنة بين الطرفين، أنّ الحرب الأهلية السورية، هي حرب دينية بإمتياز؛ هي حربٌ فيها من الدين ما يكفي ليس لتدمير سوريا وشعبها فحسب، وإنما لتدمير المنطقة بأكملها.
 الحرب السورية هذه، لم تعد حرباً بين نظامٍ فاشيّ وشعبه، كما ذهب إليها أهل الثورة في الأول من اشتعالها، وإنما هي حربٌ فصيحة، بكلّ أسف، بين دينين، أو مرجعيتين؛ شيعية للنظام وسنية للمعارضة.

ففي الوقت الذي رأينا فيه أقطاب المرجعية الشيعية من لبنان إلى إيران، مروراً بالقرداحة، تفتي ب”شرعية” القتال ضد “الجماعات التكفيرية” السنية، رأينا في المقابل أهل المرجعيات السنية، وعلى رأسهم رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الداعية يوسف القرضاوي، الذي يعتبر المرجع الروحي لجماعة الإخوان المسلمين، كيف يفتي فتاوى “سنية” مضادة.

ففي أكثر من خطبة ومناسبة له، “كفّر” القرضاوي فيها النصيريين معتبراً إياهم “أكفر من اليهود والنصارى”، داعياً “المسلمين في كل مكان إلى نصرة إخوانهم في سوريا”.


القرضاوي مثله مثل حسن نصرالله وسواه من أهل المرجعيات الشيعية المناصرة للنظام السوري، كان صريحاً وواضحاً وصادقاً مع نفسه في معركة القصير، كما قبلها، حين تساءل: “كيف لـ100 مليون من الشيعة أن ينتصروا على مليار و700 مليون مسلم سني؟ لأن المسلمين متخاذلون”، بحسب تعبيره.
وهو الأمر الذي دفع بالبعض من أهل المرجعيات السنية الأخرى، كالشيخ د.

محمد العريفي، إلى القول بأنّ “المعركة في القصير فاصلة في تاريخ المسلمين الحديث”، محذراً المسلمين من أهل السنة،  من أن “هزيمة الثوار هي تمكين لإيران وأذنابها في سوريا، ولتنتظر الدول الأخرى (قاصداً دول الخليج العربي) دورها، مذكّراً إياهم بالمثل القائل: “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”.
إذن أهل الدين ومرجعياته، على الجبهتين، الشيعية والسنية، واضحون في مواقفهم عما يجري على الأرض السورية، وضوح دينهم.

كلا الطرفين يستمدّان شرعية موقفهما من الأزمة السورية من شرعية دينهما.

ما يعني أنّ الدين بات المحرّك الأكبر للحرب الدائرة في سوريا.


القصير كانت معركة “سنية شيعية” بإمتياز.

من هنا فُهم أو فُسّر سقوطها، على مستوى الثنائية الضدية القاتلة “سني / شيعي” بإعتباره “سقوطاً” للطرف الأول لحساب الطرف الآخر.


هذه الحقيقة “الطائفية” بإمتياز، شاهدناها وتابعناها عبر مختلف وسائل الإعلام والإتصال، لدى أهل الشارعين، الشيعي والسنيّ.

الأول فرح ووزع الحلوى لسقوط القصير، فيما الثاني حزن وشرب القهوة المرّة على روحها.
لكنّ “الحقيقة السورية” الغائبة والحاضرة، كما أراها في الأقل، تقولّ أنّ سقوط القصير، كان فيه من سقوط سوريا أكثر من “سقوط” القمر السني أو “صعود” الهلال الشيعي؛ ومن سقوط الثورة أكثر من “سقوط” المعارضة أو “صعود” النظام، ومن سقوط السوريين أكثر من “سقوط” أهل السنة أو “صعود” أهل الشيعة، ومن سقوطٍ “جينف 2” أكثر من “سقوط” واشنطن أو “صعود” موسكو.
سقوط القصير، يعني أن السوريين كلّهم، بلا استثناء، شيعة وعلويين وسنة وبهائيين ومسيحيين ودروز وإيزيديين ويهود واسماعيليين، وعرب وكرد وأرمنيين وسريانيين وآشوريين وتركمان وشركس وجاجان، كلّهم سقطوا في حربٍ مفتوحةٍ لن تنتهي إلا إلى المزيد من سقوط سوريا والسوريين.
سقوط القصير يعني أنّ “سوريا السنيّة” ستُسقط “سوريا العلوية” أو بالعكس!
سقوط القصير، يعني أنّ “المحور السنيّ” سيُسقط “المحور الشيعي” في سوريا وبسوريا، أو بالعكس!
سقوط القصير يعني أنّ “سوريا الأكثرية” ستُسقط “سوريا الأقلية”، أو بالعكس!
سقوط القصير يعني أن “سوريا العربية” ستُسقط “سوريا الكردية” أو بالعكس!
سقوط القصير يعني أن سوريا ستُسقط سوريا، والسوريين كلّهم سيُسقطون السوريين كلّهم!
في كلا السقوطين سيُسقط الشعب الشعب، وستُسقط الثورة الثورة، لتسقط معها حريتها وكرامتها.
ما يجري الآن من حصارٍ لعفرين، من قبل عشرات الكتائب المحسوبة على الجيش الحرّ، جيش الثورة السورية، بعد سقوط القصير مباشرةً، هو بعضٌ من “ثمار” ذاك السقوط، أو بعضٌ من سقوط سوريا في سوريا، وسقوط أهل الثورة على أيدي أهل الثورة ذاتها!
ما يجري الآن من سكوتٍ لأهل المعارضة، السياسية والعسكرية، على حصار عفرين، هو سكوتٌ على سقوط الثورة، أو سقوط أهدافها!
ما يجري الآن من سجنٍ لحرية عفرين، يعني أنّ الثورة السورية بدأت تنقلب على حريتها!
ما يجري الآن من تكفيرٍ لعفرين، يعني أن الثورة السورية بدأت تفقد عقلها!
ما يجري الآن من تجويعٍ لعفرين، يعني أنّ الثورة السورية بدأت تأكل أهلها!
ما يجري الآن من قتلٍ لعفرين، يعني أنّ الثورة السورية بدأت تقتل نفسها!
حصار عفرين، هو حصار للثورة السورية نفسها، كما أن حرية عفرين هي من حرية الثورة السورية نفسها.
أطلقوا سراح عفرين، عفرين هي سوريا..سوريا هي عفرين!
hoshengbroka@hotmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تمعنوا، وفكروا بعمق، قبل صياغة دستور سوريا القادمة. فالشعب السوري، بكل مكوناته، لم يثر لينقلنا من دمار إلى آخر، ولا ليدور في حلقة مفرغة من الخيبات، بل ثار بحثًا عن عدالة مفقودة، وكرامة منهوبة، ودولة لجميع أبنائها، واليوم، وأنتم تقفون على مفترق مصيري، تُظهر الوقائع أنكم تسيرون في ذات الطريق الذي أوصل البلاد إلى الهاوية….

نظام مير محمدي*   بعد الذي حدث في لبنان وسوريا، تتسارع وتيرة الاحداث في المنطقة بصورة ملفتة للنظر ويبدو واضحا وتبعا لذلك إن تغييرا قد طرأ على معادلات القوة في المنطقة وبحسب معطياتها فقد تأثر النظام الإيراني بذلك كثيرا ولاسيما وإنه كان يراهن دوما على قوة دوره وتأثيره في الساحتين اللبنانية والسورية. التغيير الذي حدث في المنطقة، والذي كانت…

عنايت ديكو سوريا وطن محكوم بالشروط لا بالأحلام. سوريا لن تبقى كما يريدها العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية وحتى هذا النموذج من الإسلاموية، ولن تصبح دولة كما يحلم بها الكورد، من تحريرٍ وتوحيد للكورد وكوردستان. هذا ليس موقفاً عدمياً، بل قراءة موضوعية في ميزان القوى، ومصارحة مؤلمة للذات الجماعية السورية. فمنذ اندلاع شرارة النزاع السوري، دخلت البلاد في مرحلة إعادة…

محمود برو حين يتحدث البعض عن كوردستان على أنها أربعة أجزاء، ثم يغضون الطرف عن وجود كوردستان الغربية، ويحاولون النقص من حقوق شعبها تحت ذرائع مبرمجة ومرضية للمحتلين ،فهم لا ينكرون الجغرافيا فقط، بل يقصون نضالاً حقيقياً ووجوداً تاريخيا و سياسياً للكورد على أرضهم. إنهم يناقضون انفسهم ويدفعون شعبهم إلى متاهات صعبة الخروج كل ذلك بسبب سيطرة الادلجة السياسية…