من مآسي أحزاب غرب كردستان

د.

محمود عباس

   تفرض الظروف التي يمر بها الشعب الكردي في غرب كردستان ذاتها علينا (في هذه الفترة) بالإبتعاد عن العموميات والنقد الكلي، والبحث في بعض المآسي والويلات التي تجتاح كردستان الغربية والتي هي من نتاج الأحزاب الكردية ومعهم حكومة الأقليم، بشكل مباشر، علماً إن بعدها ومنبعها الأساسي من نتاج سلطة الأسدين – البعثي الشمولية، ومن مخلفات طغيانهما واسلوبهما الممنهج في التدمير وإذلال الشعب السوري عامة والكردي بشكل خاص.
    بعد معاناة طويلة مع شتاء قاسٍ في السنة الثانية من عمر الثورة السورية، والتي كادت أن تؤدي إلى كارثة إنسانية، في المنطقة الكردية مشابهة لكارثة مدن سوريا الأخرى، مجاعةً وبرداً، في ظل صمت دولي، وبسبب النداءات المستمرة المتنوعة الجهات، فتحت حكومة الأقليم باب المساعدة لإنقاذ المنطقة من الغرق الاقتصادي، وطورت مع الزمن أساليب الدعم، وكانت  بلا شك كأكسير لإعادة الحياة في أجزاء من جسم كرد غرب كردستان، رغم التأخير المتعمد، إلا أن الشكر كان على لسان كل فرد في الداخل والخارج، ولم تتوانى الأقلام عن التقدير لكل غرام من المواد الغذائية أو لتر من المازوت أرسلتها حكومة الأقليم إلى المنطقة، حتى ولو كان البعض يقول بأنه واجب لا شكر فيه، لكننا نقول، ورغم حالات الفساد والتحايل من قبل البعض من المشرفين على مستوى الحصص الحزبية وغيرها، بأنه كان عمل قيم، خرج من بين أنقاض سيطرة الدول المجاورة و تجاوزوا أجندات وضغوط الكثيرين، وعليه فالشكر الكبير للسيد سروك مسعود البرزاني ولحكومة الأقليم، وهذه محددة في إطار المساعدات الإنسانية.

   توقف الدعم، وأغلقت المعابر، والمسببون هم الأحزاب الكردية أولاً، وعلى رأسهم ال ب ي د وبمساندة ال ي ب ك،  والديمقراطي والآزادي والبعض المشارك للطرفين، والبقية لا وجود يذكر.

يتشاجر البعض من سكريترية الأحزاب، مهاترات كلامية، لسيطرة كيانات حزبية، وبمنطق الشخصية الحزبية دون الوطنية أو القومية، يلغون الوجود الكردي، ويرمون بالمجتمع في آتون الأزمات الإقتصادية والإجتماعية، صراع في الإعلام، على خلفية أجندات القوى المسيرة لهم، وبنية إرتباطاتهم الخارجية، وتنفيذاً لآوامر تفرض من هنا وهناك، جوعوا المئات من العائلات، وسببوا في تخلف العشرات من الطلاب عن اللحاق بإمتحاناتهم، ووسعوا في هوة الهجرة الإقتصادية إلى جانب الهجرة الأمنية.


   كان الآولى بسكرتيرية الأحزاب الغارقون في المهاترات، الإستماع إلى أولئك الذين  عانوا الويلات على طرفي الحدود الكردي – الكردي، وعلى ظهورهم علبة من حليب طفل، أو دواء لكهل يعاني، علهم يحسون بمآسي أمتنا، وعلى بنيتها يجب أن يتحدثوا ويتعاملوا.
  بكاء طفل، آلام كهل، انتظار أم بعودة ابنها بعد توديعه على  أمل بمؤونة، وزوجة تتأمل من زوجها تأمين خبز العائلة، شباب يتكاتفون بلا سند أمام قدر قاتم، يتحكم بهم ضمير بني على النزعة الحزبية والشخصية التابعة للغير، وبيع الوطنيات  بإسم الشعب وخلف دماء الشهداء، يسيطرون على طرفي حدود فتحها العدو وأغلقها الكرد بين بعضهم، إنها بداية لتكوين المجزء، وخصوصية المناطق الغارقة في مفاهيم التحزب، إنها مقدمة لجغرافية الكردستانات، والحدود المحكمة الإغلاق بجيوش مدربة على مراقبة مميتة، في زمنٍ يتكالب الشعب الكردي على بناء خصوصية جغرافية.
    جيوش كردية تكونت، غارقة في الحزب دون الوطن، شعاراتها حزبية، وكذلك اعلامها، ونداءاتها، ومتطلباتها، وإدارتها للشعب والمؤسسات والإعلام، منهم من يفرض الآتاوات في زمن المجاعة، تحت حجة تحديد الفساد، لكن الأساليب مؤذية، تجويع طفل على حساب تحديد حركة بعض التجار قتل للحس الإنساني، وبالمقابل تحشيد كتائب على طرفي الحدود واغلاق المعابر (الإنسانية) كحصار إقتصادي، لخلق ضغط حزبي وليس سياسي، بإسلوب الدول الكبرى الذين يحكمون على الطغاة ولا يهتمون بالشعوب، تهويل  لشعب كامل، وترسيخ لزيادة الهجرة الإقتصادية، وهنا يتناسى الطرفين أن هذه الأساليب لا تجدي نفعا، والمستفيدون هم فقط اصحاب الأجندات من خارج جغرافية كردستان، والذي يتآذى هو وحده الشعب الكردي.

إنها من أبعاد المفاهيم والمناهج الذي خلق على اسسها الهوة بين الضمير الوطني ونزعة الفكر الحزبي.


   التحركات السياسية معروفة، والعلاقات واضحة، والأجندات بينة لكل مثقف وسياسي وحتى لابسط مواطن مطلع، فالتلاعب بمفاهيم الشعب بإسم الشعب، ومستقبل المنطقة، يجب أن لا يكون على حساب حليب طفل  جائع، وخبز المواطن، ودواء كهل يتألم، وأن لا تعدم دروب الرزق، والمساعدات الإنسانية الأخرى، يجب أن لا تحرم المرأة الكردية من القدرة على تقديم الوجبة اليومية لأطفالها، وهنا لا نسأل عن الخدمات الأخرى التي يستند عليها شعب غرب كردستان ليستمر في الحياة العادية، إلى أن تزول العتمة ويبان النور.
د.

محمود عباس   
الولايات المتحدة الأميريكية
mamokurda@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…