في محور السليمانية- قنديل

عدنان بدرالدين

ما تناقلته بعض المواقع الإلكترونية الكردية مؤخرا عن اجتماع ضم ممثلي ستة أحزاب كردية سورية مع السيد مراد قره يلان ، القائد الميداني لحزب العمال الكردستاني ، والرجل الثاني في الحزب ، أثبت بجلاء ماكنا قد أشرنا إليه سابقا عن وجود تحالف ضمني بين التيار الموالي للاتحاد الوطني الكردستاني والجماعات التابعة لحزب السيد عبدالله أوجلان في سورية ، وفي مقدمتها طبعا حزب الاتحاد الديمقراطي.

والخبر المدعوم بالصور لم يفاجأ متابعي الشأن الكردي في سورية ، لجهة أن الطرفين يقيمان منذ فترة ليست بقصيرة “تحالفا ميدانيا” على الأرض ، وصل إلى حد انخراط بعض العناصر المحسوبة على السليمانية في صفوف – قوات الحماية الشعبية – التابعة لفرع الحزب الأوجلاني في سورية ، ناهيك عن لعبها دور الحليف لذات الحزب في الهيئة الكردية العليا ، رغم عضويتها في المجلس الوطني الكردي العتيد ،
 مما أدى عمليا إلى تحويل هذه الهيئة إلى مجرد أداة لتنفيذ سياسة پ ك ك في سورية لتكف بذلك عن كونها إطار للوحدة الكردية إلى عامل فرقة أنتج استقطابا واحتقانا شديدين في المجتمع الكردي أضعفا إلى حد بعيد دور الشعب الكردي في الثورة السورية ضد نظام الاستبداد ، وولد حالة من الإحباط لدى قطاعات واسعة من أوساطه وشرائحه المجتمعية.

والواقع أن التحالف بين القوى السياسية التي تتشارك في رؤى وتصورات متقاربة عن الأوضاع السائدة في مرحلة تاريخية محددة هو أمر مشروع ومفهوم تماما ، وهو ما ينطبق على الأحزاب الكردية الستة وتيار الحزب الأوجلاني في سورية أيضا.

فهي في الواقع تمتلك رؤى متقاربة ، إن لم نقل متماثلة ، عن الثورة السورية ، وعن الحقوق الكردية ، و عن موقع الحركة الكردية في الحراك الثوري الجاري في البلاد ، وعن تحالفات هذه الحركة الكردستانية والإقليمية والدولية ، وأخيرا وليس أخرا ، عن طبيعة الدولة السورية المستقبلية ، و لهذا فإن التحالف فيما بينها هو أمر طبيعي تماما.
هذه التيارات تتشارك ، جميعا تقريبا ، في تشكيكها بالثورة السورية منذ انطلاقتها ، وقد عملت كل ما في وسعها لإبعاد الحركة الكردية عن الانخراط في الحراك الثوري العام في البلاد ، أو الالتحاق بأطر المعارضة الحقيقية للنظام ، لكن والحق يقال أنها لم تكن وحيدة في ذلك ، بل يمكن القول أن معظم الفصائل الكردية المنضوية في إطار الحركة التقليدية الكردية شاركتها في ذلك و ب”الحماس ذاته”.

كما أنها تجتمع ، وإن بدرجات متفاوتة ، على حل “لا قومي” للمسألة الكردية في سورية ، وإن كان هذا الأمر ينطبق بوضوح أكثر على حزب الاتحاد الديمقراطي لواقع دعوته إلى حل القضية الكردية في إطار “إدارة ذاتية ديمقراطية” غامضة سمتها الواضحة هي “لاقوميتها” فقط ،  لكن المؤكد أنها ، أي هذه الإدارة الذاتية العتيدة ، ستختفي قريبا من أدبيات الحزب بعد أن تجاهل السيد عبدالله أوجلان مؤخرا هذا- المبدأ- الذي روج له أتباعه طويلا كسبيل ليس لحل القضية الكردية وحسب ، وإنما لحل كل مشاكل منطقتنا ، تجاهله لصالح “كونفدرالية كردية تركية فارسية عربية شاملة” اشترط أن تكون هي الأخرى غير قومية؟!.

وهذه الأحزاب والتجمعات السياسية تجتمع أيضا على “رفض التدخل الخارجي في سورية” ،  بينما تسكت تماما عن تدخلات روسيا وإيران وعراق المالكي وحزب الله اللبناني المكشوفة في الشؤون السورية لصالح النظام المستبد ضد الشعب السوري وثورته ، كما أنها ترمي إلى تشكيل محور كردي لمواجهة ما تعتقد أنه نفوذ متنام لمحور – هولير – بعلاقاته الدولية المتشعبة ، وتعاظم نفوذ رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود بارزاني على الصعيد الدولي ، خاصة بعد غياب مام جلال عن الساحة السياسية لظروف صحية صعبة نتمنى من القلب أن يتجاوزها قريبا.
ورغم اختلافنا الشديد مع هذا النهج ، فإننا نقر بحق أصحابه في أن تكون لهم مواقفهم الخاصة بهم ، والتي يجب أن تحترم في كل الأحوال ، لكن ما يثير التساؤل والشكوك أيضا ، هو السلوك الملتبس للتيار الموالي للسليمانية الذي يحاول التستر على تحالفه مع التيار الأوجلاني ، وهو ما فعله السيد شلال كدو ممثل حزب اليسار الديمقراطي في كردستان العراق ، على سبيل المثال لا الحصر ، في تصريح أدلى به أخيرا إلى وسائل الإعلام معلقا على الأنباء عن اللقاء الذي سبق ذكره مع قيادة پ ك ك في قنديل بالقول أن الأحزاب الستة التقت السيد قره يلان بصورة منفردة ، وهي “حيلة قانونية” يراد منها إخفاء حقيقة وجود تيار داخل المجلس الوطني الكردي متحالف في الواقع مع مجلس غرب كردستان وليس مع حلفائه المفترضين في المجلس العتيد.
سنكون غير منصفين إن نحن حملنا محور السليمانية – قنديل كل مآسي شعبنا التي تعاظمت مؤخرا خاصة بعد حرب الإبادة التي بدأها النظام وأعوانه ضد أبناء شعبنا في حي الشيخ مقصود بحلب ، وقصف مدينة – قامشلو – بالمدفعية ، والمجزرة المروعة التي أودت بحياة العديد من أبناء قرية – حداد – من الكرد المسالمين ، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية والخدمية المزرية التي تسود كردستان الغربية من أقصاها إلى أقصاها ، فأحزاب التحالف السياسي الكردي المحسوبة على – هولير – تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية عن كل مايجري ، وهي بنزوعها إلى الفعل الكلامي على حساب العمل الفعلي على الأرض ، وترددها في اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب ، والعصبية الحزبية الفاقعة لبعضها ، والتمسك بالعمل في إطار المجلس الوطني الكردي المشلول واللجنة الكردية العليا الخاضعة تماما لمجلس غرب كردستان ، واتكاليتها المطلقة على – هولير – في كل شيئ ، بما في ذلك القضايا التي تعتبر شأنا سياديا كرديا سوريا صرفا ، نقول أنها بسبب ذلك كله أضاعت على نفسها ، وعلى الشعب الكردي فرصة نادرة لتجاوز أزمة الحركة الكردية الخانقة التي دفعت بقضية شعبنا إلى متاهات مشاريع سياسية إنعزالية متهورة ، ودفعت بكردستان الغربية ذاتها إلى حافة الهاوية.
ندعو أحزاب الاتحاد السياسي مجددا ، وعلى الخصوص قياداته الفاعلة ، إلى أخذ زمام المبادرة بالنزول إلى ساحة النضال الفعلي والعمل بين صفوف جماهيرها في الوطن ، والتعالي على النزعات والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة ،  وقطع الصلة مع كل من المجلس الوطني الكردي والهيئة الكردية العليا لعدم وجود أي جدوى من العمل في إطارهما ، والمبادرة فورا إلى تأسيس حركة كردية جديدة ونوعية على أنقاض الهياكل الحزبية الحالية المتآكلة والمنتهية الصلاحية ، تصبح معبرا حقيقيا عن المصالح الجذرية للشعب الكردي في الظفر بحقوقه القومية كاملة في إطار سورية ديمقراطية ، لامركزية  موحدة.

ومن أجل ذلك هناك أهمية قصوى للإنفتاح على كل القوى الحية في المجتمع الكردي وعلى الخصوص المثقفين والشباب والنساء ، كما أن من الضروري أيضا التأسيس لسياسة قومية كردية لكردستان الغربية تقوم على أساس الولاء أولا وأخير للشعب الكردي في سورية ، ولسورية الوطن الحاضن للجميع على اختلاف انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو المذهبية ، مع نسج أفضل العلاقات مع الشعب الكردي وتنظيماته السياسية في سائر أجزاء كردستان بصفته العمق الاستراتيجي لشعبنا ، ولكن في إطار احترام خصوصيات ومصالح كل جزء ، وإنتهاج سياسة إقليمية ودولية توازن بدقة بين  تأمين مصالح الشعب الكردي في سورية وإحترام مصالح جميع دول المنطقة ، وتنبذ العدوان والتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين.
المرحلة الحالية هي بالفعل حساسة ومصيرية لمستقبل شعبنا ، وأداء نخبنا السياسية الكردية بكافة تشكيلاتها وألوانها لا يرتقي بأي شكل إلى مستوى التحديات الجسام التي يفرزها هذا الزمن الفاصل بين الاستكانة والثورة ، والاستبداد والحرية ، لكن رهاننا كان ، ولايزال ، على شعبنا الذي يختزن من معاناته الطويلة والقاسية تجربة ثرية في تجاوز الصعاب واجتراح المعجزات في صراعه النبيل من أجل الحرية والكرامة الإنسانية.
 

عدنان بدرالدين – النرويج

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…