عبد الباسط حمو
ببالغ الأسى والحزن العميقين تلقينا نبأ وفاة الأخ , الرفيق والصديق بافي كاوا , الذي اختطفته المنية بحادث مروع بشكل مفاجئ , وهو في أوج عطاءه الإعلامي والسياسي و القانوني .
برحيله المبكر هذا , قد شكل خسارة كبيرة لعائلته و أصدقائه ولحزبه ولشعبه الكردي , لاشك كان المرحوم من خيرة كوادر الحركة الكردية , تدرج في نشاطه السياسي في مراحل نضالية متعددة , تلاطمته الأمواج و أهوال القدر و الزمان , إلا انه لم يتراجع عن الدفاع عن قضية شعبه، فقد انخرط في صفوف النضال مبكرا وأعطى كل وقته وفكره للنضال السياسي وحب الوطن , فقد شارك في الحياة السياسية بجميع أشكالها وألوانها , وقف صامدا من اجل أفكاره , لذا فقد حظي باحترام كل اللذين عرفوه وعاشروه , فقد كان رفيقا متواضعا , وصديقا خلوقا , وإنسانا بشوشا ,فكان مثالا للمناضل الكردي الملتزم بقضايا أمته وشعبه , اخذ نصب عينيه البحث عن الحقيقة الضائعة في الدهاليز المظلمة , وفي سبيل كشف الأقنعة المزيفة عبر الكلمة الحرة والموقف الجري , وقف في وجه الطغاة والمستبدين الذين سلبوا حرية شعبه بالقمع والإرهاب والقتل .
اجل يا ابا كاوا عرفناك منذ زمن و التقينا كثيرا في محطات و محافل مختلفة حزبية و اجتماعية مختلفة خلال المرحلة الدراسية في جامعة حلب , وعشنا معك آنذاك أيام وليالي جميلة لا تعود ثانية , سنظل نذكرك يا أبا كاوا دائما بتلك الأمسيات و الاجتماعات المشتركة لا بل تلك الرحلات الطلابية في كل آذار ونيسان عندما كانت تفتح لنا ربوع عفرين حضنها الدافئ وحيث تشهد على ذلك شلالات ميدانكي و و تلال كدخ , و ماراتي و ظلال أشجار الزيتون , لا بل أيضا ستذكر تلك الأيام أزقة ومساكن في الاشرفية , شيخ مقصود , السريان ,عندما كانت الكردايتي تتدفق فينا روح النضال وعشق روح الرفاقية .
كنا على موعد في هذه السنة بكردستان المحررة بعد طول الغياب , لكن القدر حال دون تحقيق ذلك , مرة أخرى أسدل الموت بوشاحه الأسود على الأحلام , ليخيم الحزن و اللوعة على الأيام , ترى هل نلوم القدر و غدر الزمان , أم انه صنيعة النظام و تنفيذ سياساته بحق شعبنا , الذي ساهم في اخذ قرار الرحيل في وقتا كانت ولا زالت الاستبداد و الطغيان من قبل نظام البعث و الحقد الشوفيني تمزق الجسد الواحد , و تشتت المجتمع إلى أشلاء متناثرة .
جاء قرار الرحيل بعد أن ضاقت بك المسافات من كل الجهات في ترك الواقع المرير باحثا عن الملاذ واستنشاق نسيم الحرية نحو اتجاه الشرق , حيث الشمس تشرق من هناك نورا وضياءا , على أمل العودة ثانية إلى تلك الديار والأماكن حيث سفوح عفرين وسهول الجزيرة وبراري كوباني في الانتظار .
لكن قد عدت سريعا قبل الموعد المحدد لمعانقة قامشلو في انتهاء الرحلة الأخيرة والإقامة الأبدية محمولا على الأكتاف في نعش تابوت من سنديان كردستان , ملفوفا بال رنكين حيث جموع الجماهير من أبناء المنطقة احتشدوا في قامشلو لإلقاء النظرة الأخيرة رافقوك أبناء الانتفاضة في الوداع الأخير نحو المثوى الأخير في قبور قدوربك إلى جانب جميع الشهداء.
قلت ذات مرة بان الأيام والسنوات القادمة سينهض شعبنا بانتفاضات أخرى , عندها سيكون اللقاء قريبا معا في قامشلو , انتم ستتحركون من أوربا و نحن في كردستان المحررة و تعود تلك الطيور المهاجرة ثانية إلى أعشاشها .
اجل أبو كاوا لن ننسى تلك الكلمات التي قلتها لنا و سنظل نذكر دعواتك المتكررة لنا لزيارة كرستان و بأنك ستكون في مطار هولير في الاستقبال حيث كنت تقول ارض كردستان المحررة واسعة وأبوابها مفتوحة للجميع , لابد من روئيتها .
اخترت الرحيل نحو الشرق بدلا من التوجه إلى أوربا و قررت أن تضع الرحال في أحضان البارتي و تنهل من مدرسة البرزاني و تجربتها فكرا نضاليا و دروسا في المقاومة والصمود .
وسنظل نذكرك دائما بين عذابات القلوب ومرارات الغربة و إن حال الأيام يوما بان نبتعد قليلا عن البعض لكن لم نفترق كثيرا , ثم دارت الأيام لتدور الدولاب من جديد بعد إن تغيرت الأزمنة و تبدلت ألاماكن وزالت الأقنعة .
فوادعا و ليغمدك الله فسيح جناته و إن لله وإننا جميعا لكردستان عائدون .
وكما أتقدم بعزائي:
– إلى أسرة الفقيد وعائلته و أولاده……….
– إلى الإخوة في حزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي –
– منظمة حقوق الإنسان الكردي / ماف /
– إلى كل الرفاق و الأصدقاء الذين رافقوا الفقيد مشواره السياسي والحزبي في كل المراحل النضالية المختلفة.