سـوريـا … مشـاهـد البـؤس والفـجـيـعـة

  افتتاحية جريدة الوحـدة *

الوضع السوري يزداد قتامةً يوماً بعد آخر ، والدم يسفك بوحشية ، والدمار يطال كل شيء ، والشعب يئن تحت وطأة مآسيه وآلامه وجراحه ، ويتساءل الفرد السوري ، ألهذه الدرجة البشرية عاجزة عن ردع أعدائها وثني الفاقدين للصفات الآدمية عن ارتكاب الفظائع بحق أمثولتها ، المخلوق العاقل ، الطفل والشيخ والمرأة والرجل ؟! ، ألهذه الدرجة السياسة اللأخلاقية تتحكم بالأمور والمصائر بفعل التكبر والغرور والجشع وتحت شعارات براقة أو لحماية المصالح والذات الأنانية ؟! ، رغم تجارب البشرية المريرة عبر قرون ، وانتصار الثورات على الظلم والاستبداد هنا وهناك ، وتوسع وعي الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وانتشار العلم والمعرفة والتقانة ، والقول إن العالم أصبح قريةً صغيرة !!.
لازالت مشاهد البؤس والفجيعة تتكرر ، تنم عن حقدٍ دفين وكراهيةٍ مقيتة ونظرةٍ دونية للإنسان الكائن ، أو عن ذهنية الوصاية والاستغلال ، أو على خلفية صراعات تاريخية قديمة وحديثة ، أو لتضارب المصالح ومناطق النفوذ والسيطرة.
سوريا جريحةٌ الآن وجرحها عميق ، العنف وجبروت الطغيان يهزها من الأعماق ، شعباً ، أرضاً ، كياناً ، ثقافةً ، تاريخاً ، حاضراً ومستقبلاً .
كيف ننجو من هذا الهذيان والطوشان ، هذا العنف الأهوج ، متى الخلاص ، أي يوم نحتفل فيه ببزوغ فجر الحرية والكرامة ؟ ، سؤال على لسان كل فردٍ يبغي الخير لسوريا وشعبها ، سؤال في بال أي سوري وطني غيور كل لحظة .

يكاد يكون الجواب عسيراَ ، لا حلّ ظاهر في الأفق ، ولا بريق أمل يلمع ، سوى قناعةٍ راسخة بحتمية زوال الظلم والقهر وطلوع شمس الحق والحقيقة ، وسقوط المستبد المتكبر بقوة وإرادة الشعب التواق للحرية والسلم والمساواة .
لقاءات واجتماعات ومؤتمرات تعقد هنا وهناك ، زيارات ووفود ، مؤتمرات صحفية ، كلام معسول ، في : موسكو ، واشنطن ، نيويورك ، باريس ، لندن ، روما ، استنبول ، طهران ، دوحة ، القاهرة ، ….

الخ ، لكن يبدو أن الطبخة السورية تحترق في كل مرّة لتعدد مواقدها وطبّاخيها وتشعب أهداف ومآلات مُعدّيها ومنتظريها ، والزمن يعدو ، وسوريا تتجه نحو الهلاك والمجهول ، في ظل التناحرات والتجاذبات الإقليمية والدولية ، وكأن جمر أيام الحرب الباردة قد اشتعل من جديد تحت الرماد على حساب معاناة السوريين ومصالحهم ومستقبل بلدهم ، ولم تنقذها مواثيق وأنظمة وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي تُجيَّر وتُنفذ حسب أجندات ومصالح الأقوياء وليس مصالح وحياة الشعوب والأمم .
خلال الشهرين المنصرمين بدا العجز والإحباط والإرتباك واضحاً على عمل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المأمول منه تحقيق خطوات هامة ، وعلى تصريحات قياداتها ، بين قيل وقال ، على خلفية عدم وفاء الدول الداعمة له بوعودها بشكل أساسي ، والخلافات التي تطفو على السطح بحرارة أحياناً بين أعضائه ، وتعدد قوى ومجموعات المعارضة المسلحة التي تتباعد أحياناً في الإستراتيجية والتكتيك والرؤية والمهام الميدانية .
كما أن تجاوز النظام السوري ” الخطوط الحمر ” بالقمع والتدمير والقتل ، واستخدام السلاح الحربي الثقيل ، دبابات ومدافع ، طيران وصواريخ ، وحجم المعانات الإنسانية الكبير، لم يجعل الدول الداعمة له روسيا وإيران على تغيير موقفها الثابت والمحوري ، ولم يكن حافزاً للدول – على أساس – الداعمة للمعارضة للوفاء بوعودها التي أطلقتها بصخب وعلانية ، إن تعدى النظام تلك الخطوط .


وإذا كانت الوعود التي أُطلقت في مؤتمر روما بدعم الائتلاف الوطني مادياً ولوجستياً وغيره ، وكذلك قرار الجامعة العربية بإعطاء الضوء الأخضر للدول التي تريد دعم المقاتلين بالأسلحة ، تُقوي المعارضة وتدفعها للاستمرار في عملها ، فإنها غير كافية لتغيير موازين القوى لصالحها والتي لازالت راجحةٌ عسكرياً لطرف النظام .


يبقى الرهان الأجدى هو تآلف ووحدة المعارضة بكل مكوناتها ونبذ الاحتراب بين أطيافها على أساس تغليب التناقض الرئيسي على سواه من التناقضات الثانوية والتوافق على أسس وطنية ديمقراطية ، وما تجربة مدينة سري كانيه ( رأس العين ) – الحسكة إلا نموذج فاضح لمدى فداحة محاولات الفتنة وعدم احترام إرادة أهالي أي منطقة ، وما الاتفاق الأخير الذي تم بوساطة لجنة وطنية برئاسة الأخ ميشيل كيلو الذي يقضي إلى إنهاء الاقتتال والحفاظ على سلمية المدينة ، إلا عودةٌ إلى الصواب ولغة التفاهم والتوافق بين أبناء الوطن الواحد .
من جهةٍ أخرى ، إن التمسك الثابت بخيار التعاون والتنسيق بين المجلس الوطني الكردي في سوريا ومجلس الشعب لغربي كردستان تحت راية الهيئة الكردية العليا ، وتفعيل اللجان المشتركة ، والوفاء بالوعود وتطوير العمل الميداني كتفاً إلى كتف يخدم وحـدة الشعب الكردي ويحميه من الفتنة والشقاق وذلك بحسم الخيار نحو الحوار والتوافق ونبذ لغة التخوين والتهديد والتشهير والحفاظ على سلمية المناطق الكردية والحراك الثوري السلمي الجماهيري بعيداً عن غايات ضيقة ، حيث أن الإساءة إلى الشعب الكردي إساءة للشعب العربي وكل مكونات سوريا اليوم والغد .

* جريدة الوحـدة – العدد /235/ – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي ) .


شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…