التحرر القومي في فكر مصطفى البرزاني

  عيسى ميراني

   تعتبر مسالة الشخصية من أهم القضايا السياسية والاجتماعية في التاريخ القديم والمعاصر، وذلك لما لها من تأثير في الثورات والأحداث ومراكز صنع القرار.

فمن خلال دراسة ومتابعة جميع الثورات والتحولات الاجتماعية والسياسية والعلمية، نجد إن هناك أشخاصا قياديين اتسمت شخصياتهم بسمات وصفات تختلف عن غيرهم من الناس، مكنتهم من تحسس أهداف الجماهير وأصبحوا أداة التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في عصرهم.

 وتاريخ الشعوب لا يمكن أن يكون مستقلا عن تاريخ أولئك العظماء الذين يمكن تسميتهم بصانعيه، والذين أصبحوا خالدين في ذاكرة شعوبهم بما تركوا من آثار عميقة في حياة المجتمع بسبب نضالاتهم العظيمة وأعمالهم البطولية في سبيل حرية و رفعة شعوبهم.
والبارزاني الخالد من تلك الشخصيات التي أثبتت دورها ومكانتها في قيادة الشعب الكوردي منذ ثورات بارزان الأولى حتى ثورتي أيلول وكولان العظيمتين، كما واتصفت شخصيته بسمات وصفات تختلف عن غيره من القادة في الثورات الكوردية المتعاقبة  كالفطنة والعدل والشجاعة والاعتدال والنظر في القضايا الراهنة نظرة مستقبلية بما يخدم فكره القومي التحرري.
وتجلت حنكة القائد مصطفى البرزاني في الانطلاق من المصلحة القومية العليا عند اتخاذ أي قرار سياسي وانشغاله الدائم بهموم الشعب الكردي في جميع الأجزاء ومشاركته الفعالة في معظم الأحداث والثورات التي عاصرها.


تعتبر كل مرحلة من مراحل حياته صفحات خالدات تركت آثارا عميقة في حياة أمته  لا تمحوها عاصفات الدهور ومنذ بداياته النضالية، وكانت مشاركته فعالة وحقيقية في جميع أجزاء كوردستان، في فترات وظروف  مختلفة وعلى سبيل المثال لا الحصر :
– قيادته لقوة مؤلفة من ثلاثمائة مسلح من أبناء عشيرته للمساهمة والمشاركة في ثورة الشيخ محمود الحفيد عام 1919 في كردستان العراق .
– المساهمة والتنسيق مع  ثورة الشيخ سعيد بيران في كوردستان الشمالية عام 1925حيث وقع الاختيار عليه بالاتصال بالشيخ سعيد والتنسيق معه .
– المشاركة الفعالة والحقيقية بجميع أفراد عشيرته وقواته وأنصاره للمساهمة في تأسيس وترسيخ جمهورية مهاباد الكوردية عام 1946 ودفاعه المستميت عنها ومشاركته في العديد من المعارك دفاعا عن الجمهورية وتقديرا لجهوده، عين قائدا لأركان الجيش في الجمهورية الفتية.
– الاهتمام بأوضاع الكورد في سوريا في كل الأوقات ودوره الفاعل وتأثيره المباشر في تأسيس البارتي  لقيادة الحركة الكوردية في سوريا، وتقديمه الدعم اللامحدود للحركة الكوردية في هذا الجزء وخاصة في فترة تعرض الحزب للانشقاقات والخلافات الداخلية، حيث دعا معظم العناصر المتقدمة في الحركة الكوردية في سوريا إلى كوردستان العراق للوقوف على الأحداث عن كثب وعقد مصالحة وطنية وحل جميع الخلافات حيث حضر شخصيا أكثر من لقاء مع القادة والشخصيات الكردية من سوريا وكانت هذه أول مصالحة وطنية كردية ، وقدم لهم العون والنصائح خاصة في مؤتمر نوبردان في الخامس عشر من آب عام 1970وبذل جهدا واضحا للم شمل الحزب
– وكان القائد الخالد يدرك حقيقة المخاطر المحدقة بالكورد ومستلزمات مجابهتها الطبيعية وأدرك إن عزة الكورد وقوتهم لا تكمن في  تفرقتهم وتخلفهم إنما في وحدتهم وتطورهم وتقدمهم.

وكان يعرف بحسه العميق أن  شعارات الثورة والحزب قابلة للتحقيق ولم يكن يوما من الأيام ديماغوجيا  في طرح أفكاره وآرائه بل كان صريحا وواقعيا في جميع لقاءاته مع الحكومة والحزب، وحتى في لقاءاته مع الصحفيين الأجانب.
 وان طرحه لشعار الحكم الذاتي لم يكن وليد صدفة بل نتيجة لتحليل عميق للظروف الداخلية والخارجية والإقليمية آنذاك.فمن خلال استعراض الخصائص العامة لشخصية القائد  مصطفى البرزاني نرى إن سيرته الذاتية هي حركة نضالية متواصلة، عاش على الدوام هموم الكورد وكوردستان وكافح من أجل حريته ووحدته وازدهاره، وخاض نضالا دؤوبا من أجل بناء وحدته القومية وسموه وأبدع في النضال، من خلال ترسيخ التلاحم بين الجماهير والحزب، وترسيخ فكر الكوردايتي في صميم الجماهير، وجعل الحزب الديمقراطي الكوردستاني – العراق بيتا ومدرسة لجميع الشرفاء من أبناء كوردستان، وجعل القضية الكوردية قضية عالمية أخرجها من النطاق العراقي الداخلي والإقليمي  إلى الإطار العالمي، كقضية شعب مظلوم.

واستطاع كسر الحدود المصطنعة والحصار المحكم للأعداء حتى أصبح رمزا وهوية للشعب الكوردي في جميع الأجزاء، وأصبح فكره ونهجه مدرسة نضالية ينهل منها كل المناضلين من أبناء كوردستان، واكتسب بجدارة كل صفات القيادة كقائد ناجح ومعلم خالد.

  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…