البارزاني في يوم رحيله……..وسيرة أمة …!!

خليل كالو

إن تاريخ العالم ليس إلا سيرة الرجال العظماء.

فلا تاريخ بالمعنى الدقيق للكلمة بل هو فقط سير شخصية للمبدعين والعظماء والفلاسفة .فتلك الشخصيات صاغت التاريخ بطريقين فمنهم من كانوا مبدعين قدموا إسهامات رائعة وخالدة في الثقافة الإنسانية والعلوم التطبيقية من علماء أو فلاسفة أو كتابا ومؤلفين وموسيقيين أو فنانين ومستكشفين مخترعين وآخرون قادة قد غيروا منحى تطور شعوبهم بأعمالهم الكبيرة من خلال أفكارهم وتضحياتهم ومن هنا يمكن الجمع بين الفئتين من القادة والمبدعين وتسميتهم بالعظماء والعباقرة وكان نصيب الكرد هو عظيم الأمة البارزاني الكبير الذي أشغل مرحلة كاملة باسمه من تاريخنا المعاصر وما زال منارة يهتدي بنهجه النضالي الأجيال.
لقد ترك الزعيم الكبير مصطفى البارزاني الحياة المعهودة والمألوفة التي كان بإمكانه الاستمرار فيها كما غيره من رجالات الثقافة الدينية ولكنه رفضها وأحس بالخناق والاختناق ولم يطاوعه ضميره القومي والوطني والإنساني عن الحالة السيئة التي يعيشه شعبه وقومه وهو ابن ثقافة السماء والجذور.

فكان ولا بد أن يفعل ويغير شيئا ما للحد من تلك الظروف لذا انطلق من جوهر تلك الثقافة التي تلقاها و من تاريخيها استمد معظم أحكامه وأفكاره لتكون في خدمة قضية عادلة وإنسانية فكانت هذه الخطوة التي بدء بها أولى الخطوات القيادية والصفات السامية التي امتلكها وكان سلوكه أقرب إلى سلوك المصلحين والقادة الأسطوريين منه إلى حالة شخصية نمطية  طارئة وعابرة في التاريخ .

حيث القيادة تظهر لدى الشعوب بطريقتين إما أن تبدأ الانطلاقة من الثقافة والأخلاق والظروف المحيطة ويتم التمرد عليها ووضع الأمور في نصابها كما فعلها اغلب القيادات التاريخية للشعوب أو تكون البداية بالانقلاب على الثقافة القديمة وقوانينها وأخلاقياتها ونسفها وبناء الجديد عليها كما فعله الأنبياء  .

إن عظمة البارزاني قد أتت مما كان يحمله من أفكار وأهداف سعى من اجل تحقيقها لأكثر من نصف قرن من الزمن وشغل وجدانه وعقوله وقيامه بالتضحية والعمل من اجلها وكذلك قدرته على جمع الناس حول الأهداف في عملية متناغمة ومنظمة لتصبح حركتهم متجهة نحو هدف واحد وإصرار الجماهير على متابعة المسيرة خلفه وكما كان من شيمه وصفاته القيادية النادرة في زمانه بأنه كان لا يبالي بالصعوبات التي تعترضه إيمانا منه بان كل شيء يسهل تجاوزه إذا امتلك المرء أو الجماعة الإرادة والصبر والقناعة فهذه الصفات جمعت في شخصه عمليا خلال مراحل نضاله في كل مكان حل فيه لهذا اندرج في مصاف الرجال العظماء ..
  كما أن سيرة هذا العظيم قد قيست  بدرجة وعيه وارتباطه مع الزمان والمكان التي تواجد فيه والظروف الصعبة المحيطة به وأن موهبته وعبقريته التجريبية وتلرتباطع بالأرض خلال معتركه النضالي على مدى سنوات طويلة جعلت منه رجل الصعاب ومذلل لها حينما كانت تتكالب عليه الظروف المحيطة والقوى المناهضة له وثقافة الخيانة لذا كانت المقاومة والصمود أول عمل يختر على باله ولا يتوانى في القيام بها تحت أي ظرف كان فكان حقا من نال صفات القادة الحقيقيين ولكن أعظم هذه المواهب المبدعة  التي لديه هو تجاوزه لتلك الظروف الصعبة ودخل مرارا في سياق مسيرته الطويلة  في صراع شديد مع قوى هدامة واستطاع  استمالتها نحوه وأصبحت تلك القوى الآن محاور أساسية لحركة التقدم والتغيير العام في المجتمع الكردي وهم ذاتهم من يأكلون من خبزه وكد رجاله الميامين .
لقد كانت شخصيته نخبوية مبدعة ومتفوقة على ذاتها الأنانية ومتمردة على واقعها المشوه التي جعل من المستحيل حالة واقعية ومعاشة واستفاد من قدرات وإمكانيات المتاحة في مجتمعه النائي والمتخلف  وصنع من الموت حياة ومقاومة ومن الجبن والضعف شجاعة وقوة.

وعادة ما تكون أمثال هذه الفئة من الرجال هي من تقع على عاتقها المسئولية الكبرى لذا تكفل بقضية ومصير الشعب الكردي حتى النهاية ونجح في الكثير من الواجبات الأخرى مثل الإدارة ة التنظيم والدفاع عن الحقوق والتنوير القومي وإيجاد الحلول الكفيلة بارتقاء الشعب وتطوره.

وطبعت المرحلة بطابعه المرجعي السياسي والنضالي الخاص.

فكم من مرة دفع الشعب الكردي ثمن غياب هذا الدور ولم يدرك هذه الحقيقة في وقتها..
إن سيرة هذا العملاق هي بمثابة مادة خصبة يستمد منها الجيل الحالي من أبناء هذا الشعب الروح وجرأة الكردايتي وأن البحث في خصاله لم تأت من فراغ وبشكل عبثي أو انتقائي أو بدافع مغرض أو مزاج شخصي أبدا بل كان نابع من حقيقة تاريخية ووجدان قومي وأنصاف أخلاقي لإعطاء هذه الزعيم  حقه وسموه الطبيعي كلما تذكرناه وكما الكرد مدينون لأعماله من القيم والتقاليد النضالية والإخلاص وكذلك من عوامل لبناء الشخصية القومية والوطنية وعودة الروح إلى كيان الأمة على مدى ثلاثة أرباع القرن ..
ـ ألف تحية وتحية إلى روحك الطاهرة ..
ـ المجد لشهداء مسيرته النضالية وكل شهداء الكرد.
2.3.2013

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…