إذن إن أي تحليل موضوعي لواقع التطور الثوري في سوريا كان سيرشح الأخوة الأكراد لأن يكونوا في طليعة الحراك الثوري..
حيث الثورة هي فرصتهم التاريخية لانتزاع حقوقهم ليس من السلطة فحسب (عنوة)، بل ومن الشعب السوري (حبا) الذي سيقدر لهم تضحياتهم الأخوية والوطنية والمواطنية، حيث عبر ذلك سيحصل الأكراد على حقوقهم بالتراضي والتوافق الوطني الشعبي وبالترحيب، بعد أن تنجز الثورة هذه الثقة الضرورية بين كل أطياف المجتمع السوري، الذي تمكن النظام المافيوي الأسدي من تفكيك الأواصر الروحية والوجدانية للمجتمع السوري وملأها بثقوب أزمة الثقة والخوف من الأخر الوطني على المستوى الاثني والمذهبي بل والمناطقي والجهوي.
لا يمكن للأكراد أن يثقوا بالأسد..
إن تراضي وتوافق الشرائح الاثنية والمذهبية والدينية بوصفها المكونات الوطنية لوحدة الكيان الوطني، هو شرط ضروري ورئيسي وأساسي لكل شكل من أشكال الفيدراليات القائمة عالميا، حيث كل المجموعات والمكونات القومية تكون متوافقة على صيغة التعايش، إذ لا يستطيع أحد الأطراف أن يفرضها بالقوة على الأطراف الأخرى..
ولهذا ما كان لنا لنصدق أن الـ ( ب.
كي.
كي) قد اتفق مع العصابات الأسدية المافيوية، أن يرث الحماية الأمنية للمناطق التي سيفرغونها لصالحه، وليدافع عنها في مواجهة الجيش الحر، حيث اعتبرناها دعايات مضادة من خصومهم السياسيين الأكراد، بل والعرب والسريان..
ما كنا لنصدق لعدة أسباب: أولا- أنه لا يعقل للـ ( ب.
كي.
كي) أن ينقل مواجهاته المعادية للأتراك إلى الأراضي السورية، ويقدم المسائل القومية التضامنية مع أشقائه الأكراد في تركيا على مصلحته الوطنية الديموقراطية في الثورة السورية..
هذا من جهة، ومن جهة أخرى (ثانيا) لا يمكن أن يجد له حاضنة سورية– خارج بعض الأوساط الكردية من جمهورالـ (ب.
كي .كي)- معادية للأتراك في هذا الظرف الذي تبدو فيه تركيا الأكثر دعما للسوريين ضد نظامهم الوحشي الأسدي، وذلك أكثر من أي نظام عربي آخر، رغم شعور السوريين بالتقصير التركي بالقياس إلى وعوده، لكنه مع ذلك أفضل من موقف الشقيق العربي شعبيا..
والسبب الأهم وهو قناعتنا، أنه مهما كان الأكراد مغرقين في طيبتهم وتسامحهم، لكنهم لا يمكن أن يكونوا سذجا ليعودوا للثقة بالنظام الأسدي الرعاعي (المعدم أخلاقيا) الذي سبق له أن خذلهم بل وخانهم بتسليم زعيمهم أو جلان لتركيا أمام مجرد قرقعة للسلاح التركي التي أذعرت الطاغية (الجيفة- الأسد -الأب)..
فكيف للأكراد أن يثقوا بهذه العصابات المافيوية البربرية في أن لا يبيعونهم كلهم للأتراك..
فإذا كانوا قادرين وطنيا وأخلاقيا أن يتخلوا عن الجولان لإسرائيل وعن اسكندرون للأتراك، بل وأن يدمروا من يفترض أنها بلادهم ويقطعوا رقاب ما يفترض أنهم أطفالهم وأن يستبيحوا شرف ما يفترض أنهن شقيقاتهم! فما الذي يمنعهم والأمر كذلك أن لا يعقدوا صفقة مع الأتراك ليشكلوا كماشة عسكرية مع الجيش التركي لسحق الـ(ب.كي.كي) نهائيا في أرض مناسبة لحرب الجيوش مما هي عليه في جبال (قنديل)، مقابل بعض التنازلات التركية نحو بقاء النظام لفترة ما في التسلط والاحتلال والنهب لسوريا!.
ولهذا أردنا في البداية عدم التدخل في الموضوع، وردينا على الكثير من رسائل الأخوة الأكراد التي تدعونا للتدخل في هذا الموضوع، فكتبنا في يوم 22 من شهر كانون الثاني: أرجو من الأخوة الأكراد أن لا يطالبوني بمواقف مؤيدة أو مدينة لهذا الطرف الوطني أو ذاك، في مشكلات أنا بعيد عن ملابساتها وتفاصيلها على الأرض، ولست مكلفا بملفها رسميا..
ولذلك لا أملك تجاه هذه الحالة سوى دعوة الجميع لحقن الدم السوري وعدم الانجرار للفتنة، وذلك بالتوجه المتكافىء إلى جميع الأطراف العربية والكردية..
فنحن تجاه مشكلة يجب حلها وطنيا بدون توزيع الإدانات للأطراف، بل دعوتها جميعا إلى وقف أي شكل من أشكال الاقتتال بين الأخوة في الوطن الواحد …وجعل الحوار هو الوسيلة الوحيدة لحل المشكلات بين أطراف الوطن الواحد المشترك والمتساوي للجميع في الحقوق والواجبات..
لماذا رأس العين؟
بعد هذا التعليق، انتقلنا من صيغة الرجاء والتمني على جميع الأطراف، إلى لغة إدانة جميع الأطراف المتقاتلة، في تعليق جديد: “كل بندقية تطلق نارها في سوريا، ليس باتجاه نظام العصابات الاستيطاني الأسدي وميليشياته وعملائه وحلفائه… فهي بندقية مشبوهة وطنيا” وكانت اللهجة أشد عندما بدأنا نسمع تساؤلات حول شرعية وجود الجيش الحر على في رأس العين فقلنا: “الجيش الحر أينما وجد على الأراضي السورية ، فهو موجود على أرضه ـ وليس على أرض الغير..
ولذا ليس لأحد أن يشكك بحقه في التواجد على أية قطعة من أرضه …سوى تشكيك عصابات الاستيطان الإحتلالي الأسدي الإجرامي بهذا الحق..”، كنا نحاول أن نسير وفق انحناءات خط الأحداث، وتواردها، فعندما بدأنا نستشعر أن ثمة (خطابا قوميا عربيا تهييجيا ضد الأخوة الأكراد، كان لا بد لنا من رأي حاسم ضد هذا التجيييش والتحشيد فأكدنا: “من الآخر..
كل من يحاول أن يعتبر أن معركة الشعب السوري في سبيل الحرية والكرامة وتحرير الوطن من الاستيطان الأسدي، قد اختصرت في رأس العين (أكرادا وعربا)، فإنه يكون قد سقط في شباك المؤامرة الأسدية لتحوير الصراع، من معركة مع النظام البربري الوحشي عن قصد أو دون قصد، أي إلى معركة بين أطراف الشعب السوري: عربا وأكرادا، وهم الوجه الآخر لبعضهم بعضا تشنجا متطرفا وعصبوية مرضية، في درجة الانخراط في المؤامرة التي يديرها رجل مخابرات العصابات الأسدية على مدى عقود: محمد منصورة.
إن معركة مستقبل الحرية في سوريا هي معركة جميع القوى ضد الإحتلال الأسدي.
كان لا بد أن تأتي ردات فعل عنيفة على خطابنا السابق في صيغة احتجاج تهاجم الجيش الحر وتركيبته: من يحسب لصوص الصوامع ومحطات الأبقار في رأس العين وتل تمر مجاهدين فهو يستخدم مقاييس شخصية مجافية للواقع والحقيقة،ويخلع عليها تمنياته ومطامحه – الجيش الحر هو غير هؤلاء الذين غزوا رأس العين، فرأس العين ليست لا القدس ولا الجولان ولا حتى دير الزور فكل هذه محتلة ولا أحد جيّش مجاهديه (الأردوغانيين) لتحريرها فلماذا رأس العين!؟ فواصلنا حوارنا مفندين مثل هذه الأطروحات: “يستطيع النظام أن يصنع مجموعات مرتزقة جاسوسية باسم الجيش الحر من أجل السطو والإيقاع بين الأطراف الوطنية والثورية، لكن لا يمكن أن تصل عمليات التآمر إلى حد توريط الجيش الحر الوطني في حرب جانبية مع أشقائه الأكراد …يجب البحث عن الأسباب العميقة، الأبعد من الظاهر….
الجيش الحر الوطني الحقيقي ليس من حق أحد في أية مدينة سورية أن يعامله كجيش خارجي، عليه أن يستأذن ميليشيات أو عملاء أو جواسيس النظام الأسدي في هذه المدينة السورية أو تلك، كما يفعل بعض من يعتبرون أنفسهم مثقفين أكرادا من المشبوهين في الأصل، منذ كانوا في سوريا مثل أحد مدعي الصحافة من الأكراد، ويظن الأصدقاء أن اسمه (سعيد معكو أو سعود عكمو) ناشد السيد مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان، أن يتدخل عسكريا لإنقاذ الشعب الكردي من (الجيش الحر) وليس من الجيش اللاوطني الميليشي الأسدي المعادي والقاتل لشعبه السوري عربا وأكرادا… ومع ذلك لم نسمع استنكارا لدعوى هذا الصحفي المشبوه وأمثاله، لا من قبل الـ (ب ك ك)، ولا من الأحزاب الكردية الوطنية الأحرى.
ولقد أتى في هذا السياق اعتراض آخر من وجهة مضادة لنا قائلة: أسألكم بالله وبالوطنية السورية، هل سمعت قبل سنة باسم سري كانية (رأس العين) وأنت أكبر منا سنا وعلما وفكرا..
أنا آسف أن أعبر عن احتجاجي واحتجاج السوريين بسماحك لهؤلاء المتعصبين الكرد أن يفرضوا علينا أسماء جديدة لمدننا السورية..
نعرف موقفك الديموقراطي الداعي للمواطنة والاعتراف بحقوق التساوي مع الأكراد، لكن اسمح لنا ونحن تلامذتك أن لانوافقك على هذه الجرأة الوقحة والسفيه (للقومجيين الكرد) بتغيير أسماء مدننا السورية..
وعلى هذا كانت هناك انعطافة في مسار خطابنا الحواري مع الأخوة الأكراد، بعد أن تبين لنا مدي الخطر الذي تحمله هذه المواجهات على حياة الأكراد وعلى مستقبل الثورة السورية، ومن ثم ضرورة الوصول إلى حل بتوجيه كل البنادق تجاه العصابات الأسدية، وزمن ثم التنديد بالسلاح الذي يصر على مواجهة الشرعية الثورية للجيش الحر لصالح التعاون مع الاحتلال الأسدي..
ولهذا أطلقنا شعار: “كل بندقية تطلق نارها في سوريا، ليس باتجاه نظام العصابات الاستيطاني الأسدي وميليشياته وعملائه وحلفائه..
فهي بندقية مشبوهة وبعد مناقشات مطولة..
خلصنا إلى نتيجة مفادها أنه لا بد لدرء فوضى السلاح، من تشكيل “لجنة من قيادة الجيش الحر”، تشرف رسميا ومؤسساتيا باسم الثورة على حمل السلاح، ومن ثم منح الترخيص لشرعية حمله، وذلك لكل القوى التي تحمل السلاح..
في مواجهة النظام الدموي الإجرامي الأسدي.
ولقد خطونا خطوة أو سع في توسيع مساحة الحوار مع الأخوة الكرد، فكان أن خاطبناهم تحت عنوان: أيها الأخوة الأكراد كونوا في مقدمة قيادة الثورة، ونحن نقبل أن نكون “جنودا” خلفكم وأنتم “جنرالات!!”
لا مصلحة للجيش الحر أو تركيا بتأسيس أي كيان على الأرض السورية..
الأخوة الأكراد: هذا وهم لم ولن يصدقه سوى بعض من أنصاركم من جمهور حزب العمال، عندما تقولون أن رأس العين تتعرض لهجوم من الجيش الحر المدعوم من تركيا لتدمير المدينة وابادة المدنيين!! وفي أحسن -حالات تفسيراتكم- أن الأمر يعني استهدافا للأكراد العلمانيين من قبل الأصوليين الإسلاميين..
فالأطروحة الأولى: الكل يعرف أن المعركة هي بين حزب الـ(ب.كي.كي) والدولة التركية ، ومن الوهم الشديد أن يعتقد أحد من الأكراد أن الجيش الحر، لا تلتقي مصلحته مع مصلحة تركيا بمنع تأسيس أي كيان على الأراضي السورية (إن كان كيانا ميليشيا قوميا كرديا أو إمارة إسلامية أصولية)، وأظن أن ذلك مطلبا شعبيا وطنيا سوريا..
لكن فقد أثبتت الميليشيات الأصولية الإسلامية حنكة ودهاء عندما كسبت تعاطف الشعب السوري بسب تقدمها الصفوف قتالا وتضحية ضد نظام عصابات الاستيطان الأسدي… وهو ماكنا نراهن عليه كديموقراطيين سوريين علمانيين في أن تكون القوى الثورية الكردية -بسبب تسييسها وتأهيلها العسكري- أن تتقدم صفوف العلمانيين السوريين، حيث كنا جميعا على استعدار لنكون معهم بل وخلفهم …وقلت لعدد من القيادات الكردية أننا على استعداد أن نكون جنودا تحت مظلة قيادتهم بوصفهم جنرالات، إذا كانوا في طليعة قيادة الثورة السورية ضد الفاشية المافيوية الأسدية ،وتلك هي الفرصة التاريخية، لأخذكم حقوقكم بأيدكم كأكراد وبرضى وامتنان الشعب السوري بكل قومياته، لا أن تبقوا دائما بموقع (المطالب) الذي ينتظر تفضل الآخرين عليه بحقوقه… وأتمنى أن لا يكون قد فات الوقت والأوان!.
هذا الفصل من النقاش سيشهد تصعيدا لغويا، يبدأ بالتحدي المتبادل الذي يعلن حتمية انتصار الـ(ب .كي .كي)، حيث تقول أطروحة أحدهم..
فيرد عليه آخر، مؤكدا حتمية هزيمتهم وانتصار الثورة، حيث الثورة السورية التي تجرعت بحر طغيان الأسد، لن يعجزها رشف ساقية ال (ب كي كي)..
ولقد ختمنا حورانا بأننا نظن أن الموضوع استوفى سجاله، وظهر من خلاله أن ثمة موقفين ثابتين، وهو موقف التناقض التناحري الدموي بين السلطة الاستيطانية البربرية الأسدية الدموية التي تريد إسقاط المجتمع عبر ذبحه، وجهة المجتمع التي تلا تقبل عن اسقاط السلطة بديلا واعتبارها أنه العدو الأول، وأن صداقاتها وعداواتها تتأسس على مبدأ الموقف من السلطة والانحياز إلى الشعب، وعلى هذا فإن هذا الموقف يعبرعنه برأس العين، من خلال قوى هي امتداد للسلطة وحليف لها، وتعتبر الجيش الحر عدوا، وقوى أخرى تعتبر الجيش الحر هو الجيش الوطني الوحيد- بغض النظر عن تياراته الفكرية والسياسية- وأن كل من يقف إلى جانب السلطة الأسدية هو لا وطني مثلها، وتتوجب محاربته كمحاربة الأسدية الوحشية، بغض النظر عن هويته القومية أو الدينية أو المذهبية، ولهذا ناشدنا الأخوة الأكراد أن يكونوا في صفوف الثورة والشعب، وهو بذلك سيرحب بهم أخوة وأهلا (جنودا وقادة)، وينتظر المقاتلين الأكراد المنشقين عن الجيش الأسدي، ليعودوا إلى صفوف جيشهم الوطني الحر الجديد، جنودا وضباطا، حيث مكانهم الطبيعي، وذلك في سبيل الدفاع عن أهلهم وثورتهم السورية الوطنية من أجل الحرية والكرامة: أكرادا وعربا
3-2-2013.