الـ (سريه كانْيّـات) العشر (الحقيقة الوحيدة في سريه كانّيه هي أن بقاياها تُدمر)

حسين جلبي

أُمراء الحرب في سريه كانْيه كلهم يقطنون خارجها، بعضهم يعيش مع عائلته في مأمنٍ
على بُعد آلاف الكيلومترات.
أُمراء الحرب هؤلاء لا
يرضي غرورهم الشخصي سوى الحسم العسكري في سريه كانْيه، سنتمتر واحد أقل من ذلك لا
يرضون به، فهو إهانة لهم و لمشاعرهم، و ينغص عليهم عيشهم الهادئ، و يجللهم بالعار
أمام معارفهم في المحيط الذي يعيشون فيه (و ينكس عقالهم)، لا يوجد للحل السلمي الذي
يحفظ حياة الناس و كراماتهم في قاموس هؤلاء أي وجود، لذلك يجب خوض الحرب في سريه
كانْيه حتى النهاية، حتى لو كان الثمن قتل كل البشر هناك و تدمير المدينة عن بكرة
أبيها، فالمهم الحسم العسكري.
الواقع أن هؤلاء مُحقون، فأهل سريه كانْيه ليسوا سوى أحجاراً على رقعة الشطرنج التي أورثهم إياها آبائهم، و في لعبة الشطرنج ليست هناك دماء و أشلاء و خراب، لذلك لا بُد من الوصول إلى (كش ملك) حتى لو إختفت كل (أحجار الشطرنج) في الطريق إليه من الوجود، إذ يمكن إعادة اللعبة في مدينةٍ أُخرى.
*     *     *
 لا أحدَ يفعل لسريه كانْيه شيئاً، لا شئ غير
المزاودات الكلامية، الأكثر ثرثرةً هو الأكثر وطنيةً، و كأننا في مسابقة للثرثرة،
يبحث فيها الثرثارون أثناء نظْمهم لمساهماتهم العصماء عن نقاط ضعف في نظمْ الآخرين
لتخوينهم و بالتالي زيادة رصيدهم من الثرثرة على حسابهم.
سريه كانْيه تُذبح، لا
بُد من حل عقلاني يوقف هذا النزيف فوراً، ليتوقف قرع طبول الحرب التي لا تكلف
أصحابها شيئاً، فالشحن الذي يقوم به البعض لا يكلفهم شيئاً، لكن ثمنهُ في سريه
كانْيه دم.
لتكن سريه كانْيه رمزاً للسلام بدلاً من أن تتحول إلى خرائب تثير الأحقاد.
لا بُد من وقف المذبحة قبل إمتدادها إلى أماكن أُخرى، و إلى أزمنة أُخرى.
 *     *     * 
المبالغة الكبيرة التي يبديها البعض في الدفاع
عن القضية الكُردية، و العواطف الجياشة المُبالغ فيها تجاه سريه كانْيه الجريحة،
تكاد تشعرنا بأن هؤلاء آباء القضية و أمهاتها، و إن من لا يمتلك مثلهم ذلك الرصيد
من الكلمات الطنانة هو أحد بائعي القضية و لا يتمنى الخير لأهله.
لكن هناك شعور خفي بأن أحد أغراض تلك المُبالغة هو تقديم أوراق إعتماد إلى جهةٍ ما
توزع شهادات الوطنية و ذلك للحصول على رضاها، و لتبرأة أنفسهم من تهم الخيانة و
العمالة التي أتهمتهم ـ أو قد تتهم ـ بها لاحقاً، و تجنب ملاحقتهم بسببها…
شعبنا يتألم في صمت و يبكي دون صراخ، ذلك هو أنبل الألم.
 *     *     *
 أعتقد أن الوضع في منطقتنا الكُردية يخرُج عن
السيطرة، سريه كانْيه قد تكون البداية فقط.
إذ يتبين يوماً بعد آخر أن رهان البعض على حصول الكُرد على كل شئ مقابل لاشئ، أو
بقاء شبر من سوريا دون دم، لم يكُن سوى رهاناً على سراب، فاليوم يندفع إلى المنطقة
كل أراذل الأرض للقيام بما لم يقم به النظام، و كأن قدر السوريين بما فيهم الكُرد
هو دفع ضريبة حريتهم لهذه الجهة أو تلك.

*     *     *
 
رفضنا للهجوم على سريه كانْيه يعني من ضمن ما
يعنيه رفض وجود أي كُردي في صفوف المهاجمين حتى لو كان هؤلاء من الجيش الحُر الذي
سيحرر سوريا من عصابة الأسد، و حتى لو كان وجود ذلك الكُردي المهاجم سيؤدي إلى
إقامة كُردستان الكُبرى، لأنه و ببساطة توزع كُرديين على طرفي القتال و على أرض مدينة
كُردية هو أحد أشكال الإقتتال الكُردي ـ الكُردي الذي عمل الجميع طوال الفترة
الماضية على تفاديه.
 *     *     * 
السبب الوحيد الذي يمنعني من تصديق مسألة قدوم
المجموعات التي تقاتل في سريه كانْيه الآن من الأراضي التركية هو وجود عشرين مليون
كُردي تركي كان سيشكلون درعاً بشرياً عظيماً، يشبه سور الصين العظيم، أمام تلك
المجموعات لمنعها من دخول المنطقة الكُردية السورية و إلحاق الأذى بالكُرد
السوريين، خاصةً أن سريه كانْيه ملاصقة لمنطقة تواجد تلك الملايين.
 *     *     *
 هناك الكثير الكثير من المشاهد الصادمة في سريه
كانْيه، كان أول ما أصابني بالصدمة خلال الهجمة الأخيرة عليها هو الإعتداء من قبل
بعض الحاقدين على بعض الكُرد بالضرب بالعصي و الأقدام بتهمة التشبيح لصالح للأسد،
فأنا لا أعتقد أن هناك كُردياً سورياً واحداً و ليس له مشكلة ما مع النظام
الإستبدادي القاتل، و من ليست لهُ مشكلة فقد خلقها النظام نفسهُ من خلال قتله
للسوريين و تدمير سوريا، فكيف وصل بنا الحال إلى أن بعضنا أصبح متهماً بالعمل
لصالح النظام من قبل أزلام النظام؟ ألا يحتاج ذلك إلى وقفة مع الذات؟
 *     *     *
 في الحروب، كم أكره القادة و المستشارين و
المطبلين و المزمرين و كل من يُحارب بلسانه، إنهم أول من يطعن المُقاتل في ظهره و
يخدعه عندما يوجهه للقتال لتحقيق النظريات التي يسوقون لها أو يستفيدون منها، في
الوقت الذي يتوجب عليهم أن يتقدموا المقاتلين لمواجهة العدو، على الأقل لإظهار
إيمانهم بالنظريات التي يدفعون الآخرين لبذل دمائهم في سبيل تحقيقها.
 *     *     *
 الحل الوحيد لمأساة أهلنا في سريه كانْيه تتمثل
في أمر واحد ألا و هو: الإنسحاب التكتيكي النهائي لجميع المتقاتلين من المدينة، و
إذا كانت لديهم رغبة في متابعة القتال فالبرية تتسع لهم جميعاً.

 *     *     *
 لتكن ينابيع سريه كانْيه بلسماً لجروح كل
السوريين، لتتابع ينابيع المياه تدفقها بدلاً من ينابيع الدماء، لأن الدماء لن
تروي أحقاد الساعين إلى الثأر.
تعالوا لنغسل قلوبنا في ينابيع رأس العين.
 حسين جلبي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…