نحو ادارة سياسية جديدة للثورة السورية

صلاح بدرالدين


 

  في سلسلة الربيع الثوري المتواصل مازالت الحالة
السورية في مكان الصدارة ومحط الأنظار على الصعد الاقليمية والعالمية من حيث المدة
الزمنية التي تقترب من استكمال الذكرى السنوية الثانية وأعداد الضحايا البشرية من
الشهداء والجرحى والمعتقلين والمهجرين والنازحين وحجم الدمار في المدن والبلدات
والأرياف والظروف المعاشية الكارثية واصابة كافة مناحي الحياة الاجتماعية
والتعليمية والصحية بالشلل وفي ظل كل ذلك الوضع المأساوي لم تتوقف ملاحم البطولة
التي تسطرها قوى الثورة من حراك وتنسيقيات وجيش حر في مقاومة الآلة الحربية
الهمجية لمختلف أسلحة البر والجو والبحر لأعتى النظم العسكرية – الأمنية – الفئوية
المقامة خصيصا لمواجهة الداخل

 والمدعومة بجسر جوي وبحري من أحدث ما تحتويه
مخازن الأسلحة الروسية والممولة بالسيولة النقدية والمساعدات الاقتصادية وأرقى
أجهزة التنصت والتشويش والملاحقة ومجاميع من خبراء حرب المدن والتشكيلات
الميليشياوية المضادة للانتفاضات الشعبية من جمهورية ايران الاسلامية والعراق
وميليشيا حزب الله اللبناني كل ذلك يشير وبمالايدع مجالا للشك الى حقيقتين :
الأولى وحشية نظام الأسد الذي جمع كل الجوانب المظلمة القاتمة للأنظمة الفاشية
والنازية والشمولية الأوروبية المقبورة في القرن الماضي وتراث حزب البعث العراقي
المخلوع في العنصرية والطائفية والمقابر الجماعية واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد
الشعب واصراره على حرق سوريا كيانا وأرضا وشعبا ومن ثم تقسيم أشلائها المتبقية
والحقيقة الثانية تتجلى باالمضمون الوطني التحرري الديموقراطي لكفاح غالبية
السوريين وبلوغ حراكهم المقاوم من أجل التغيير رغم كل المعوقات الى مصاف التحولات
الكبرى في التاريخ الحديث وتطور انتفاضهم الى ثورة من طراز جديد قد تشكل نموذجا
لحركات الشعوب الأخرى من أجل التغيير الديموقراطي الناجز .

  ولكن من جهة أخرى يتراءى لنا أن هذا الانجاز
السوري العظيم معرض للكثير من التحديات الماثلة ليس من العدو الرئيسي فحسب بل من (
حلفاء مرحليين ) في الصفوف الداخلية الى درجة أن قوى دولية مهمة تعتبر من ( أصدقاء
الشعب السوري ) بدأت بالتشكيك في صدقية وحتى وطنية فصائل ومجموعات مشاركة بالثورة
وتتهم أخرى بالارهابية والانتماء لمنظمة القاعدة وكل ذلك بمثابة جرس انذار لنا
جميعا عسى ولعل أن يتم معالجة الأمر واعادة التوازن الى الاختلال الحاصل بين
الواقع والمشاع وبين الثورة والعمل السياسي بأقل الخسائر واعادة الاعتبار الى
المشروع الوطني السوري الذي قامت في ظله الثورة بل خرجت من أحشائه .
    المصرييون قالوا كلمتهم متأخرين
  المصرييون يقولون في الذكرى السنوية الاولى
لثورتهم لا لحكم المرشد لا لسلطة الاخوان ولكن بعد فوات الاوان التوانسة قالوها
ايضا في ذكراهم السنوية لا لحكم النهضة – الاخوانية – في كلا البلدين ركب الاخوان
موجة الثورة قبل أن تشرف على الانتصار بقليل أي في اللحظات الأخيرة واستثمروا
نتائجها لصالحهم في غفلة عن القيادة الشبابية الحقيقية للثورة التي اعتبرتها
السيدة هيلاري كلنتون ” بعدم النضج السياسي والافتقار الى الخبرة ”
واسترخاء ولانقول – تواطىء – من الأحزاب والتيارات القومية – الناصرية والليبرالية
التقليدية التي عجزت عن التميز بين السيء – نظام مبارك – والأسوأ – حكم الاخوان –
أو لأسباب فكرية – ثقافية ترتبط بمضمون فهم العلاقة بين العروبة والاسلام .
   فماذا عنا نحن السورييون ؟ 
   هل نتأخر اسوة بالتوانسة والمصريين لنتستفيق في
الذكرى السنوية الثانية أو الثالثة ونلطم على وجوهنا وندعو الى ثورة – تصحيحية –
جديدة ونقول لا لحكم المرشد أم نبدأ من الآن من أجل توفير المزيد من الجهد والوقت
والتضحيات ؟ هل نترك ساحة المعارضة وقيادتها لتسلط الاخوان المسلمين وتحكمهم
بالقرارالسياسي والمال منذ عامين وحتى الآن وما أوصلوا اليه الحالة المستعصية التي
نتعايشها ونلمسها مزيد من الفشل والاحباط والوقوف أمام الطريق المسدود وخذلان قوى
الثورة والجيش الحر وعدم تأمين الحاجيات الأساسية والسلاح والذخائر واغماض العين
عن تسلل الجماعات السلفية – الجهادية ليشكل بعضها وصمة عار على جبين ثورتنا
الوطنية الديموقراطية والعجز عن تأمين الاعتراف الدولي وتضامن المجتمع الدولي مع
القضية السورية والتسبب في تصدع الداخل الثوري واثارة الفتن العنصرية والطائفية
هنا وهناك والتهرب من اغاثة مئات الآلاف من أهلنا ومواطنينا النازحين والمهجرين
بالداخل السوري والخارج .
 
  هل نسكت كما سكت رهط من القوميين ونفر من
الليبراليين المحافظين وقلة من الانتهازيين الباحثين عن المصالح الخاصة اللذين
تحاصصوا مواقع المسؤولية في ” المجلس الوطني السوري ” ومن بعده ”
الائتلاف ” مع الاخوان وحصلوا – من الجمل على أصغريه  – أم نرفع الصوت عاليا ومن هذه اللحظة : لا
لتسلط المرشد على مقدرات المعارضة لا لاستغلال الاخوان لحاجات قوى الثورة بالداخل
لا لاجندتهم الخاصة من وراء ظهر الثوار والمناضلين وعلى حساب الثورة وحرفها عن
طريقها الوطني الديموقراطي وجوهرها العلماني التقدمي .

  لاأدعو هنا الى عزل – الاخوان – أو غيرهم أو
حرمان أحد من شرف المشاركة النزيهة بالثورة فمن الحق المشروع لأي كان أخلاقيا
ووطنيا وانسانيا التواجد على ساحة الكفاح بهدف اسقاط نظام الاستبداد ومن حق كل
مساهم جماعة أو حزبا أو فردا في المرحلة الأولى من الثورة أن يقدم مالديه من أجل
تحقيق الهدف المشترك الأساسي الأول والوحيد وهو اسقاط النظام بكل السبل والوسائل
المشروعة ومن حقه أيضا العمل بحرية وبطريقته الخاصة وتحت ظل شعاره وشعائره الخاصة
ولكن وفي الوقت ذاته من واجبه الالتزام الكامل بالهدف الرئيسي والمبادىء العامة
للثورة وجوهرها السلمي المقاوم وحرصها على كل نقطة دم وصيانتها لوحدة السوريين
الوطنية ونبذ كل الدعوات والنزعات والآيديولوجيات العنصرية والطائفية التي تفرق
ولاتوحد والانسياق لقوانين وقرارات قيادات الثورة والالتزام بها أقول ذلك للجميع
لكل أطياف شعبي السوري ولاأستثني شعبي الكردي وحركته الوطنية وحراكه الثوري يسري
عليهم جميعا مايسري على الآخرين وأقول لهم أن الأولوية لمهمة اسقاط النظام
وماتتطلب من تعاون وتضامن وتلاحم وأن الحقوق الكردية المشروعة وازالة الغبن عن
كاهلهم وترتيب أوضاعهم بمايلبي ارادتهم في سلم الأولويات الوطنية لمرحلة مابعد
اسقاط النظام الشوفيني وليس مقبولا من أي كان كرديا أو عربيا أو أي مكون كان أن
يثور بشروط أو يصبح وطنيا تحت ظل حسابات جانبية فهي ولاشك ذرائع وحجج باطلة الى
جانب ذلك فان بحث المكونات التي حرمت وأقصيت وأضطهدت وهجرت لعقود كاملة مثل المكون
الكردي عن هوياتها المفقودة واعادة الاعتبار لتاريخها ودورها الوطني ليس موجها ضد
القومية السائدة الغالبة بقدر ماهي تعبير عن الخلاص من الاستبداد والتنفس في أجواء
الحرية التي طال انتظارها .
 

   وأخيرا وليس آخرا أقول : ثورتنا في خطر
والانقاذ واجب وطني ملح ولم يفت الأوان بعد وأخالف الصديق برهان غليون بوضع
مسؤولية اسقاط النظام على المجتمع الدولي فحسب بل المسؤولية الأولى والأخيرة تقع
على عاتقنا نحن السورييون .

  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…