رسالة إلى بعض الإخوة الصامدين في الوطن.. رداً على رسائلكم الألف.

أمين عمر

أخي الصامد في الوطن، لماذا لا تصدق إني أبكي جوعك وإن كنت شبعانً، لماذا لا تصدق إني ألعن بردك وإن كنت دفئانً، أخي الصامد في الوطن، لماذا أعاملك كملاكٍ جريح، وتعاملني كمجرم حرب، ألأنني منذ سنوات قررت ترك الوطن، هل كانت هناك وقتها حربٌ، فرميت سلاحي ، ووليت الأدبار، وتركتك وحيداً اسيراً .

بالتأكيد لسبب ما، تركتكم، بوجودنا أو برحيلنا المعادلة كانت ثابتة، ما دمنا كنا ساكنين لا نتحرك، ما دام الظلم هناك كان أكبر منا جميعاً.
أخي في الوطن لماذا تشعرني بالعار كل دقيقة كلما أرسلت لك سلامي ، وهل انا سببُ ما أنت فيه ، وما كان سيتغير وماذا كنت ستستفيد لو إني رقم آخر، جائع آخر، لو إني صامت آخر بجانبك.

ألم تلاحظ منذ سنوات هجرتي إني لم أغب عن همك لحظة ، وكتبت عنك لحظةٍ بلحظة.

أليس وجودي هنا افضل لك ولي .

هنا عندما نقيم مظاهرة ضد النظام هناك، نظامٌ أبتلعني وأياك.

وأياً كان دافعنا ، بكاء القضية، الرقص، أو الحصول على الإقامة ، أليس نصرخ بأن النظام هناك ينال مني ومنك، أليس نوصل رسالة الى المسؤولين هنا، دفاعاً عن وطننا هناك، أليس كل من يمر بالقرب من مظاهرتنا يقول هؤلاء الكرد يطالبوننا بمساعدتهم، لماذا لا ترى هذا شيئاً جيداً ولا تسعد بأننيهنا صدى صرختك هناك أما كنا نحتاج لملايين الأموال، لكي تصل صرخاتنا إلى هنا، إذاً لماذا تستهزئ بناكلما ترى أوتسمع عن مظاهراتنا .أليس كلما كان يـُعتدى عليك هناك اذهب فأشكيه بمظاهرتي هنا.
أخي الصامد في الوطن ، عندما أقوم هنا بجمع التبرعات ، مهما كنت تعتبرها، إعتبرها للمنفخة و” للفخفخة “، ولكن، في النهاية ألا يصل المبلغ الى المحتاجين هناك، ألا يساعد نوعاً ما بحل مشكلة ما، لماذا تعتبر كل ما اقوم به هباءً أو جريمة ، هل فقط سترتاح إن رأيتني مكبلاً مثلك، جائعاً ، أحتاج المساعدة مثلك .
أخي الصامد في الوطن، لماذا كلما كنت أكتب كلمة ضد النظام، كنت تعتبرها مزاودة ، اما كنت أقول بإن النظام يأكل حقي وحقك، ينهش لحمي ولحمك، لماذا لم تبعث لي رسالة واحدة تقول نعم تابع، أكتب عن كل جرائمه، أكتب عما يفعله بشعبنا، لماذا بعد كل مقالٍ لي اراك تكتب في اليوم التالي: الى المزاودين في المهجر تعالوا الى هنا وأكتبوا ما تشاؤوا .

أما كان قصدك أن اصمت، وانا الذي أكتب عن جرحي وجرحك.

هل حقاً كنت سترتاح عندما أكون صامتاً أو سجيناً.
أخي في الوطن ألم تلاحظ من خلال ما كتبت إني لم انقطع عن همك يوماً، الم تلاحظ من كلماتنا أن ملاهي أوروبا لم تخلق لأمثالنا، ألم تلاحظ إن جسدي مهما أبتعد، تبقى كلماتي، تُقسِم لك، تعبر عن روحٍ لازالت أسيرة هناك.
أخي الصامد في الوطن أنت تفهم علي وتتقصد بإنك لا تفهمني كي تشعرني كأنني المذنب والسبب الوحيد في كل تلك التعاسة التي حلت بنا وانت تعرف أن كلانا ليس السبب.

كلما أحاول أن أكتب لك شيئاً بطريقة ساخرة كي اتحدث عن جرحك ، جرحي، دون أن أشعرك بالألم، تتهمني بالوقاحة وعدم المبالاة ، هل تستمتع و تتلذذ بتعذيب نفسك وتعذيبي، أليس الفرق بين الكتابة الساخرة والكتابة المباشرة في معالجة مسألة ما ، مثل معالجة سنٍ مصابٍ ملتهبٍ،كالفرق بمعالجته  بتخدير أو بدون تخدير، هل حقاً تتنازل عن كل تلك الراحة التي يوفرها لك التخدير، فقط كي تبكيني عليك وتشعرني بأنك تتألم وحيداً دوني .
أخي الصامد هناك في الوطن، وجودك في الوطن  يبرر لك ارتكاب الأخطاء، يبرر كل شيء، إلا الكذب، لأن كل شيء، كل مرض قد يعالج حين تذكره أو تشير إليه.

أعرف إن الجوع يحيط بك  وكذلك الرصاصالطائش و غير الطائش، ولكن هذا لا يبرر لك أن تُغيّر المفاهيم ، فالحقيقة واحدة  لاتعترف بالجوع والبرد والسجن، وليس كل ما تقوله أنت هو الصح، وكل ما أقوله أنا خطأ، أنت تقاتل من أجل رفع ظلماً عني و عنك ، فكيف ترضى بظلمٍ  أخر يمنعك من كتابة سطرٍ على مدونتك وفي فيسبوكك ، كيف تحارب من أجل حريتك ، وتسمي نفسك ثائراً ولا تجرؤ على وضع إشارة إعجاب على سطرٍ مدافعٍ عنك وعن ثورتك.
أخي الصامد في الوطن هناك خطأٌ ترتكبه بحق نفسك وبحقي، والسبب إننا تعلمنا الأخطاء والانتقام من أنفسنا، وهو ليس خاصٌ بك وحدك، فعندما كنت هناك كنت ارتكب الخطأ ذاته.
أخي الصامد في الوطن، هل تسمع من أخاك في المهجر فتفتح قلبك وتنظر إلي بتفاؤل، فوجودي هنا قد يكون فرصة لك ولي، لأن الرصاصة تصلك هناك ولا تصل إلينا هنا ، والقاتل سيفكر بي وما سأقول عنه ، قبل أن يطلق رصاصته عليك .

فلماذا تعاقبني لأنك جائع ، لماذا تعاقبني إن ظلمك أحدهم.

أخي في الوطن لماذا يظلموك فتجعل من نفسك ظالماً ، فوالله ما رقصت في بارٍ هنا، ولا احتسيت قطخمرة هنا، ولا ضحكتي هنا كضحكتي هناك
أخي الصامد في الوطن لا تطرد روحي الصامدة معك هناك في الوطن، لا تقتلها فهي لن تغادر كما غادرته أنا من قبلُ جسداً.
………………………………….

ملاحظة: الرسالة موجهة لكل الأحبة ولكنها لا تشمل بطل حزورتنا الأخيرة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…