ملحمة كوري «عندما هرب الجميع بقي الرئيس مسعود البرزاني»

سعيد سوري- هولير

    إن سِفْر البارزانية البطولي فريدٌ، ويتميّز عن نصوص الملاحم التي أوردت في الأفيستا، وعن القصص الخرافية والخيالية التي تروي المآثر عن الأبطال الأسطوريين في كتاب الشهنامة للفردوسي، وعن الروايات الكردية الخرافية الواردة في الأفسانا، أو الطرائف مثل “لولو سرهاد عاشق الحرية وملهمها؛ حيث تتماهى في هذا السفر الحقيقة مع الأسطورة، والواقع مع الخيال.

    إن التاريخ النضالي لبارزان يعود لبدايات القرن العشرين، وذلك بعد أن قام الشيخ عبد السلام بإصلاحاته، حين وحّد العشائر في منطقة بارزان (شيرواني، دلوميري، مزوري، به روزي، نزاري، كهردى، هرك بنه جي).
    ثم قام بتنظيم مسلحين لكل عشيرة، وتعيين مسؤولين لهم تحت لواء البارزانية، وكان ذلك بمثابة القوة الضاربة للدفاع، شكلت إصلاحاته خميرةً لبلورة الوعي القومي في آن واحد، كما كانت  نواة القومية الكردية المعاصرة، وارتقاء المجتمع الكردي من العشائرية والإقطاعية إلى الحالة القومية.

 ومع قيادة البارزانيين لحركة التحرر الكردستانية تبلور مفهوم الأمة الكردية.
لقد بدأ البارزانيون معركتهم الأولى ضد الاحتلال العثماني عام 1907، واستشهد الشيخ عبد السلام البارزاني عام 1914، على أيدي الأتراك، ثم تتالت معارك البارزانيين على امتداد القرن العشرين، من معركة دولافازي الشهيرة، ومعركة ميدان موريك، ومعركة كورة تو، ومعركة مزنه، إلى معارك ثورتي أيلول وكولان وصولاً إلى ملحمة كوري.
   شهدت هذه الأرض جحافل إسكندر العظيم، وداريوس، وسنابك خيول فرسان هولاكو، وتيمورلنك،  وأصبحت بمثابة ديان بيان فو، وبرادينو كردستان لأنها حوّلت الهزيمة إلى نصر مظفّر.
فقد بدأت أحداثها عشية الهجرة المليونية إلى تركيا وإيران أثناء انتفاضة آذار 1991، فاضطرَّ حينها مئات الآلاف من المواطنين الكرد إلى الهرب خوفاً من هول آلة الحرب العراقية، فتصدّى لها الرئيس مسعود البارزاني بمهارة ودهاء نابليون، وشجاعة الخالد مصطفى البارزاني.
 ألحقَ الرئيس البارزاني مع عناصر حمايته هزيمةً ساحقة بالقوات العراقية المهاجمة عند موقعة كوري على مشارف مدينة صلاح الدين، ولاذت القوات العراقية بالفرار تاركة آلة حربها مدمّرة في أرض المعركة، حيث صارت أسلحة العدو المدمّرة من معالم الحرب.


 عندما انتشرَ النبأُ بين المهجّرين بأن البارزاني قد دخل المعركة وردّ العراقيين على أعقابهم بدؤوا بالعودة إلى مدنهم وقراهم.
لقد أثبتت ملحمةُ كوري مرة أخرى أنّ البارزانيين سادةٌ في الحرب، كما أنهم أمراء سلام، وكأنّهم خلقوا ليكونوا في المقدمة بشموخ مثل جبال شيرين، وبيران، وبرادوست، وكوري هوري، وزردنه، التي تعانق أرض اليباب الملأى  بالحسرات والأحزان وأنين الأيامى والثكالى، أرض الخراب والحرائق والدماء والورود، فمن غمامة البرق نهض البارزاني الكبير ملا مصطفى كالمارد منقذاً أمّة الكرد.
ستبقى ملحمة كوري مفخرة معارك البارزانيين، وصفحة ناصعة في سجّل أمجاد الكرد، تغنّى بها الشعراء والفنانون، وألقيت بمناسبتها القصائد والأناشيد، وهدهدت بها الأمهات الكرديات أطفالهنّ تحت الخيم في المنافي المهجّرة والعراء.
هكذا يؤدي القادة التاريخيون دورهم لشعوبهم في المنعطفات والمواقف الحرجة.


وعلى الدوام، كان البارزانيون في المقدمة، مثالاً للشجاعة والشهامة والمهارة في العمل والتواضع والثقة بالنفس والصّدق مع الشعب.

عقيدتهم دفاعية، ليسوا هواة طبول الحرب والغزوات، بل هم عشّاق حرية وسلام يدافعون عن أرضهم بشرف، ويحاربون ملتزمين بأصول وأعراف الحرب.
 ومن مآثر الرئيس مسعود البارزاني، ومواقفه الإنسانية أنه طالب بمعاملة الأسرى العراقيين معاملة إنسانية بعيداً عن روح الثأر والانتقام، وقد تمَّ إطلاق سراح الجميع.
عندما كنتُ في زيارة منطقة بارزان، أشار زميلي إلى بقايا أنقاض القرى المدمرة على جانبي الطريق من قبل الجحوش قائلاً: إن سيادة الرئيس قد أصدر عفواً عن جميع الجحوش ماعدا واحداً لأنه قام بتدمير جامع في إحدى القرى.
في ختام المقام، نتمنّى على الهاربين كافة من المواقف والمسؤولية والمحافل الدولية الانتقال إلى الجانب الصحيح من التاريخ حيث كانت ومازالت القافلة البارزنية.

27-12-2012

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي يستقبل السوريون عيد الفطر السعيد بفرح وسعادة تغمران الأجواء، حيث لا يزال الناس يتمسكون بالعادات والتقاليد التي توارثوها عبر الأجيال. يبدأ التحضير للعيد منذ الأيام الأخيرة من شهر رمضان، إذ يتم تنظيف المنازل، وشراء الملابس الجديدة للأطفال والكبار، وتحضير الحلويات التقليدية مثل المعمول بأنواعه (بالعجوة، أو الجوز، أو الفستق الحلبي) إلى جانب الحلويات الأخرى كالغريبة…

إبراهيم اليوسف   لطالما كان الكرد جزءًا لا يتجزأ من النسيج السوري، حيث ساهموا بفعالية في مختلف مفاصل الدولة منذ تأسيسها، فقد تقلد العديد منهم مناصب رفيعة، بما في ذلك الرئاسة، ورئاسة الحكومة، الوزارات، رئاسة الأركان التي كان أول من تولاها كردي، حتى صعود التيارات القوموية العروبوية الناصرية والبعثية، التي سعت إلى تهميش الكرد وتذويب هويتهم. ورغم ظروف القمع، لم…

كفاح محمود   ربما كانت الإذاعة الألمانية في عهد زعيم ألمانيا النازية، أدولف هتلر، هي النموذج الأول للضجيج الإعلامي وصناعة الأوهام، من خلال عمليات غسل الأدمغة وتسطيح الرأي العام، حيث تبلورت تلك الصناعة في مقولة وزير الدعاية النازية، جوزيف غوبلز: «اكذب حتى تصدق نفسك.» ومنذ ذلك الحين، تكاثرت «إذاعة برلين» في عواصم الشرق الأوسط، إذ وجدت بيضها مفرّخًا في شتى…

يُجدّد تيار مستقبل كردستان سوريا تهنئته لأبناء شعبنا الكردي في سوريا والعالم ، وشعوب المنطقة كافةً، بمناسبة حلول عيد نوروز المجيد، رمز التجدّد والحرية والانبعاث . لقد شهد نوروز هذا العام (٢٠٢٥ /٢٧٢٥ ك) زخماً احتفالياً استثنائياً، تجلّى في مشاركة واسعة شملت مدناً سورية عديدةً ، من دمشق وحلب واللاذقية والسويداء وحماة، إلى المدن الكردية مثل عفرين وكوباني وديريك، في…